السبت 27 إبريل 2024
فن وثقافة

الفنان سهيل: الحس الجمالي أقوى جسر لربط شباب المهجر بهوية وطنه

الفنان سهيل: الحس الجمالي أقوى جسر لربط شباب المهجر بهوية وطنه الفنان التشكيلي إدريس سهيل وهو يشرف على ورشة لفائدة أبناء الجالية

شدد الفنان التشكيلي المختص في النحت، إدريس سهيل، على أن لا رقي لمجتمع دون الاعتناء ببعده الجمالي، كما لا مستقبل له من غير الإلتفات إلى إبداع ماضيه. ونبه في حوار خص به جريدة "أنفاس بريس"، إلى الرقم الجوهري للفنانين في تلك المعادلة الحضارية، وثقل الوزن الذي يحظون به للتعريف بهوية أوطانهم لدى الأجيال القادمة. وفي هذا السياق، كان الحديث من خلال الحوار ذاته حول مختلف الأجواء التي أحاطت بالورشة التي أشرف على تنظيمها لفائدة شباب الجالية المغربية في مدينة بني ملال على هامش انعقاد فعاليات "الجامعة الربيعية".

+ ربما قد يكون من باب البديهيات المسلم بها امتلاك كل مواطن لمجموعة أسس تتغيى حفظ هويته، إنما المثير وبحكم تخصصك هو كيفية ضلوع مادة الطين في هذا التشبث الحضاري؟

++ صراحة لن أكشف سرا إذا ما قلت بأن الذات البشرية وكما لها روح تسعى للتحليق في عالم الأعالي، لها جسد أكثر تعلقا بالأرض التي هي أصلا من طين. ومن ثمة، يتعذر الحديث عن هذا الارتباط من غير تلك المادة المشتركة بين الإنسان وأصله. أما إن حاولنا تضييق دائرة التعليق على أساس اتصاله بالتراث المغربي، فإننا سنقف حتما على التاريخ الطويل الذي طبع تعامل أجدادنا مع التراب المبلل، وتوظيفه على مدى حقب زمنية في بناء حضارتنا المتجذرة قبل ما يزيد عن 12 قرنا.

+ هل يفهم من قولك إمكانية معرفة ماضي أسلافنا من خلال الطين كدليل مرجعي؟

++ لا شك في ذلك. فعبره تتاح لنا فرصة الإطلاع عن نمط عيشهم إن كان سكنا أو طعاما أو معرفة أو لباسا أو فنا. وكل هذه الخصائص، كما هو معلوم، يصعب بلوغها أو الوصول إليها دون جسر "الطين". ولنا في النقوش والرسوم التي وجدت بالصحراء مثلا الحجة الدامغة على صحة هذا الطرح.

+ جوابك ذاك يجرنا إلى الاستفسار عن دوركم كفنانين في زرع هذا التميز داخل قناعات النشء

++ كفنانين حاضرون، ولو أنني لا أرى المناسبة مواتية للاستغراق في ما نواجهه من معيقات. إنما الأكيد أيضا هو أن الفنان بطبعه لم يثبت يوما خروجه عن قضايا الوطن وبيئته. بل يتمتع بخاصية الحدس وصدق المشاعر التي يسبق بها غيره من عوام الناس. وعليه، فمسألة طرقه لكل ما يبني مجتمعا متضامنا بوشائج التماسك غير قابلة للنقاش لديه أو معروضة للتفاوض.

+ ومن جهتي لن أتفاوض معك بخصوص السؤال الذي يستفزني عن تفعيلك لما قلت بين أبناء الجالية وهم في زيارة لمدينة نشأتك بني ملال؟

++ أشكرك على فتحك هذا القوس الذي سيمكنني من الإشارة عبره إلى المبادرة الرائعة التي أقدمت عليها الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين في الخارج بشراكة مع جامعة السلطان مولاي سليمان، والمتمثلة في استضافة نحو مائة من الطلبة المغاربة المهاجرين في إطار "الجامعة الربيعية". وهي المناسبة التي مهدت لي الطريق، كفنان تشكيلي، حتى ألتقي بهؤلاء الشباب ضمن ورشة اخترت لها عنوان "المبدع والهوية الوطنية"، بحيث حاولت أن أمرر لهم أهمية التعلق بالوطن الأم مهما ابتعدت بقاع إقاماتهم، وذلك في علاقة بالبعد الجمالي كرسالة تزيد من عمق الاعتزاز بالأصل المغربي. وليس هذا فحسب، إنما العمل على نقل ذلك الافتخار إلى مواطن الاستقبال كوسام على صدورهم.

+ وكيف كان مستوى التجاوب بين ما أشرفت عليه والمستفيدين منه؟

++ لا أخفيك بأنني ورغم ما كنت أتوقعه من نجاح للورشة، فوجئت إيجابا بحجم التعطش الذي بدا على شبابنا في المهجر لكل ما يحيل على بلد انتمائهم. والأكثر هو سرعة اندماجهم مع تلك الأدوات التقليدية التي وضعتها رهن إشارتهم حتى أنهم اعتبروا الوقت المخصص ومهما طال يبقى قصير بفعل ما استمتعوا به وتمنوا امتداده.

+ لوحظ أن الورشة تمت برمجتها في الهواء الطلق وإن كان من الممكن تنظيمها داخل فضاء مغلق. هل كان الأمر عفويا أم يخفي وراءه خلفية متعمدة؟

++ طبعا هناك أسباب، علما أن الفنان لا يترك شيئا للصدف. وبالتالي، كان اختياري للهواء الطلق مقصودا لأن في ذلك حيثيات كثيرة وبليغة حتى يشحن الشباب بحيوية أنشط وقدرة أكبر من أجل إبداع أفضل. خاصة وأن الجو كان شاعريا على ضفاف سد بين الويدان ولم يكن إلا ليرفع صبيب الإلهام بتفاعل مع ما يحيط به من ماء وخضرة وجبال ترسي لعمران أمازيغي مغربي محض. لذلك، لا يسعني فضلا عن شكر هذه الهبة الربانية، تقديم الامتنان كذلك لما بذله المسؤولون من جهود وفي مقدمتهم الوزير عبد الكريم بنعتيق، ورئيس جامعة السلطان مولاي سليمان، بوشعيب مرناري، وباقي الأستاذة الذين كانت منهم يد المساعدة، وأخص بالذكر إيدالي و سلاك وعارف والشريف، وكذا الأستاذة الرايسي.