Wednesday 14 May 2025
سياسة

حسن إغلان: نعاني في المغرب من تهميش المشاكل الحقيقية في النقاش العمومي

حسن إغلان: نعاني في المغرب من تهميش المشاكل الحقيقية في النقاش العمومي

الحديث عن دور المثقف المغريي اليوم  في ما يجري ويدور داخل المجتمع من  أحداث  وقضايا  أصبح ملحا، فهل هو  يتفاعل معها و كيف يتابعها  ؟وكيف يحللها ؟ أم ابتعد عن كل ذلك و انزوى في محرابه  معتكفا مع قلقه الوجودي يتأمل في صمت  دون الخروج من العتمة  بعيدا عن الناس قريبا من نفسه ،  اسئلة  طرحناها في نقاش جمعنا  بـ"حسن إغلان" الكاتب الروائي والباحث الفيلسوف   والذي أصدر  مؤخرا  كتابا عن" السياسي في الفكر العريي المعاصر الجابري نموذجا" في هذه الحلقة الثانية يتكلم  عن" ثقافة الشماتة"  و  ويقارب  مرة أخرى الإلتباس القائم اليوم في المغرب بين الخطاب والممارسة في تحليله لواقعة شط القمقوم  نواحي المنصورية  والتي تمزق فيها "الحجاب " :

من الصعب اليوم الحديث عن حدث ثقافي أو سياسي ولكن يمكن أن نتحدث عن الحادثة والفرق واضح بين الكلمتين ، فثمة أحداث وقعت في المغرب  ربما أشارت إليها الصحافة بشكل كبير وشكلت بالنسبة إليها محورا أويافطة في صفحاتها الأولى  وهو ما نسميه أو يسميه رجال الإعلام بالترويج للجريدة او المجلة أو ما إلى ذلك مثلما ما وقع مؤخرا في حادثة المنصورية نواحي المحمدية ، لكن هذه الأحداث وإن كانت مهمة واستقطبت اهتماما كبيرا من حيث الفضول فإنها  تعبر عن   ما  أضحى راسخا في ثقافتنا المغربية و نعني بذلك الإهتمام العمومي بالأحداث البسيطة والعادية والتي تثير فضوله كالإغتصاب والسرقة  وغير ذلك من الأمور التي باتت اليوم رافعة رئيسة في صحافتنا الوطنية تحت شعار ترسيخ ثقافة الشماتة في المغرب التي تسرطنت وغيبت وأمحت قيما نبيلة  كانت تجمع الكل في هذا البلد السعيد كالصداقة والتضامن والتركيز على  المشاكل الكبرى  عوض المشاكل المفبركة ،

 اليوم من خلال "ثقافة الشماتة" هاته يمكن  ان تلاحظ في المقاهي ماذا يقرأ المغاربة في الصحافة الوطنية ، فهم غالبا لا يقرؤون مقالا تحليليلا بل يبحثون  عن المقالات الصغيرة  التي تحكي عن أحداث ذات طابع فضائحي التي  تقع هنا وهناك  ، وهي أحداث جلها مسربة من الأجهزة  المخزنية بشكل عام ، ومثل هذه الأمور لا يمكن للصحافي أن يحصل عليها إلا من داخل أروقة هذه الأجهزة ،  وانطلاقا  من  هذا المعطى أعتقد أن  هنالك نوعا من توجيه أو تعيين القارئ  نحو ترسيخ ثقافة الشماتة ، لكن مع اﻻشارة إلى  أن المغاربة  - بشكل عام- أفلتوا لحظات كثيرة من تاريخهم وهذا أمر لا جدال فيه   وخاصة في مرحلة التسعينات من القرن الماضي  حيث طرحت أسئلة وأوراش كبرى في النقاش الثقافي والفكري ، والسياسي وأعطي أمثلة  على ذلك  كعلاقة السياسي بالديني والتي  عرضها الأستاذ  الطوزي  في  كتابه عن الملكية  والأستاذ الحمودي في كتابه الشيخ والمريد وكتاب الأستاذ نور الدين الزاهي حول الزاوية والحزب  كما طرحت أيضا في تلك الفترة   مسألة الأما زيغية  واللغات وكذلك المسألة  النسائية وما تراكم من تجربة نضالية مريرة من أجل المناصفة  و المسألة الحقوقية  وحقوق الإنسان إلخ   وكان نقاشا مثمرا في هاته المرحلة  لكن هذه الأطروحات - بقدرة قادر- تم تغييبها  في هذه الالفية الثالثة  وتم التلاعب حولها ولم تعد مثار الاهتمام والنقاش العمومي  وبالتالي  تم ترسيخ ما نسميه ثقافة الشماتة

 ومن هذه الوجهة وحول ما  تطرحونه علي من  سؤال " موقف المثقف اليوم  وما يقع  داخل المجتمع" ، ارى بأن هذا سؤال قديم وجديد في وقت واحد  ، كما يبقى واردا  باستمرار  ، صحيح أن المثقف لم يعد كما تصورناه في مرحلة سابقة  التي  كان فيها المثقف هو المنقذ من الضلال أو  هو الرسول و المبشر أو  هو الإيديولوجي أو هو القادر على تفكيك نظام السلطة أو غير ذلك  ، مثقف اليوم لم يعد بالشكل الذي كان ، والمثقف حتى في العالم كله  تم تبديله بالخبير في نظام العولمة الجديد ، وسؤال  أين نضع المثقف اليوم؟ يجعلني أقول بأن المثقف أصبح ذلك الذي  يناقش ويتابع  أموره   و يظل صامتا ، هل لأن المغرب لم يعد ينصت إليه أو لأن المغرب  لم يعد في حاجة إليه ؟ تأمل معي تصريح رئيس الحكومة في الشهور القليلة الماضية حين صرح بوضوح بأن المغرب لايحتاج  إلى الفلسفة والشعر والأدب والقانون ! فإذن هذا مسؤول في حكومة جديدة يصرح بمثل هذا القول يعني بصراحة  أننا لم نعد في حاجة إلى المثقف!! ، و المغرب في نظر  رئيس الحكومة إذن   هو في حاجة إلى   التقني ، والتقنية  كما نعلم لا تفكر أي أن التقني شخص  لا يفكر،  وهذا ما يريده المغرب المعاصر  بل  والعالم بكامله ، لكن مع ذلك اعتقد بأن  رأي المثقف يبقى  بشكل عام  ضروريا  لكن  مع وجوب تحديد مفهوم المثقف، فهو  ليس بالضرورة  من يكتب أو  الذي يفكر  في قضايا  بل المثقف المقصود بشكل عام و بالفهم الجرامشوي هو المثقف  العضوي المتفاعل مع المجتمع .

 و من خلال متابعتي البسيطة لما يجري ويدور في الساحة السياسية والثقافية  المغربية  ألاحظ أن هنالك دائما   في المغرب  إبعادا  للمشاكل الحقيقية من النقاش العمومي  ويتم هذا الإبعاد عن طريق فبركة أو خلق مشاكل غير صحيحة ,لكن مع ذلك أرى أنه  في بعض الأحيان  أن مثل هذه المشاكل قد تستفزني

و تطرح لي  هامشا  لتفكير أعمق  في هذه العلاقة الملتبسة يين المشاكل  الحقيقية  والمشاكل الهامشية أو بين المركز والهامش وربما في بعض االأحيان قد يعطيك الهامش إمكانية التفكير بشكل أفضل وأكثر شساعة ،  وفي هذا الإطار اسمح لي أن أطرح هنا مجموعة من الأحداث التي وقعت طيلة ال5 سنوات الأخيرة :اولها قبلة تلميذين صغيرين في إعدادية بالناظور ،وقامت القيامة بما آلت إليه  وتمت محاكمة الطفلين بسبب قبلة ، ثم الحادثة الثانية  هو الصداع  الذي  أوقعه برلمانيو العدالة والتنمية في إحدى الطائرات القادمة من القاهرة إلى المغرب بسبب قبلة على شاشة التلفاز في الطائرة بمعنى أن القبلة أرعبت هؤلاء الذين كانوا في  زيارة للتضامن مع الإخوان المسلمين  المصريين ، الحادثة الثالثة  ما وقع للشابين المثليين في بني ملال  وفاس  والرابعة لصاحبتي التنورتين بإنزكان  والحادثة الخامسة ما وقع  مؤخرا  بضواحي المحمدية بالمنصورية ، فإذا قمنا بتحليل هذه الوقائع سنتحصل على  مسألة اشتغلت عليها مدة طويلة وهي مسألة  "الجسد"في ثقافتنا العريية الإسلامية ، فمشكلة الثقافة المغريية والعربية الإسلامية عامة   تكمن في أنها لم تستطع أن تتعايش  وأن تفكر في "الجسد"أي في "جسدها " على غرار  ما فعلته  الثقافة الغربية التي  كتبت تاريخ جسدها منذ مشروع -ميشيل فوكو-او قبله وتمت عملية قياس هذا الجسد بقيم الحداثة التي تأسست بأوروبا في القرن 18 ، لكن نحن في المغرب مثلا ضمن هذه الأحداث لا يفترض الأمر مقا ربة شرعية دينية  قانونية وخلقية  بل يفترض من أصحاب الأفكار  ومثقفي المغرب  وضع هذه الوقائع في محك التحليل النقدي،

 و لندخل قليلا إلى الحادثة الأخيرة  واقعة" بنحماد والنجار "  وقد تم ضبطهما على الشاطئ وعلى البحر ، ولنتأمل الصورة جيدا لا من حيث "شماتة مزعومة" أو نية مسبقة لتوجه ديني محافظ دعوي وإنما لوضع المسألة في إطارها العام ،فعمليا المسألة أثارت نقاشا عموميا كبيرا وصل صداه إلى    الصحافة الدولية حتى أصبحت شبيهة  لما وقع عند تحليق  قائد  لشعر  "شيختين "في منتصف الثما نينات  بسبب عدم مشاركتهما في احتفالات رسمية ، وأصبحت القضية في ما بعد مسألة عالمية ، لكن في حادثة المنصورية المسألة لا تتعلق بشخصين عاديين ولكن تتعلق بشخصين دعويين وأنا لا أعرفهما لأنهما لم ينتجا أفكارا حتى أعرفهما   ولكن عن طريق الفضول  حاولت البحث عنهما عن طريق الشيخ غوغل فسمعت للسيد ة وللسيد ما يقولانه من أخلاق وما يدافعان عنه من محافظة وما يسمى بالتدين المفرط وما إلى ذلك وهذا شأنهما ، ولكن مقارنة ذلك  مع ما قاما به  على البحر  تجعلنا أمام  المفارقة بين الخطاب والممارسة  وهو  ما يشكل بالنسبة لي مربط الفرس ، ليس فقط في سلوك هؤلاء  وإنما في سلوك الثقافة المغريية ككل ، بمعنى أنه ثمة فرق شاسع يين الخطاب  والممارسة وكأن الخطاب في واد والممارسة في واد آخر.  وهذا نراه اليوم, حين  نتحدث عن الديمقراطية  مثلا ولكن عن أية ديمقراطية نتحدث؟ نتحدث فقط عن ديمقراطية "منقوصة "بشكل تام  وهي ديمقراطية الصناديق ولا نتحدث عن ديمقراطية الفضاء العمومي ، و لا عن الديمقراطية في  التعليم, في الاسرة, في الإعلام ، في شخصية الإنسان المغريي ككل ، لأن الديمقراطية لها شروط كما أسسها الغرب في القرن 18 وهذه العلاقة الملتبسة بين  مناهضة الفساد كشرط أولي في الخطاب  الحكومي أو في خطاب العدالة والتنمية ولكن في نفس الوقت  هذا "الفساد"تم" إفساده " من طرف هؤلاء ، وهذا هو المشكل في المغرب ، الذي وجب التفكير فيه مستقبلا ،

 إذن فان هذا الإلتباس الحاصل هو ما يهمني اﻵن  وهنا، فمن جهة أنا أتضامن مع هذين الشخصين  من حيث  ممارستهما  للحرية الفردية  والدفاع عن هذه الحرية  بشكل  لا مناص منه ، ولكن في  نفس الوقت كيف تدافع عن هذه الحرية لأناس حاولوا" اعتقالها" في شكل من أشكال  التدين  أوعبر  الممارسة الدينية  استنادا على  نص ديني ؟؟

 ، وهنا أذكر  مسألة  الحجاب أو هذا النوع من "الحجب"  فأمام البحر الممتد الشاسع والعميق وهو بحر لا منتهي  ويرمز إلى اﻷم ما دام في اللغة الفرنسية الأم تسمى emer" والبحر يسمى "mer "كذلك  ، وفي اللغة الأمازيغية الأم تسمى" يم " وهو البحر باللغة العربية فإذا حاولنا النظر في الشبكة الدلالية لهذا البحر العميق الحامل للاوعي الجماعي ، فبنحماد والنجار كانا يمارسان الجنس بحرية ولكن في نفس الوقت يمنعانها عن الآخر بدعوى الجانب الخلقي  وبالتالي  وجب الحجب ، فعن أي حجب نتحدث ؟ عن حجب الجسد وهذه المسألة في غاية السخرية ، و مطالبة هؤلاء المراة والنساء عامة بالحجاب جسدتها سخرية أخرى كبيرة وقعت في البرلمان عندما  انتفض بعضهم ضد صحافية كانت تقوم بواجبها في تصوير الجلسة  بلباس  غير محجب " متبرجة  " إذن فهذا الحجب ماذا يعطينا ؟ يعطينا العراء  فالحجاب عراء  ومن يفكر بأن الحجاب هو ستر فهو خاطئ؟ فكلما تتحجب المرأة كلما تتعرى أكثر  والجانب الثاني هو أنه حين تتحجب المرأة فهي  التي ترى, أما أنا فلا أراها.

ثالثا فهؤلاء يعودون الى  ( النص الديني) وكل واحد  منا يعرف أن النص الديني  الذي هو القرآن والسنة هو مقدس و كانت النصوص  تنزل حسب أسباب النزول.   فالحجاب لم يكن إلا نوعا  من "تبريد"الفزع الذي يعيشه الرجل العربي تجاه المرأة ، فجسد المرأة ما زال يخيف الرجل العربي إلى اليوم ، ولأنه يخاف عليه فوجب عليه سترها حتى يبعد الفزع الجواني الذي يعيشه ، فالمرأة إذن هي مصدر قلق الإنسان العربي وبالتالي وجب هذا الحجب الذي ليس هو فقط حجبا على المستوى الخاص ولكن حجبا حتى من الشأن العمومي ، لكي لا تدخل إلى النقاش السياسي أو الثقافي أو غيرهما ، لهذا فالشخصان بنحماد والنجار  أوهذا الحجاب الذي  تمزق قبالة الجميع وقبالة البحر,  يمكن القول  أنه لم يعد له المعنى الذي أسس عليه   منذ البداية وحتى يكون القارئ الكريم على مقربة من الأمر ، الحجاب ليس مصدرا إسلاميا محضا فقد كان في أول حضارة كونية في العالم هي الحضارة البابلية  وكان في قانون حمورابي  حجاب السيدة ضرورة وأمتها تكون بحجاب معين  ، ولا يمكن للعاهرة أن تتحجب وهذا نجده حتى في الإسلام حيث لا يمكن للأمة أن تتحجب ،فالحجاب متروك للسيدات ، وفي ظل هذا النقاش فالإشكال الحقيقي  وأتمنى من هؤلاء المدعين للتموقع في الماضي والبقاء  فيه والتمترس داخله أن  يفكروا في هذا الأمر جيدا وأن ينظروا إلى البحر قليلا  وأن يتمعنوا في هذا التمزيق الذي احدثته السيدة النجار والسيد بنحماد وهو اختراق قد يطول بنا الحديث حوله وعنه . ولا يمكن في هذا السياق سوى أن نعيد الضجة التي أحدثها هؤلاء حول قبلة التلميذين وصاحبتا التنورتين بناء على ما وقع ، وبالتالي وجب اليوم على الثقافة والجامعة المغربية وعلى الفكر المغربي وعلى الإعلام  المغربي أن يضعوا الجسد موضع نقاش عمومي حر وحقيقي  لأن هذا النوع من الخوف من  الجسد هو ما يجعل لغة الفضائح تتناسل بشكل كبير وعملية تصويره في أشكال  متعددة بطريقة فضائحية  وأعتقد أنه  بهذا النقاش سنقطع  مع هذه الممارسات الوضيعة وكذلك سنضع حدا  لتهريب النقاش العمومي  نحو القضايا المفتعلة ..