السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

نوفل البعمري: ملف بوعشرين و قرينة البراءة

نوفل البعمري: ملف بوعشرين و قرينة البراءة نوفل البعمري

لقد تحولت قاعدة قرينة البراءة إلى شعار وسلاح يرفع في وجه كل من تضامن مع المشتكيات ووقف إلى جانبهن في مواجهة توفيق بوعشرين، بل حول المدافعون عن توفيق هذه القاعدة إلى سلاح يشهر في وجه كل من اتخذ موقفا غير الموقف الذي اتخذوه.

طبعا قرينة البراءة من المبادئ الأساسية التي أقرها دستور فاتح يوليوز، وتم تكريسها في قانون المسطرة الجنائية، وهي واحدة من المبادئ الأساسية التي تنقط للمحاكمات باعتبارها الركن الأساسي والرئيسي في معايير المحاكمة العادلة، حيث أول ما يجب أن يرصد في أية محاكمة، هو هل احترمت قرينة البراءة أم لا!!

بالعودة لمختلف القراءات التي قدمت حول هذا المبدأ، حتى تلك التي قدمتها أمنستي في دليلها، سنلاحظ أن المعني بها بشكل مباشر ليس المشتكيات أو دفاعهم، فهؤلاء من حقهم، بل من واجبهم في إطار الدفاع عن مصالحهم أن يعتبروا أن توفيق بوعشرين غير بريء، ويعلنوا عن ذلك، وإلا لا معنى لانتصابهم كطرف مدني في الملف إذا كانوا يعتبرون المتهم بريئا، بل من حقهم أن يعتبروا شكاياتهم والقرائن الموجودة في الملف كافية لإدانته.

كما أن هذه القاعدة غير معنية بها النيابة العامة، وإذا طالبناها بإعمال هذه القاعدة سنكون خارج منطق دور النيابة العامة.. فهذه الأخيرة هي جهة اتهام، وهي من دبجت المتابعة وأقرتها، وهي من بحثت المسطرة واستنطقت المتهم وتكونت لديها القناعة أن الأفعال المنسوبة إليه ثابتة في حقه.. وانطلاقا من القواعد القانونية التي تؤطر عملها، قامت بتكييف تلك الأفعال، وحددت المتابعة، وفقا لما ينص عليه القانون الجنائي ولما عرض أمامها من قرائن.

كما أن القراء والمتابعين والصحافة ليسوا معنيين بهذه القاعدة، فمن حق الجميع أن يعتبره مذنبا، كما من حق الآخرين أن يعتبروه بريئا؛ لأنه إذا ما ذهبنا بنفس المنطق، فمن عليه أن يحترم هذه القاعدة كذلك هم أصدقاؤه، لأنهم يخرقونها أيضا ويطلقون حكمهم قبل أن يقول القضاء كلمته، أي إذا كانوا يطالبون الآخرين بالصمت، فما عليهم إلا أن يصمتوا كذلك احتراما للقاعدة التي يشهرونها في وجه المخالفين لهم في قراءتهم للملف وحيثياته. وهو الأمر نفسه ينطبق على الصحافة، لأن الملف له تفاعل داخل المجتمع وتحول لقضية رأي عام.. وفي كل هذه القضايا تحدث اصطفافات في هذا الاتجاه أو ذاك. عندما اعتقل طارق رمضان في فرنسا الكثير من المثقفين، ومنهم أصدقاؤه تبرؤوا منه في مقالات نشرت ولم يشهر أي أحد في وجههم قرينة البراءة، بل اعتبرت هي آراء في ملف تحول لنقاش عمومي.

طيب، يطرح السؤال من المعني مباشرة بهذه القاعدة؟

هناك جهتين:

دفاعه في حال تشكلت لديه هذه القناعة، لأنه ليس دائما، ونقولها بكل صراحة، يكون الدفاع مؤمن ببراءة موكله، ورغم ذلك يرافع عنه لأن ذلك واجبه أو لأنه قد تكون هناك خلفية تحركه كاستغلال الملف لتصفية الحساب مع جهة ما قد تكون الدولة نفسها.

الجهة الثانية معنية بهذه القاعدة وملزمة بذلك هي الهيئة التي ستصدر الحكم، وحدها الجهة من يجب تنطلق من هذه القاعدة وتضع أمامها في ميزان العدالة كل ما يعرض أمامها من أدلة ومحاضر وإجراءات تمت بمناسبة البحث في الملف، وتشكل قناعتها وفقا لما سيروج أمامها، ووفقا لاطمئنانها للأدلة التي استجمعتها الضابطة القضائية قد تأخذ بها كما قد تتركها جانبا، ووفقا لرواية المشتكيات ورد المتهم...

أما الباقي فهو غير معني بهذه القاعدة، لأننا لا نصدر الأحكام القضائية ولأننا نتفاعل مع الحدث وفقا لرؤية كل منا له ولتطوراته، لأنه لا يمكن أن يعطي البعض لنفسه الحق في توجيه الملف وتسييسه بما يخدمه، ويرفض إعطاء نفس الحق للمختلفين معهم في رؤيتهم للملف.

قاعدة قرينة البراءة لا يمكن أن تتحول لأداة لإجهاض المخالفين لنا، فمن فتح هذا الباب هو من قام بالتدوين لأول مرة ووصف الملف بأنه مفبرك دون أية حجة، وهو من قام بقصف المشتكيات، واعترض على قصف المتهم....

أول ما يجب الدفاع عنه هنا هو مساواة الجميع أمام القانون، المتهم والضحايا المفترضات/ المشتكيات.

المساواة في هذا الحق وإذا احترمناه سنكون قد وضعنا الملف على سكته الصحيحة.