Wednesday 14 May 2025
سياسة

من تجلياتها التحكم في مفاصل الدولة والمجتمع: استراتيجية بنكيران للانقلاب على أمير المؤمنين

من تجلياتها التحكم في مفاصل الدولة والمجتمع: استراتيجية بنكيران للانقلاب على أمير المؤمنين

تكشف أطروحة التحكم، التي يدعي عبد الإلاه بنكيران أنها تحول دون تحقيق مشروعه في الوفاء بالتزاماته تجاه المواطنين، بشكل واضح جانبا من مرجعية خطه المذهبي والسياسي، وطموحه نحو الهيمنة على مفاصل الدولة والمجتمع. في هذا الملف قراءة في هذه المرجعية، واستقراء لاستراتيجيته التي نعتبرها مدخلا للعصيان ضد الدولة، وتدابير أولية نحو الانقلاب على المغرب والمغاربة.

النفي اللفظي لحزب العدالة والتنمية «البيجيدي» وذراعه الدعوي (الإصلاح والتوحيد) بالانتماء إلى الإخوان المسلمين لا ينفي انتماءهم الفعلي لذلك المشروع. إن قراءة أدبياتهم التأسيسية، سواء في مرحلة الدعوة، أو في مرحلة العمل السياسي منذ انخراطهم في حزب عبد الكريم الخطيب (الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية)، وانتهاء بتحولهم إلى حزب العدالة والتنمية تؤكد:

1ـ استلهام كل عناصر الجهاز المفاهيمي الإخواني المعتمد في قراءة التاريخ العربي الإسلامي، وفي تشكيل تجربة العملين السياسي والدعوي وتقاطعهما.

2ـ تشابه سلوك «البيجيدي» مع سلوك تجارب الحركات الإخوانية في إدارة الشأن التنفيذي، خاصة تلك التي تسلم فيها الإخوان دفة الحكم إثر تفاعلات "الربيع العربي" كحزب الحرية والعدالة في مصر، حزب النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب.

3ـ انخراطهم المبدئي والعملي في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين عبر دعم التنظيم وحضور اجتماعاته، وهو ما يعني أنهم يشكلون الامتداد المحلي له في المغرب.

يترتب عن هذا الانتماء سلوك إخواني عبرت عنه فترة توليهم مسؤولية الشأن الحكومي خلال السنوات الخمس الماضية (من 2011 إلى 2016)، والتي أكدت أنهم بمجرد ما تولوا هذه المسؤولية حتى كشفوا عن أقنعتهم الحقيقية في إدارة الشأن العام.

كان أول مظهر لهذا السلوك البحث عن مفاتيح امتلاك أجهزة الدولة، ولذلك بادروا إلى التعجيل بتنزيل القانون التنظيمي الخاص بالتعيين في المناصب السامية قبل أن يفكروا في الكم الهائل من القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور، والتي ترتبط بجوانب حيوية بالنسبة إلى المواطنين، سواء مايهم عيشهم اليومي، أو ما يهم فضاءاتهم الحقوقية والثقافية...

وكان واضحا أن هذا المرسوم سيوفر لهم، لا فقط الاستجابة للنزوات الزبونية لإرضاء الإخوان وتمتيعهم بامتيازات المناصب وغنائم المرحلة، ولكن أيضا وأساسا للتغلغل في دواليب الدولة والتحكم في مجرياتها عبر زرع أوتادهم في المناصب السامية. فالمعروف بهذا الخصوص بأن من يملك التأثير في كاتب عام في وزارة ما، أو في مدير مركزي أو في مدير لأحد المكاتب الوطنية العمومية يملك مفاتيح كثيرة لاقتحام الدولة والمجتمع: المعلومات والقرارات. أما المظهر الثاني لسلوكهم الإخواني فهو اقتحام المجال العام لإمارة المؤمنين بما تعنيه تلك الإمارة من مظلة روحية يهتدي بها المغاربة لضمان وحدتهم

المذهبية، وأمنهم الروحي، وتماسك نسيجهم الوطني.

في هذا الإطار يعتبر البيجيديون أن المدخل للتشويش على هذه المظلة هو زرع بيادقهم داخل المجالس العلمية المحلية، وداخل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من خلال بنياتها الإدارية، وهيأتها المكلفة بمهام التفتيش أو التعليم العتيق أو المساجد أو غيره...

ويأتي هذا الاقتحام بهدف خطة إضعاف إمارة المومنين، وفتح المجال لتسرب الفكر الأصولي بظلاله الإخوانية والوهابية الطاعنة في التزمت والظلامية، وذلك بهدف واحد هو تلويث فضائنا الروحي بمفاهيم وسلوكات لا علاقة لها بما ارتضاه المغاربة منذ قرون، وضمن ذلك التلويح بشعار الخلافة الإسلامية التي هي ابتكار إخواني من خارج دائرة التدين المغربي، مع ما يعنيه ذلك (أي شعار الخلافة) من إشهار الولاء المذهبي للشرق واعتماد التقية بالداخل في أفق التمكين للإخوان لينقضوا على موروث المغاربة.

وإذا كان التلويح بالخلافة الإسلامية هو الإطار العام للبديل الذي يتصوره إخوان بنكيران ضدا على إمارة المؤمنين، فإن التفاصيل الدعوية التي يروجها الذراع الدعوي للعدالة والتنمية (حركة التوحيد والإصلاح تحديدا) تبرز مروق البجيديين عن الخط المذهبي العام للمغاربة. إن احتماء القياديين عمر بنحماد وفاطمة النجار (بطلي فضيحة «كوبل الميرسيديس»)، بالزواج العرفي لم يكن فلتة لسان أو سلوكا، ولكنه كان تعبيرا مضمرا عن حقيقة البيجيديين في امتلاك أكثر من وجه وقناع، وسعيهم الدائم للخروج عن ملة المغاربة وكذلك يفعلون في كل تصوراتهم للعمل السياسي. هذا التفصيل الذي جاء في لحظة نزوة شيطانية في سلوك اسمين من كبار الدعويين البيجيديين يكشف عن الجوهري في السلوك الذي يحكم إخوان بنكيران. وليس عبثا القول بأن "الشيطان يكمن في التفاصيل".

يفيدنا هذا التحليل الخاص بمرجعية البيجيدي وبآثارها في السلوك المرتبط بمشروع الهيمنة على الدولة والمجتمع في صياغة الاستنتاجات التالية:

ـ إن حزب العدالة والتنمية مثل غيره من الإخوانيين في العالم العربي الإسلامي هو حزب التحكم بمعنى الهيمنة على الدولة والمجتمع، أي أنه حزب انقلابي مفاهيم وهوية وسلوكا.

ـ إنه يستغل العمل السياسي في إطار الديمقراطية للانقلاب عليها باسم شرعية الصناديق (ولنا في حالة هتلر أصدق نموذج، إذ استغل النازيون الآليات الانتخابية للانقضاض على الحكم بألمانيا والانقلاب على الألمان وعلى العالم(.

ـ إنه يعمل من أجل نسف إمارة المؤمنين لإقرار مشروع الخلافة الإسلامية، وإلحاق المغرب بالشرق.

ومن أجل تحقيق ذلك يلجأ إلى فكرة إثارة الفتنة لأن الإخوانيين عموما هم أصحاب فعل وخطاب التأزيم لأنه الفضاء الوحيد الذي ينتعشون من خلاله.

وسلوكهم الحالي لا يخرج عن هذا  التاكتيك في الأفق الاستراتيجي المضمر: العصيان ضد الدولة، والتهيىء للانقلاب على المغرب والمغاربة..

- الإخوان.. ملة واحدة

لا يمكن فهم حقيقة سلوك عبد الإلاه بنكيران واستراتيجية حركته السياسية والدعوي ما لم نستحضر المفاهيم والأفكار التي هي مزج مركب بين تعاليم الإخوان المسلمين كما سطرها حسن البنا وسيد قطب والتنويعات اللاحقة  بها من الفكر الوهابي، والتي يهتدي بها في قيادة العصيان المدني، والتهيىء للانقلاب على الدولة والمجتمع. من هذه الأفكار والمفاهيم.

ـ المظلومية، الإخوان المسلمون يعتبرون أنفسهم مظلومي التاريخ لأنهم وبحسب ادعائهم حاملي رسالة الحق ضمن مجتمعات اللاحق (الجاهلية)!

ـ الحاكمية لله للقضاء على مجتمع الجاهلية وذلك بادعاء الحكم بمنهج الله ولا شيء غيره.

ـ التدرج: تلقين الدعوة من النوايا الأولى للمجتمع من البيت والشارع إلى الخلية والحركة إلى الدولة.

ـ إزدواجية السر والعلن: عمل الإخوان لتوطيد استراتيجيتهم بصيغة ازدواجية الدعوة كإطار مدني خيري، والسياسة إذا ما استطاعوا إليها سبيلا.

- الجذع الانقلابي المشترك للإخوان المسلمين

كانت من النتائج المباشرة لتفاعلات «الربيع الأصولي» تمكن أحزاب من الإخوان المسلمين من تسلم دفة الحكم في كل من مصر وتونس والمغرب، الأمر الذي أنعش «السلطان» العثماني الجديد طيب رجب أردوغان في إعادة تحقيق حلم الخلافة الإسلامية. ويهمنا في هذا المؤطر توضيح المشترك في هذه

التجارب:

1- في مصر كما في تونس والمغرب، عمل الإخوان المسلمون على أن يوظفوا الديمقراطية كمشروع للانقلاب على الديمقراطية، ولذلك كان أول حلفائهم هم الإرهابيون وتجلياتهم السلفية الجهادية. في مصر مثلا بادر الرئيس المخلوع محمد مرسي إلى إطلاق سراح سجناء القاعدة، وإلى فتح حوار معهم أشد تطرفا للاستقواء بذلك على قوى اليسار، ولإضعاف الجيش المصري المعروف بوفائه وحمايته للقيم الجمهورية.

2- في تونس كانت المرحلة التي تسلم فيها حزب النهضة رئاسة الحكومة هي الفترة التي انتعشت فيها قوى الظلام، وهي الفترة ذاتها التي شهدت أكبر حملات وتظاهرات ضد الفن والمرأة. وفيها اغتيل المعارضون والناشطون الحقوقيون أبرزهم الفقيد  شكري بلعيد، وفيها كذلك برز تصريح رئيس الحكومة

آنذاك حمادي الجبالي الذي قال بصريح اللفظ والمعنى بأننا نعمل من أجل تحقيق مشروع الخلافة الإسلامية.

3- في المغرب يبرز المنحى ذاته من خلال لجوء البيجيدي إلى التشكيك في العمليات الإرهابية لـ 16 ماي بالمغرب ومطالبته بإطلاق سراح الإرهابيين من سجون المملكة (وهو المطلب الذي لم يعد يرفعه الحزب منذ إصدار حزب التحرير لفتوى قتل مصطفى الرميد وقياديين آخرين). كما يظهر ذلك من خلال لجوء مسؤولي حزب بنكيران إلى مد الجسور مع التنظيمات المتطرفة بسوريا، وانتهاء بترشيح شيوخ الكراهية والمتطرفين ضمن لوائحه الانتخابية لاقتراع 7 أكتوبر2016، وأيضا من خلال عدم القيام بأي رد فعل تجاه فتاوى الظلام مع أنه يملك بالإضافة إلى رئاسة الحكومة وزارة العدل والحريات.

ولأن نفس الجذع الإخواني ينشط بفعالية، فلقد كانت تركيا تتابع هذه المشاهد وترعاها، إلا أن تطورات الأمر بعد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي في مصر، والتراجع التاكتيكي لإخوان راشد الغنوشي في تونس حجمت دور أردوغان الذي ينجز اليوم بدوره انقلابا على الديمقراطية.

(تفاصيل أخرى عن هذا الموضوع تقرأونها في ملف العدد الجديد لأسبوعية "الوطن الآن" الموجود حاليا في كل الأكشاك)

Une