Monday 13 October 2025
كتاب الرأي

أنور الشرقاوي: شباب العصر الرقمي… نحو عقد جديد للتواصل السياسي

أنور الشرقاوي: شباب العصر الرقمي… نحو عقد جديد للتواصل السياسي الدكتور أنور الشرقاوي
 المطلوب اليوم من من بيدهم القرار أن يتحلوا بالشجاعة للرد على الشباب ،ليس بين السطور، بل وجهاً لوجه، وبصدق كامل 
لم تعد النقاشات حول الصحة والتعليم والفساد حبيسة الصالونات السياسية أو خطابات النقابات.
لقد انتقلت إلى شاشات الهواتف، والمنشورات، والتغريدات، والبثوث المباشرة.
جيل جديد، متّصل بالعالم، واعٍ ومتعطّش للوضوح، يواجه الدولة والمجتمع بسؤال صارخ:
هل يمكن بعد اليوم مواجهة أوجاع المغرب الاجتماعية بخطابات مموهة ووعود مؤجلة؟
هذا التوتر بين لغة رسمية متحفظة وانتظارات شعبية عاجلة يكشف عن تحول عميق في العلاقة بين المواطن والسلطة.
 
 فضاء عام جديد صاغته الشبكات الاجتماعية 
كان عالم الاجتماع الألماني يورغن هابرماس يرى أن الديمقراطية الحديثة تقوم على نقاش عقلاني مفتوح بين المواطنين والمؤسسات.
لكن الشبكات الاجتماعية كسرت هذه المعادلة: صار كل مواطن صحفياً، ومعلّقاً، وناقداً في آن واحد.
الشباب المغربي، المتعلم أحياناً والعاطل أحياناً أخرى، لم يعد يصدق الكلام المزخرف.
إنه يريد إجابات صريحة وسريعة وقابلة للتحقق، في عالم يعتبر فيه البطء الإداري نوعاً من اللامبالاة.
منشور عن رداءة مستشفى، أو فضيحة فساد، أو ظلم مدرسي، قد يشعل نقاشاً وطنياً في ساعات قليلة.
الفيديوهات والهاشتاغات أصبحت مقياساً لنبض الوعي الاجتماعي.
 
 أزمة ثقة قبل أن تكون أزمة سياسية 
العالم الفرنسي بيير بورديو تحدث عن "المسافة بين الحاكم والمحكوم"، وهي الفجوة التي تتسع حين تعجز المؤسسات عن فهم الشعب.
وفي زمن الإنترنت، هذه الفجوة تتضاعف، لأن المواطن يرى، يقارن، ويحاسب في لحظة واحدة.
الشباب المغربي لا يطالب بالمعجزات، بل بالصدق.

يتقبل الغموض، لكن لا يتسامح مع الكذب.
 يفهم صعوبة القرارات، لكنه يرفض الصمت الرسمي .
وهنا يستحضر المفكر البولندي زيغمونت باومان مفهوم "الحداثة السائلة" — عالم متغير بسرعة، حيث تنهار الثوابت وتضيع السلطة القديمة في زحمة التحولات.
 
لذلك، السلطة التي لا تتحدث بوضوح، تفقد شرعيتها مهما بلغت من قوة أو كفاءة .
 
 الخطاب السياسي أمام امتحان الشفافية 
 لسنوات، تحدثت السلطة بلغة مشفرة، بين السطور. 
 لكن جيل الإنترنت لا يقرأ بين السطور، بل يفضحها. 
 كل عبارة مبهمة تتحول إلى سخرية، وكل وعد غامض إلى هاشتاغ ساخر .
كما يقول عالم الاجتماع الأمريكي مانويل كاستلز في كتابه المجتمع الشبكي:
> "الصراع على السلطة أصبح صراعاً على الانتباه."
وفي هذا الصراع، من يتأخر في الردّ يخسر السردية.
الصمت الرسمي لم يعد موقفاً حكيماً، بل انسحاباً من ساحة النقاش العام.
 لهذا، قد تكون كلمة صريحة واحدة، حتى وإن لم تحمل الحل، أكثر تأثيراً من خطاب مملوء بالتبريرات. 
لكن بشرط أن تتبعها إجراءات ملموسة، لا بيانات للتجميل السياسي.
 
 نحو عقد اجتماعي جديد في التواصل 
قضايا الصحة والتعليم والنزاهة ليست تقنية فقط، بل هي جوهر العلاقة الأخلاقية بين الدولة والمواطن.
 شباب اليوم لا يريد شعارات، بل إنصاتاً حقيقياً واحتراماً واعترافاً بمعاناته .
كما قال عالم الاجتماع البريطاني أنتوني غيدنز، الحداثة الحقيقية هي "قدرة المجتمع على مراقبة نفسه وإصلاح أخطائه".
 
وهذا بالضبط ما يفعله الشباب المغربي على الشبكات: يراقب، يحلل، ويطالب بالإصلاح.
 الدولة من جانبها مطالبة بالانتقال من التواصل العمودي إلى التواصل التفاعلي، من لغة الوعظ إلى لغة الشرح والمشاركة ومن التبرير إلى المصارحة .
 
 الكلمة... فعل سياسي 
في زمن فقد الناس فيه الثقة، تصبح الكلمة الصادقة عملاً سياسياً بامتياز.
الشباب لا ينتظر معجزات، لكنه يرفض التجاهل.
إنه يريد أن يُخاطَب كمواطن راشد، لا كطفل يحتاج إلى الوصاية.
 كلمة واحدة صادقة قد تبني ما لا تبنيه سنوات من الخطابات المكررة .
 
كما قال المفكر الفرنسي إدغار موران:
 " المجتمعات لا تموت من أزماتها، بل من عجزها عن فهمها." 
إن شباب المغرب يفهم، ويتحدث، ويسائل.
والمطلوب اليوم من من بيدهم القرار أن يتحلوا بالشجاعة للرد عليه 
ليس بين السطور، بل وجهاً لوجه، وبصدق كامل.