أزمة التعليم العالي في المغرب تتجاوز الأرقام والاحصائيات، لتصل إلى عمق العلاقات الاجتماعية والثقافية التي تحيط بهذا القطاع. فمع التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تم تناولها سابقاً، يظهر الآن أن فقدان الثقة في التعليم العالي بات متفشياً، ليس فقط بين فئات المجتمع، بل حتى داخل المؤسسات والهيئات التي يُفترض أن توجهه وتطوره. هذا الواقع يعكس أبعاداً أخرى من ضعف التعليم العالي في المغرب، تستحق الوقوف عندها بعمق لتحليلها والبحث عن حلول جذرية.
فقدان ثقة الأسر في التعليم العالي
كثير من الأسر المغربية لم تعد تنظر إلى التعليم العالي كوسيلة لتحقيق طموحات أبنائها أو كضمانة لمستقبل مهني مستقر. فقد أصبح عدد كبير من خريجي الجامعات يعانون من البطالة، غير قادرين على ولوج سوق العمل أو الاستفادة من تخصصاتهم الأكاديمية. هذا الوضع دفع العديد من الأسر إلى إعادة النظر في جدوى الاستثمار في تعليم أبنائها، خصوصاً مع ارتفاع تكاليف التعليم وضعف العائد المادي والاجتماعي منه. النتيجة هي تزايد الاعتماد على التعليم المهني أو الهجرة إلى الخارج كبدائل أكثر واقعية.
كثير من الأسر المغربية لم تعد تنظر إلى التعليم العالي كوسيلة لتحقيق طموحات أبنائها أو كضمانة لمستقبل مهني مستقر. فقد أصبح عدد كبير من خريجي الجامعات يعانون من البطالة، غير قادرين على ولوج سوق العمل أو الاستفادة من تخصصاتهم الأكاديمية. هذا الوضع دفع العديد من الأسر إلى إعادة النظر في جدوى الاستثمار في تعليم أبنائها، خصوصاً مع ارتفاع تكاليف التعليم وضعف العائد المادي والاجتماعي منه. النتيجة هي تزايد الاعتماد على التعليم المهني أو الهجرة إلى الخارج كبدائل أكثر واقعية.
إحباط الشباب من التعليم العالي
من جهة أخرى، الشباب المغربي الذي كان يرى في التعليم العالي بوابة لتحقيق أحلامه، بات اليوم في حالة من الإحباط واليأس. قاعات جامعية مكتظة، مناهج تقليدية غير مرتبطة بسوق العمل، وبنية تحتية ضعيفة، كلها عوامل جعلت الشباب ينفر من التعليم العالي. هذا الإحباط لا يقتصر فقط على المراحل الدراسية، بل يمتد إلى مرحلة ما بعد التخرج، حيث يجد الشاب نفسه إما عاطلاً عن العمل أو مجبراً على قبول وظائف لا تمت بصلة لمجال دراسته.
من جهة أخرى، الشباب المغربي الذي كان يرى في التعليم العالي بوابة لتحقيق أحلامه، بات اليوم في حالة من الإحباط واليأس. قاعات جامعية مكتظة، مناهج تقليدية غير مرتبطة بسوق العمل، وبنية تحتية ضعيفة، كلها عوامل جعلت الشباب ينفر من التعليم العالي. هذا الإحباط لا يقتصر فقط على المراحل الدراسية، بل يمتد إلى مرحلة ما بعد التخرج، حيث يجد الشاب نفسه إما عاطلاً عن العمل أو مجبراً على قبول وظائف لا تمت بصلة لمجال دراسته.
غياب رؤية واضحة للدولة
رغم الميزانيات الضخمة التي تخصصها الدولة سنوياً للتعليم العالي، إلا أن القطاع يعاني من غياب رؤية استراتيجية واضحة. التعليم العالي يبدو وكأنه مجرد امتداد للأزمات التي تواجه المستويات التعليمية الأخرى، من التعليم الابتدائي إلى الثانوي. بدل الاستثمار في إصلاح شامل وجذري، يبدو أن الجهود تقتصر على حلول ترقيعية تزيد من تعقيد المشهد. كما أن السياسات التعليمية المتبعة غالباً ما تفتقر إلى التخطيط طويل المدى وإلى إشراك فعلي للخبراء والمختصين.
رغم الميزانيات الضخمة التي تخصصها الدولة سنوياً للتعليم العالي، إلا أن القطاع يعاني من غياب رؤية استراتيجية واضحة. التعليم العالي يبدو وكأنه مجرد امتداد للأزمات التي تواجه المستويات التعليمية الأخرى، من التعليم الابتدائي إلى الثانوي. بدل الاستثمار في إصلاح شامل وجذري، يبدو أن الجهود تقتصر على حلول ترقيعية تزيد من تعقيد المشهد. كما أن السياسات التعليمية المتبعة غالباً ما تفتقر إلى التخطيط طويل المدى وإلى إشراك فعلي للخبراء والمختصين.
دور الأساتذة في الأزمة
الأساتذة الجامعيون يتحملون جزءاً من مسؤولية فشل هذا القطاع. نسبة النجاح التي لا تتعدى 30% في العديد من الجامعات المغربية تثير تساؤلات حول العلاقة بين الأستاذ والطالب، وبين المناهج التعليمية وطرق التدريس. هل المشكلة تكمن في نقص كفاءة الطلاب أم في أساليب التعليم الجامعي؟ مهما كان الجواب، النتيجة واحدة: ملايين الدراهم تُهدر سنوياً بسبب نسب النجاح الضعيفة، مما يعكس ضعف الكفاءة الإجمالية للنظام التعليمي.
الأساتذة الجامعيون يتحملون جزءاً من مسؤولية فشل هذا القطاع. نسبة النجاح التي لا تتعدى 30% في العديد من الجامعات المغربية تثير تساؤلات حول العلاقة بين الأستاذ والطالب، وبين المناهج التعليمية وطرق التدريس. هل المشكلة تكمن في نقص كفاءة الطلاب أم في أساليب التعليم الجامعي؟ مهما كان الجواب، النتيجة واحدة: ملايين الدراهم تُهدر سنوياً بسبب نسب النجاح الضعيفة، مما يعكس ضعف الكفاءة الإجمالية للنظام التعليمي.
دور المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي
المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي كان من المفترض أن يلعب دوراً رئيسياً في توجيه وإصلاح قطاع التعليم العالي، يعاني من الشلل وضعف التأثير. فبدلاً من أن يكون قوة اقتراحية وتوجيهية فعالة، يبدو أن دوره أصبح شكلياً إلى حد كبير، حيث يفتقر إلى القدرة على إحداث تغييرات ملموسة في الواقع التعليمي.
المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي كان من المفترض أن يلعب دوراً رئيسياً في توجيه وإصلاح قطاع التعليم العالي، يعاني من الشلل وضعف التأثير. فبدلاً من أن يكون قوة اقتراحية وتوجيهية فعالة، يبدو أن دوره أصبح شكلياً إلى حد كبير، حيث يفتقر إلى القدرة على إحداث تغييرات ملموسة في الواقع التعليمي.
أين الحل؟
أمام هذا الواقع المعقد، السؤال المحوري هو: أين الحل؟ الإجابة لا يمكن أن تكون أحادية أو بسيطة. المطلوب هو مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار جميع جوانب الأزمة. إصلاح التعليم العالي يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، وإلى شراكة فعالة بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. كما يتطلب استثماراً حقيقياً في البحث العلمي، وتطوير مناهج تعليمية عصرية، وتحسين العلاقة بين الأستاذ والطالب.
أمام هذا الواقع المعقد، السؤال المحوري هو: أين الحل؟ الإجابة لا يمكن أن تكون أحادية أو بسيطة. المطلوب هو مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار جميع جوانب الأزمة. إصلاح التعليم العالي يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، وإلى شراكة فعالة بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. كما يتطلب استثماراً حقيقياً في البحث العلمي، وتطوير مناهج تعليمية عصرية، وتحسين العلاقة بين الأستاذ والطالب.
الحل يبدأ أيضاً بإعادة الثقة إلى الأسر والشباب، عبر ربط التعليم بسوق العمل وضمان فرص حقيقية للتشغيل. أما المجلس الأعلى للتربية والتكوين، فيجب أن يُمنح الصلاحيات اللازمة ليكون قوة دافعة للإصلاح بدل أن يظل جسداً بلا روح.
التعليم العالي في المغرب يمر بمرحلة حرجة، حيث لا مجال لمزيد من التردد أو المماطلة. فإما أن نعيد بناء هذا القطاع ليصبح ركيزة للتنمية المستدامة، أو نواصل إضاعة الوقت والموارد، ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة وتكريس التراجع. الحل ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب شجاعة، تخطيطاً محكماً، وإرادة لا تعرف التردد.