الأربعاء 24 إبريل 2024
سياسة

بعد أن فتح اليوسفي دولاب أسراره هل يتحدى بنكيران تاريخه "القاتم" وينشر مذكراته؟!

بعد أن فتح اليوسفي دولاب أسراره هل يتحدى بنكيران تاريخه "القاتم" وينشر مذكراته؟! عبد الإله بنكيران، و عبد الرحمان اليوسفي
بعد أن كسر عبد الرحمان اليوسفي جدار الصمت، ووافق على أن يفتح دولاب ذكرياته، ويتقاسم مع المغاربة أسراره التي ظلت حبيسة صدره، في كتاب كان فيه المناضل "الاتحادي" البارز "شفافا" وصادقا مع نفسه، تُرى ماذا سيقول لنا عبد الإله بنكيران لو فكر في كتابة مذكراته من باب "الغيرة" من عبد الرحمان اليوسفي الذي مر مثل عبد الإله بنكيران من باب رئاسة الحكومة، مع الفوارق الشاسعة في المقارنة بين الزعيمين!! فاليوسفي اختار التواري عن الحياة السياسية من الباب الواسع، وفك جميع ارتباطاته ومسؤولياته بالحزب، بعد تعيين إدريس جطو وزيرا أول احتجاجا على عدم احترام المنهجية الديمقراطية. أما بنكيران، وبسبب عناده وأفق تفكيره الضيق وطمعه في الخلود في منصب رئاسة الحكومة، أُبعد من النافذة ككومة طحالب، وأُبعد أيضا من الأمانة العامة لحزبه مثل قشة حطب.
شتان بين الزعيمين: زعيم انحنى الملك للسلام عليه في مشهد يدعو إلى الاحترام والاعتزاز والتواضع، وكرم في حياته وحمل اسمه اسم أهم شارع في طنجة، لما يراكمه الرجل من تاريخ مشرق، ومسار طويل من الكفاح. وزعيم لا يملك إلا موهبة الكلام وسلاطة اللسان... وحين أعفاه الملك من رئاسة الحكومة "انتهى الكلام".. كل الكلام. لكن ظل وفيا لمناوراته ومحاولاته من أجل العودة إلى الحياة السياسية من النافذة نفسها التي خرج منها، مستغلا "المنشطات السياسية" وقوانين الأحزاب "المحظورة". 
من هنا يبدو الفرق بين الشخصيتين: شخصية عبد الرحمان اليوسفي الذي كان ينسى، في فترة قيادته للحكومة، أنه الكاتب العام لحزب الاتحاد الاشتراكي. كان يعرف أن مسؤولية الوزارة الأولى أنبل وأولى من مسؤولية إدارة حزب، ولو كان هذا الحزب آنذاك هو "الاتحاد الاشتراكي" بحمولته الشعبية والرمزية والتاريخية. لم يوزع الحقائب الوزارية على عائلته الحزبية خارج دائرة "الاستحقاق"، لم "يهرف" على مناصب "أولاد الشعب" ويهبها لأقاربه. كان زعيما "زاهدا" في كل شيء، قنوعا، مخلصا، أمينا... لذلك سيظل اسم اليوسفي ناصع البياض.
شخصية بنكيران شخصية "صدامية" و"انقلابية"، وتاريخه السياسي مرتبط بالشتائم والمعارك والحروب الكلامية والثرثرة. حاد الطباع، سريع الغضب، مزاجي، يبني صداقاته وتحالفاته على معايير المصلحة الضيقة، لذلك سرعان ما يصبح حليف الأمس عدو اليوم، حتى داخل حزبه يبني علاقاته على أساس مفهوم "البرغماتية السياسية" و"المنفعة الشخصية" و"المصلحة الذاتية". لذا فصداقات بنكيران سريعة الذوبان مثل قطعة الجليد، باردة وتتلاشى مع أول خيط من الشمس، لأنها صداقات طافية على قطعة خشب فوق سطح مستنقع آسن.
إذاً، ماذا سيكتب بنكيران في أوراقه؟
أي حبر سيكتب به؟
بماذا سيخبر المغاربة؟
أي الحكايات سيرويها؟ 
أي الروايات يسردها؟
يلتهمنا الفضول أي الحروف سيرتقها بنكيران؟ وبأي مخيط، هل بخيوط الصراحة أم خيوط النفاق؟ 
من أين سيبدأ تاريخه: هل من حيث "انتهى الكلام" بـ"لن نسلمكم أخانا حامي الدين"، أم ببداية الكلام، وبداية تاريخ الدم، مع اغتيال الشهيد عمر بنجلون؟
من الصعب أن تكون زعيما بلا تاريخ، لأن التاريخ فقط بالأحداث الكبرى، وبالإنجازات، والصفحات الخالدة الناصعة البياض. لكن تاريخ الدم والسواد لا يستحق الكتابة، بل يستحق النسيان وممحاة الجحود والنكران.
من الصعب أن تكون زعيما لحزب بلا ذاكرة ولا عنوان. حزب يحمل في داخله معاول الهدم، لأن ما بني على "الباطل" لا يستحق إلا الهباء والتشظي. لذا أحزاب اليسار التي انبثقت من حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ومنه حزب الاتحاد الاشتراكي، ظلت صامدة طوال كل هذه الأجيال السياسية. 
لا يذكر التاريخ أن بيت اليوسفي أصبح مثل مخفر الشرطة يرابط أمامه ليل نهار الحرس ورجال الأمن. اليوسفي يمشي اليوم في الأسواق وفي الشوارع منتصب القامة، مرفوع الهامة. لم تحمل في وجهه لافتات "ارحل" حتى في عز إدارته الحكومة، لم يكن يعترض طريقه المحتجون والغاضبون.
بيت بنكيران على عكس بيت اليوسفي، يشبه "سفارة" الولايات المتحدة الأمريكية المحاطة بالمتاريس والأدرع البشرية والحراسة المشددة خوفا من "عدو" منتظر أو "خطر" محتمل. حتى بعد خروج بنكيران من نافذة الحكومة، كما سبق الذكر، مازال بنكيران يخاف حتى من ظله، ولا يخطو خطوة إلا بمرافقة حراس الأمن، خوفا من "المنتقمين"...
لكل هذه الأسباب والتبريرات والتعليلات كتابة مذكرات عبد الإله بنكيران ستصبح حلما من الأحلام التي لن تتحقق، إلا إذا كتبت بحبر "كاذب". لأن المسافة بينه وبين الأستاذ اليوسفي تقدر بالأميال والأميال البعيدة، وطريق الرجلين طريقان لا يتقاطعان، وأفكارهما لا تلتقيان، وتاريخهما لا يتشابهان، وشخصيتهما تتناقضان: عبد الرحمان اليوسفي "الزاهد" في المراتب والمكاسب والامتيازات المادية، وعبد الإله بنكيران "الطامع" في المناصب و"المتلهف" على الكراسي، و"الحاصد" للريع وللغنائم.
لذا، هناك فرق بين من يطلب الخلود في "التاريخ"، ومن يطلب الخلود في "الكراسي"!!!