لقد تابعت كثيرا مجريات الأحداث وتطورات قضية معتقلينا، وكذلك تطورات الحراك الريفي في الداخل وفي الخارج، لأنني أعتبر نفسي معنيا من جهتين، من جهة كوني أحد إخوان المعتقلين المقربين من ناصر الزفزافي، والذي كان بجانبه ذلك اليوم المشؤوم (محمد حاكي)، ومن جهة ثانية كوني مواطن مغربي ريفي يتحسر على ما آلت إليه الأوضاع في ريفنا العزيز، ووطننا الحبيب، بشكل عام، وكوني عانقت بأحر من الجمر والدموع في عيني، في إحدى زياراتي إلى عكاشة، أجساد أبطالنا، بل أسودنا، وهي تزأر في أروقة السجن. رأيت الدمعة تختلط بابتسامة أخي العزيز ليطمئن أمه أن ابنها حفيد المجاهدين التي هي ابنتهم لن يلين.
تتبعت من خلال لوحتي الالكترونية، وفي بعض الأحيان من خلال هاتفي النقال أثناء عملي، لايفات البعض، وتدوينات البعض الآخر..، تتبعت تحركات اللجن المساندة للحراك، تتبعت اللقاءات الأوروبية المنظمة من طرف نشطائنا في المهجر، وذلك على حساب عائلاتهم وقوتهم اليومي ووقتهم بكل جدية وتفان في العمل والمسؤولية.. أبهرني كيف أن نشطاء الحراك نجحوا في خلق قنوات دبلوماسية وأجهزة تتبع شأن المعتقلين، وكيف نجحوا في استمالة الرأي الدولي، وخاصة الأوروبي لقضية معتقلينا.
لكن ما أثار غيضي وحنقي، وخصوصا في بعض التدوينات الأخيرة، واللايفات، والتي جاءت حتى من بعض أقرباء المعتقلين، وهي شخصنة الحراك، وتقزيمه في بعض الأشخاص، واختزاله في زيد وعمرو.
أكثر من ذلك عندما خرج بعض النشطاء (الأوروريفيين) في أكثر من لقاء يتحدثون عن أحلام (الجمهورية)، وبداية انهيار النظام الملكي... و.. و، ومنهم من تكلم عن إبادة جماعية تحصل الآن في الريف.. هناك من أعاد فتح جراح 58/59، وذهب إلى أبعد من ذلك ليهدم في بعض ثواني معدودات ما بناه نشطاء جادون ومسؤولون.
الأجهزة الأوروبية بكل مكوناتها، وخصوصا الاستشارية منها، تتعامل مع كل هذا الكم الهائل من المعلومات بنوع من الموضوعية البراغماتية، أي أنها ستستنتج شيئا واحدا، وهو أن معتقلينا في السجون هو نتيجة تصادم طرفين: النظام والريف، في شخص مريدي الجمهورية والثورة و.. إلخ. لكن الحقيقة ليست كذلك، وكما شرحها أب المعتقلين "عيزي احمد" الذي ينطق بمنطق تحكمه رزانة السن وحكمة التجربة، أي أن أي تظلم لقوى خارجية هو تظلم لأصدقاء السلطات المغربية كعائلات نفذ صبرها، وفي الوقت نفسه هو تعبير عن مستويات ديمقراطية يشهدها المغرب.
سيقول البعض.. "وا هدا خوه فعكاشة وجاي يدافع على الديمقراطية المغربية، أو أنه ملكي حتى النخاع".. أقول له عندما خرج الحراك: ليس الزفزافي أو حاكي أو المجاوي أو جلول.. أو.. أو، بل الحراك كرد فعل شعبي متمدن ومتحضر في احترامه وتناغمه مع ثوابت الأمة والدستور وإيمانه بوحدته الترابية... خرج هذا الحراك ليشمل ويفضح السياسات الفاسدة التي نظمتها الحكومات المتعاقبة وجيوب الفساد والظلم... لقد خرج الحراك ليرسي ثوابت وأسس حوار جاد مع الساكنة يلغي فيه كل وساطة. لكن ما حصل هو أن المقاربة الأمنية وتخاذل أحزاب الأغلبية ومثقفي المجتمع وكل الفاعلين المدنيين جعلنا وجها لوجه مع هاته المقاربة.
إن تصرفات بعض النشطاء تعطي المصداقية الكاملة لأطروحة السلطات الأمنية وللنيابة العامة لتكيف على هواها وقائع لا تمت بمعتقلينا بصلة، خصوصا وأننا في أطوار متأخرة من المحاكمة.
ختام القول إن الكلمات والتصريحات، والتدوينات المتسرعة والحمقاء، والتي لا تزن صداها أو وقعها الجنائي والسياسي على إخواننا المعتقلين، والتي تقحم أشخاص "وأبطال الحراك تضر كثيرا معتقلينا .
أخيرا وليس آخرا، يجب على بعض عائلات المعتقلين أن لن ينجروا وراء بعض الطروحات وأن يحددوا موقفهم في كل مناسبة وطنية أو دولية .
ليس للحراك أشخاص ولا أبطال، بل هو حركية اجتماعية تتضاد وتتكامل فيها كل العناصر السوسيواجتماعية والفرق الاستراتيجية الممثلة لقوى مختلفة، ولقد أعطى هذا الحراك شهداء مازالت دماءهم الزكية لم تجف بعد، ومعتقلين يعانون الويلات، وعائلات تتعذب، أن رائحة السجن لمن لا يعرفها كريهة إلى درجة لا تنسى..،
إذا فلنكن عقلانيين ولا نذر الملح على الجروح، يجب على الكل أن يتحمل مسؤوليته، كوادرنا المثقفة بالداخل والخارج، مثقفونا، رجال أعمال، نشطاء الحراك، عقلاء السلطة، حتى لا يتدهور الوضع إلى أكثر ما هو متدهور .
الحرية للمعتقلين...