استمر العمل بحالة الطوارئ في الجزائر 24 سنة ، بحجة مواجهة الارهاب و الجماعات الاسلامية المسلحة ، خلال الـ24 سنة ضلت ميزانية وزارة الدفاع الاضخم بين الاعتمادات السنوية للقطاعات الحكومية عدا سنة او اثنتين ، والحجة دوما كانت مواجهة الارهاب وحماية امن البلاد من خطر الجماعات المسلحة ، وبنفس الحجة صفقات مالية ضخمة بمليارات الدولارات تعقد سنويا على مدار العشرين سنة لتسليح قوات الجيش باخر التكنولوجيات ، بما فيها تكنولوجيات المراقبة والتصنت و التشويش ، بنفس الحجة ايضا تم اعتماد قانون سمي قانون المصالحة سمح بالتسوية بين المجرم والضحية تحت تسمية " ضحايا المأساة الوطنية" ، وتم بنفس القانون رفع اي مسؤولية جنائية او سياسية عمن تسبب في قتل الجزائريين وتعذيبهم و تشريدهم و اغتصابهم و تجريدهم من ممتلكاتهم كما تم رفع المسؤولية عمن كان من المفترض ان يحمي المواطنين الجزائريين من كل ذلك ، وبحجة محاربة الارهاب و الجماعات الارهابية ، تم التغاضي عن فتح ملف المفقودين ...
بعد كل هذا الثمن الباهظ غير المسبوق في تاريخ الامم والشعوب هل انتهى الارهاب في الجزائر ؟؟ الجواب طبعا لا .. ولأن الجواب لا فنحن امام احتمالين:
-إما : ان السلطة فشلت في القضاء على الارهاب ، ولهذا تواصل الجماعات المسلحة قتل الابرياء واقامة الحواجز المزيفة والكمائن المفخخة و التفجيرات داخل وخارج المدن ، بل اكثر من ذلك الجماعات الارهابية وبعد ان كانت منحصرة في نطاق جغرافي معين انتقلت وامتدت الى نطاق جغرافي اخر .( ستتضح هذه النطاقات في الاحتمال الثاني ) .. وربما تتمدد الى مجالات جغرافية اخرى مستقبلا ، امام هذا الفشل من حقنا مساءلة الحكومة عن مسؤوليتها في هذا الفشل ،و كيف لها ان تبرر الاموال والاعتمادات التي تصرف في مجال سياسة مكافحة الارهاب دون تجقيق نتائج تذكر .
- وإما : ان الارهاب والجماعات المسلحة مقدر لها ان تبقى وتستعمل كل مرة في اجندات خاصة بالسلطة لإغراض سياسوية بحتة ، كاستعمال فزاعة الارهاب فترة من الزمن في منطقة القبائل التي عرفت عدة احتجاجات و حراك شعبي معارض ، ثم انتقال الارهاب ليبدو بصورة اوضح خلال السنتين الاخيرتين في منطقة الجنوب و عمق الصحراء وللمصادفة كان توقيت تزايد وتيرة النشاط الارهابي في الصحراء متزامنا مع بروز حركات احتجاجية معارضة .
كلا الاحتمالين يفضي الى قناعة واحدة هي بلوغ السلطة الحاكمة في الجزائر درجة التعايش مع الارهاب كحالة " يمكن استعمالها من عدة أوجه" ، فهو مبرر جيد وقوي لاستمرار توغل العسكر والمؤسسة الامنية على باقي مؤسسات الدولة ، كما انه يؤدي الغرض ايضا في تخويف سكان بعض المناطق من مغبة الانسياق وراء حركاتهم الاحتجاجية ذات الطابع السياسي خشية تحولها الى فوضى و زعزعة للاستقرار وفتح الباب امام الجماعات المتطرفة .
كتاب الرأي