الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

ألغام غوتيريس «المسمومة» التي فجرت قضية الصحراء!

ألغام غوتيريس «المسمومة» التي فجرت قضية الصحراء! الأمين العام الأممي غوتيريس، و بوتفليقة

 

ثمانية ألغام دسها الأمين العام الأممي «أنطونيو غوتيريس"، في تقريره الأخير المقدم لمجلس الأمن، المكون من 19 صفحة.هذه الألغام كانت كافية لتفتح باب جهنم على المغرب، وتعيد عقارب قضية الصحراء إلى الصفر، في انحياز تام إلى أطروحة البوليزاريو والجزائر..
أسبوعية "الوطن الآن" في عددها 746، فككت هذه الألغام، وهو التفكيك الذي تقدمه "أنفاس بريس" ، في هذه الورقة:
اللغم الأول: البعثة التقنية ومسمار جحا
من النقط الخطيرة التي دسها غوتيريس في تقريره، دعوته إلى إضافة آلية أخرى بجانب المينورسو عبر إحداث «بعثة تقنية»، MISSION Technique وهذا أمر يمثل انزلاقا ويفتح باب جهنم على المغرب. خاصة وأن هناك سوابق سلبية للأمم المتحدة مع البعثات التقنية التي تعد بمثابة «مسمار جحا» يسمح للمنتظم الدولي بالتسلل التدريجي إلى كل مفاصل الدولة المعنية، ويسلبها السيادة عبر «البعثة التقنية». فالبعثة تحدث بقرار لمجلس الأمن الدولي ويوضع لها رقم، وحتى لو تم إحداثها لمراقبة ما يجري في الكركرات، فإن ذلك لا ينهض كضمانة كي تنسحب البوليزاريو من المنطقة العازلة، بقدر ما سيؤدي ذلك (خلق البعثة التقنية) إلى تمطيط التدخل الأجنبي في شؤون المغرب مثل ما حدث في الكونغو الديمقراطية.
فرغم وجود بعثة أممية بالكونغو الديمقراطية تحت اسم «مونيسكوMonusco « منذ 30 نونبر 1999 (كانت تسمى في الأول Monuc قبل أن يصبح اسمها مونسيكو يوم 1 يوليوز 2010) تم اللجوء إلى خلق آلية موازية في فبراير 2008 (بعثة تقنية) بدعوى ضمان حماية حقوق الإنسان، وهو الإحداث الذي تم بعد أن وقع تهيئ الرأي العام الدولي بوجود خروقات تستهدف النساء والأطفال في منطقة كيفو kivu)). وما أن تم إحداث البعثة التقنية بدعوى مساعدة البعثة الأممية الأصلية حتى وقع الانزياح تدريجيا ليطالب مسؤول هذه البعثة التقنية بالكونغو بإضافة طاقم لمساعدته على مراقبة المساطر القانونية المتبعة، ثم تحولت إلى مراقبة الشكايات لترتقي لمراقبة حقوق الإنسان، فأصبحت هذه البعثة، بعد ذلك تتدخل ليس في منطقة «كيفو»، بل وفي الحكم المركزي بكينشاسا وتطالب بمراقبة الثكنات ومخافر الشرطة وحلت محل الدولة المركزية.
نفس الأمر وقع في «الكوت ديفوار» حين كانت هذه الدولة تعيش تمزقات داخلية، حيث تم في بادئ الأمر إرسال بعثة أممية ومن بعد تم تهيئة الأجواء للتمهيد لخلق بعثة تقنية إضافية تستعين بكل الآليات الأممية لحقوق الإنسان المتاحة لخنق الدولة وحشرها في زاوية ضيقة.
هذا هو السم الذي حاول الأمين العام الأممي غوتيريس دسه في تقريره حول الصحراء لما ألمح إلى الاختلاف الذي اعتبره غوتيريس «أكبر تحد أمام سير عمل بعثة المينورسو». علما أن المغرب أكد أن ولاية البعثة تقتصر أساسا على «رصد موقف إطلاق النار ودعم عمليات إزالة الألغام ومساعدة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين». فضلا عن احتفال غوتيريس (في الفقرة 80) باقتراح البوليساريو القاضي بإيفاد بعثة خبراء لمراقبة ما يجري في الكركرات!
اللغم الثاني: محبرة تسميم آلية التعذيب
حين كان الأمين العام أنطونيو غوتيريس، يستعرض وضعية التجمعات الاحتجاجية في الصحراء كانت المحبرة التي يغرف منها سرده محبرة مشبوهة. إذ استل غوتيريس (في الفقرة 70) لسان البوليساريو لتقديم معطيات خطيرة مفادها أن المحتجين والناشطين (بالصحراء) يتعرضون لعمليات «اعتقال تعسفي ومحاكمات جائرة استنادا إلى تهم ملفقة». وهذا التوظيف لم يكن بريئا إذ سرعان ما سيكشف غوتيريس عن دواعيه في الفقرة 88 لما دعا إلى «رصد حالة حقوق الإنسان على نحو مستقل ونزيه وشامل ومطرد من أجل كفالة حماية جميع الناس في الصحراء الغربية»، وهي الدعوة التي يشتم منها النفحة القديمة-الجديدة الخاصة بتوسيع صلاحيات المينورسولتشمل مراقبة حقوق الانسان، أو (في حالة استمرار الرفض) إحداث آلية خاصة لمراقبة ذلك...
ومما يثير القلق من استنتاجات الأمين العام الاممي، أن حديثه عن تأخر إحداث آلية لمناهضة التعذيب اقترن بلغة ملتبسة يفهم منها وكأن المغرب يرفض رفضا باتا تنصيب الآلية الوطنية المعنية، والحال أن ذلك كان رهينا بالفراغ الحكومي والتشريعي ببلادنا، بسبب التأخر في تشكيل الحكومة عقب فشل بنكيران في جمع أطياف الحقل السياسي حوله، وما تطلبه الوضع من «بلوكاج» مؤسساتي دام زهاء سبعة أشهر، ثم ما تلا ذلك من مسارب مسطرية لتشكيل حكومة العثماني وتنصيبها وإعداد برنامجها الحكومي ووضع مخططها التشريعي، فضلا عن تغيير قانون المجلس الوطني لحقوق الانسان. أي أن التأخير لم يكن إرادة دولة بقدر ما هو مسألة أجندة دستورية وزمنية عطلت مأسسة آلية مناهضة التعذيب، علما أن غوتيريس، تغافل عما يجري في تندوف من فظاعات حقوقية رهيبة.
اللغم الثالث: مراجعة ولاية المينورسو
«أعتزم أن أجري في منتصف عام 2018، استعراضا استراتيجيا لبعثة الأمم المتحدة لكي أوفر تحليلا متعمقا للبعثة وأوصي بتدابير لتحسين تنفيذ ولايتها».
هذا ما قاله الأمين العام غوتيريس في الفقرة 82، والتي تعد إحدى أخطر ما ورد في تقريره المقدم لمجلس الامن الدولي. إذ أن التأكيد على إعادة النظر في صلاحيات المينورسو في منتصف 2018، معناه تحقيق إحدى الغايتين:
l أولا: إما الدفع نحو توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان وهو ما سيعيد المغرب إلى محطة 2013 وما تلاها من تدخلات وضغوطات مورست على محيط الرئيس الأمريكي أوباما (آنذاك).
l ثانيا: وإما استلهام ما حدث في الكونغو الديمقراطية والكوت ديفوار، حين بادرت الأمم المتحدة إلى زيادة طابق مؤسساتي للبعثة الأممية عبر تنصيب بعثة تقنية موازية (أنظر...) تتولى التكفل بمراقبة حقوق الانسان. وهنا الخطورة في التساهل مع ما أورده غوتيريس لأنه يصب في خدمة ما تنادي به البوليساريو بشأن عودة المفوضية السامية لحقوق الانسان لإيفاد بعثة تقنية للأقاليم الجنوبية، وهي البعثات التي توقفت منذ حادث الاعتداءات الاستفزازية التي شهدتها العيون في أبريل 2015.
اللغم الربع: المناورة الافريقية
من النقط السوداء في تقرير غوتيريس محاولته إحياء فكرة «إشراك الاتحاد الإفريقي» في ملف الصحراء لينسق مع بعثة المينورسو، وذلك في معرض استعراضه بطريقة ملتبسة لموقف المغرب الرافض للسماح لبعثة المراقبين التابعة للاتحاد الافريقي بالعودة إلى العيون واستئناف تعاونها مع المينورسو.
اللغم الخامس: عسكرة شرق الجدار الأمني
شكل الجدار الدفاعي الذي بنته القوات المسلحة الملكية غصة في حلق الجزائر والبوليزاريو، بحكم أنه منشأة هندسية عسكرية رائعة أمنت الأقاليم الجنوبية بالكامل وجعلت الجزائر والبوليزاريو تجنحان لطلب وقف إطلاق النار بعد أن مكن الجدار من صد كل الهجومات المسلحة للجزائر والبوليزاريو. (للإشارة في معركة أمغالا تم أسر العديد من الجنود والضباط الجزائريين الذين أفرج عنهم المغرب بوساطة دول عربية).
هذا الجدار الذي لم تقو الجزائر والبوليزاريو على إحداث ثقب فيه فأحرى إحداث تصدعات به، حاول غوتيريس في تقريره المخدوم، أن يتخذ منه مبررا لجعل البوليزاريو ندا للند مع المغرب عبر التلميح بوجوب «عسكرة شرق الجدار الأمني». ففي الفقرة 33 و45 و56 و81 أطنب الأمين العام الأممي في الحديث عن التهديدات الأمنية الموجودة شرق الجدار الدفاعي المغربي من «إرهاب واختطاف أو مخاطر اللوجستيك وعمل الجماعات الاجرامية إلخ...» ومقابل هذا الوضع الأمني الخطير بشرق الجدار، يقول الأمين العام بأنه في غرب الجدار الدفاعي (أي الأقاليم الصحراوية)، هناك امن واستقرار، وهنا المخاوف من احتمال تعبئة الرأي العام الدولي لجعله يتقبل وجود قوة عسكرية للبوليزاريو شرق الجدار «لضمان الأمن» الذي يبحث عنه الأمين العام، علما أن المنطق في الحدود بكل دول العالم، هناك قوات مسلحة نظامية تنتمي لكل دولة. وتأسيسا على ذلك فالجيش الجزائري في سياج حدوده والمغرب في الجدار الأمني وبينهما منطقة عازلة تم تحديدها باتفاق مع الأمم المتحدة. وإذا كان المغرب (بفضل حكامته الأمنية القوية) قد حقق الأمن في حدود ترابه، فالمسؤولية تقع على الطرف الجزائري الذي فشل في تأمين حدوده.
اللغم السادس: التمييز في الحقوق الاقتصادية
من يقرأ الفقرة 71 من تقرير غوتيريس سيخرج بانطباع مفاده أن المغرب مقسم إلى قسمين: قسم ينتفع فيه المغاربة بكل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (من شغل وسكن وماء وكهرباء وحدائق فيحاء ومستشفيات مجهزة وطرق معبدة وتعليم جيد…إلخ.) وقسم محروم كليا من هذه الحقوق.
فغوتيريس انطلت عليه الحيلة من طرف من صاغ له التقرير، إذ يقول في تقريره إن المعلومات المتاحة «تشير إلى أن الصحراويين لا يزالون على ما يزعم يواجهون تمييزا في التمتع بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية». وكأننا بغوتيريس يقوم بعملية «نسخ ولصق» لتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي (22 أكتوبر 2015) الذي تضمن نفس الادعاءات، وكما لو أن سكان تاوريرت أو اليوسفية أو طان طان أو جرادة أو سلا أو مكناس (وباقي مدن المملكة) يرفلون في نعيم المدارس الزاهرة والحدائق الوارفة والمستشفيات المجهزة والطرق المعبدة ومناصب الشغل المحدثة، والحال أن هناك سياسة عمومية واحدة وموحدة تسري على كافة أقاليم المملكة.
اللغم السابع: اللاجئون ودموع التماسيح
لما تحدث الأمين العام في تقريره عن اللاجئين بمخيمات تندوف(في الفقرات 20-64-74-86) وعن ما يعانونه من حرمان من أبسط شروط العيش، اختار غوتيريس لغة الهروب بالحديث عن «دعم العملية السياسية» والعمل من أجل «التوصل إلى حل مقبول للاجئين يسمع بالعيش بكرامة»، في حين كان على غوتيريريس – وهو العارف بالوضع – أن يقول بأن اللاجئين يمنعون من البقاء في العيون أو الداخلة أو بوجدور أو السمارة لما يزورون المغرب في إطار برنامج الزيارات المتبادلة بين العائلات الصحراوية (الذي تشرف عليه الأمم المتحدة)، ذلك ان معظم الصحراويين المستفيدين من هذا البرنامج يرفضون العودة إلى تندوف كلما استفاد أحد منهم من فرصة الزيارة لذويه بالأقاليم الجنوبية، ولكن بسبب التشدد الذي تمارسه البوليساريو وأخذها أفراد عائلة المعني بتندوف كرهينة، يضطر الزائرون إلى العودة مكرهين نحو مخيمات الجحيم بتندوف.
وبما ان غوتيريس، «متألم» للحالة الإنسانية للصحراويين بمخيمات تندوف كان عليه أن يؤكد في تقريره على أحقية العودة أو البقاء لكل الصحراويين سواء أولئك المستفيدين من المغرب أو أولئك المستفيدين من البوليساريو وتترك لهم الحرية للاختيار، وآنذاك سنرى (علما أن الذين اختاروا العودة من تندوف إلى وطنهم طوعا دون المرور عبر أي قناة أممية تجاوز 12 ألف فرد)، في حين لم يذهب أي فرد من الأقاليم الجنوبية إلى تندوف، اللهم بضع انفصاليين يصنفون «كنشطاء» يلعبون دور عملاء للجزائر داخل المغرب، بعد أن تم تدريبهم على يد الجيش والمخابرات الجزائرية في تقنيات التخريب والتصوير والتأجيج