أثارت حمولة مهمة تقدر بـ 2500 طن، كدفعة أولى من الأزبال البلاستيكية والمطاطية، تم استيرادها من طرف جمعية مهنيي الإسمنت من الديار الإيطالية عبر باخرة ضخمة من أجل استعمالها كـ "حطب" في أفرنة شركات الإسمنت، أثارت عدة تساؤلات وانتقادات، خاصة بعدما سمحت الوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة باستيراد هذا النوع من النفايات، واعتبرتها الوزيرة، التي خانتها الحيطة والحكمة وهي تعمل دون كلل 22 ساعة في اليوم، بأن بـ (نادم زاد فيه) لأنها ليست بالنفايات الخطيرة!! ويحدث هذا في وقت شرع المغرب منذ فاتح يوليوز الحالي في تطبيق برنامج "زيرو ميكا"، وتتهيأ مراكش كي تكون عاصمة كونية لاحتضان تظاهرة كوب 22 حول المناخ!! "أنفاس بريس" اتصلت في هذا الشأن بالمهندس محمد بنجلون الخبير في البيئة، وأجرت معه الحوار التالي:
+ كيف تقرأ قبول المغرب استيراد وتدبير أزبال أوروبية وكأن المغرب مطرح للنفايات؟
- ينبغي أن أؤكد أولا بأن المغرب ليس مزبلة كي يقبل نفايات الآخرين، فـ "يكفينا اللي فينا" كما يقال.. إذ توجد بالمغرب حوالي 300 مزبلة غير مصنفة ولا نستطيع تدبيرها، وبالأحرى استقبال نفايات الآخرين. إن الأمر لا يعدو أن يكون صفقة و"بزنسة" في النفايات والأزبال، لاسيما مع إيطاليا البلد المعروف بالمافيا و"التبزنيس" في كل شيء.. ولهذا فعندما أرى وأسمع بأن حمولة للنفايات وصلت إلى المغرب تبلغ 2500 طن كحصة أولى من الصفقة، يؤلمني رأسي كثيرا.. وثانيا من قال أو يثبت لنا بأن هذه النفايات ليست بالخطيرة وغير ملوثة، ومتى تم تحسيس المواطن المغربي وإشعاره باستقدام مثل هذه النفايات، وطمأنته بطبيعتها غير المضرة؟
+ لكن كيف، في نظرك، يتم إشعار المواطن باستيراد أزبال من الخارج، ولا يثير ذلك مخاوفه، بل وشكوكه؟
- طبعا يجب التنبيه بأن هنالك قانون يتعلق بما يسمى بـ "البحث العمومي" الذي تستوجبه دراسة مدى التأثير على البيئة عند تقديم أي مشروع impact sur l environnement وهذا القانون ينص على أن السلطة معنية بإخبار الساكنة التي سيحدث بها المشروع، مثلا بجماعة حد حرارة بأسفي حيث يتواجد مصنع كبير للإسمنت، وكذلك الشأن أيضا ببوسكورة بالدار البيضاء، وأيضا بطنجة والرباط وفاس... فهذه كلها مناطق قروية وفلاحية.. فكيف تأتي مصانع الإسمنت بهذه النفايات ويتم حرقها في أفرنتها التي تصل إلى 1400 درجة ولا يكون لها أي انعكاسات على البيئة؟ هل تمت دراسة تأثير ذلك على صحة السكان بالنظر للمخلفات السامة التي تنتج عن الحرق سواء من حيث الغازات الملوثة أو الغبار المتطاير الدقيق جدا، وكلها سامة وملوثة بالنسبة للإنسان والطبيعة والحقول المجاورة لمصانع الإسمنت، بحيث لا تنفع معها المصفيات أو المرشحات كيفما كان نوعها وقيمتها...
+ هل تعتقد أنه لو كانت هذه النفايات فعلا مفيدة صناعيا ومصدر طاقة مهمة ستسمح الدول صاحبتها و"منتجتها" بتصديرها إلى دول أخرى كالمغرب؟
- لكي أقرب الصورة أكثر سأعطيك معيارا يسمى (ب.س.إ) le pouvoir calorifique inferieur أي القوة الحرارية المنخفضة، وهو معيار معتمد كمؤشر لمعرفة هل هذه النفايات ضارة أم نافعة.. وعليه فلو كانت هذه النفايات، بناء على هذا المعيار، تصل على الأقل 8 ألف (كيلو كالوري) ما كانت إيطاليا تسمح بخروجها أو تصديرها خارج بلدها.. وأقسم على ذلك بأغلظ الأيمان.. ولاحتفظت بها كي تستعملها هي لمصلحة اقتصادها في إنتاج الطاقة من نوع (البيوغاز). إذن فالعملية تتعلق بصفقة "مافيوزية" يشترك فيها إيطاليون وبعض المرتزقة المغاربة. وهنا أتساءل، علاوة على وزيرة البيئة، عن دور وزير التجهيز والنقل في هذه الفضيحة، كيف غابت عنه راداراته وحمولة ضخمة بآلاف الأطنان من النفايات مشحونة عبر بواخر مارة بالقرب من السواحل المغربية دون مراقبة؟ وماذا كان سيحدث لو وقعت حادثة لهذه الباخرة، لا قدر الله، في عرض هذه السواحل وتحطمت وانتشرت حمولتها؟
+ ألم يستحضر أصحاب هذه الصفقة بأن المغرب هو بصدد الإعداد لاحتضان كوب 22 حول المناخ؟
- إنهم يريدون أن يضربوا عصفورين بحجر واحد، فالوزيرة المكلفة بالبيئة مع أصحاب هذه الصفقة التجارية يحاولون جميعهم، في ما أعتقد، تبرير عملهم هذا بالتعبير عن حسن نيتهم في تنظيم المغرب لكوب 22، وذلك بمساهمة المغرب في استرداد النفايات الخطيرة، وفي نطاق حماية البيئة والاحتباس الحراري.. يعني أننا (كنديرو زوين مع الطاليان ومع الآخرين).. ومن أجل إنجاح الكوب 22 (فاللي شاطت عليكم مرحبا بيها).. والواقع أننا بهذا الموقف نخفي الشمس بالغربال.. ثم الذي أستغرب له مرة أخرى هو غياب "البحث العمومي"، بل والإشهار، حول النفايات المجلوبة للمغرب، على غرار الحملة التي تقام هذه الأيام حول (الميكا)!؟ فلماذا لم يتم شرح كل التفاصيل في شأنها عبر مختلف وسائل الإعلام من أجل تحسيس السكان.. إن السكوت عنها من طرف الجهات المسؤولة يجعل العملية مثار شك.. وبتعبير المغاربة: المسألة فيها "إن". ونقطة أخرى وجبت الإشارة إليها أيضا، وتتعلق بمصانع الإسمنت التي تترك مقالعها بعد الاستغلال في حالة مهملة تحتاج إلى إعادة الهيكلة بعدما تتحول من بعد الاستغلال إلى مطارح و"كريانات" للسكن العشوائي.. وعوض صرف الأموال من طرف مصانع الإسمنت في جلب نفايات خطيرة لحرقها في أفرنة قصد مضاعفة الإنتاج والأرباح، مع ما تنفثه من السموم المضرة بالبلاد والعباد، وجب عليها العمل على المبادرة بتحويل مقالعها إلى منتزهات ومناطق خضراء وحماية البيئة.