يبدو أن حزب العدالة والتنمية مستعد للعب على كل الحبال من أجل الانقضاض على نتائج صناديق اقتراع 7 أكتوبر القادم، فبعد فتحه الترشح في لوائحه لكل من هب ودب من الطيف "الانتخابي"، من النطيحة والمتردية وما عاف السبع، وتدقيقا من المتطرفين والانتهازيين و"الشناقة"، ها هو اليوم يقتحم جبهات الإعلام بتجنيد بعض الأصوات، أو باستغلال الحوار معها لينفث سمومه كما يفعل عادة مع كتائبه الإخوانية، الورقية والإلكترونية.
في هذا الإطار صرنا نقرأ في الإعلام بعض التحليلات التي تبحث عن كل الأعذار لتبرير فشل الحصيلة الحكومية التي كانت وراءها الأغلبية الحكومية بقيادة عبد الإلاه بنكيران وحزبه. وفي مقدمة هذه الأعذار إعادة الحديث عن "التحكم"، الأطروحة السحرية للبيجيديين، لتفسير وجود "دولة داخل دولة" تضع العصا أمام مشروع بنكيران، وتقف أمام طموحه في الوفاء لوعوده الانتخابية! هكذا يتم الحديث مثلا على أن بعض الملفات الاستراتيجية بالنسبة للمواطن كالداخلية والتعليم والإعلام كانت تقع خارج المسؤولية المباشرة لرئيس الحكومة،. وهنا يستعيد البيجيديون طبيعة العلاقة المتوترة مع وزارة الداخلية منذ بدء الإعداد للعملية الانتخابية وانتهاء بفضيحة "كوبل حركة التوحيد والإصلاح"، حيث يعتبر الحزب أن مسعى وزارة الداخلية هو التأثير في الانتخابات، وتوجيه الرأي العام عبر "آلية التحكم"، وهو منهج تشكيكي يخفي في الواقع نزعة بيجيدية تحكمية لأن المفروض هو أن وزارة الداخلية تعمل بهذا الخصوص داخل نسق حكومي يرأسه حزب العدالة، والمفروض أيضا أن وزارة الداخلية تعمل لفائدة كل المغاربة لا لفائدة العدالة والتنمية، وأنها على نفس المسافة الحيادية مع كل الأحزاب وليست فرعا لحزب الأخوان المسلمين. في نفس الإطار يستعيد البيجيديون التوتر في قطاع التعليم، وفي القطاع السمعي البصري حيث فشل بنكيران في فرض فلسفته الإخوانية على هذه القطاعات لأن للبيت ربا يحميه، وإلا لكان البيجيديون قد أدخلونا الزمن الأصولي من أوسخ أبوابه.
إذا أضفنا إلى هذه المعطيات تصريحات بنكيران المتواترة بدرجات متفاوتة، والتي تفيد مرة أنه يحكم مع الملك، ومرة أخرى أن الملك هو الذي يحكم، فسنكون أمام خطاب المظلومية الذي يشكل أحد الثوابت المركزية في خطاب بنكيران، وفي خطاب نظرائه الإخوانيين في العالم العربي والإسلامي.
الخطاب ذاته هو الذي سيقدمه بنكيران في الحملة الانتخابية القادمة ليقول للمغاربة:" انظروا لقد وعدناكم بالنماء والخير، لكن آلية التحكم ومحدودية صلاحيتنا تقف دون ذلك!"، بدليل أننا حين نسمعه اليوم يتحدث عن استعداده لخوض معركة الفوز بالولاية الثانية، وعن تصوراته للملفات الحيوية كالتعليم والصحة والشغل والاستثمار نظن كما لو أن الرجل لم يكن خلال الفترة الماضية هو رئيس الحكومة، بل كان رئيس المعارضة، مع أن مسؤولياته التنفيذية من سنة 2011 إلى 2016 كانت مسنودة بصلاحيات دستورية غير مسبوقة في البناء الدستوري المغربي ولم ينعم بها أي مسؤول حكومي بالمغرب منذ 1956.
ما تسكت عنه الكتائب الإعلامية الإخوانية المسنودة والتصريحات الإعلامية المطبلة هو التقييم الموضوعي لـ "منجزاته" طيلة السنوات الخمس، المطبوعة أساسا بالإجهاز الشرس، وغير المسبوق على الطبقة الوسطى وعموم المغاربة البسطاء. ولا حاجة للتذكير بسلسلة التدميرات التي سماها إصلاحات مست صندوق المقاصة، أو تلك التي حملت اسم إجراءات إصلاح صندوق التقاعد، ثم التلويح بالتوظيف بالعقدة، بعد أن أصدر مرسومي فصل التكوين عن التوظيف والتقليص من منح الطلبة الأساتذة، وسلخهم لاحقا في الشارع العام، فهل كان جهاز التحكم هو الذي وقع على هذه القرارات؟
ثم لنساءل لو كان بنكيران فعلا يتلقى ضربات تحت الحزام تعيق مشروعه الإصلاحي كما يدعي في المنتديات الحزبية والعمومية، فماذا كان يمنعه من أن تكون له الشجاعة في تقديم الاستقالة ليدخل التاريخ من بابه الشجاع، عوض أن يستمر في استمراء المسؤولية الحكومية بامتيازاتها ومكاسبها المادية والرمزية لتثبيث أوتاد حركة التوحيد والاصلاح في مختلف بنيات القرار الاداري عبر تحكمه في آلية التعيين في المناصب السامية، ويصمت على ذلك طوال خمس سنوات سمينة بالنسبة إليه وإلى نخبته، عجاف بالنسبة إلى المغاربة؟
هذا ليس فقط الجبن، ولكنها أقصى درجات الانتهازية التي لا تسيئ فقط إلى ممارسة السياسة في بلادنا، وإلى صورة السياسيين، خاصة هؤلاء الذين يدعون بخطاب الأخلاق والطهرانية أنهم مندوبو الله عز وجل في الأرض، ولكنها إضافة إلى ذلك تمعن في الضحك على ذقون المغاربة، وتحتقر ذكاءهم.
بنكيران يسلخ المغاربة مرتين: بخيانته لوعوده الانتخابية وللأمانة على امتداد خمس سنوات، واليوم بمحاولته تعليق الفشل على الآخرين، وتقديم نفسه على اعتبار أنه الضحية وليس الجلاد.
بئس السياسة والسياسيين إن كانوا من طينة بنكيران!