السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

ادريس عدار: إلياس العماري الغائب عن كتاب "تحولات الجماعات الإسلامية" (1/3)

ادريس عدار: إلياس العماري الغائب عن كتاب "تحولات الجماعات الإسلامية" (1/3) ادريس عدار، باحث في الجماعات الإسلامية
أحيط كتاب "الجماعات الإسلامية...التنظيم الدولي للإخوان المسلمين أنموذجا" لكاتبه إلياس العماري بهالة كبيرة، بالنظر لما يمكن أن يشكله رجل سياسة مثير للجدل تحول إلى "ناقد" للحركات الإسلامية، الموضوع الذي اقتحمه كثيرون دون عتاد ولا عدة، وتحوُل الزعيم السياسي إلى كاتب ليست حالة نادرة، لكن مقاسات الكتابة هي التي تحدد منطقية هذا الانتقال، والكتاب الذي بين أيدينا قد يدخل ضمن اهتمامات الكاتب الزعيم بحكم خصومته السياسية مع الإسلاميين وخصوصا حزب العدالة والتنمية، وتقدم شهود كثيرون للإعلاء من قيمة الكتاب حتى قبل أن يصل إلى يد القارئ أو بعد أن تقرأ ظهر الغلاف حيث يتحدث عبد القادر الشاوي، الكاتب والمعتقل السياسي السابق والسفير، معتبرا أنه كتاب مهم في التأريخ لتطور الأفكار الدينية من الوجهة السياسية ضمن الحركة الساعية لتغيير العقائد بالقوة الدعوية المسنودة بالحاكمية.
ويشير إلى أن الكتاب يعتبر مرجعا ثقافيا مغربيا يكرس به أحد السياسيين الحركيين اسمه كباحث في الدور الذي يمكن أن يكون للدين، انطلاقا من التأويل السياسي المرافق للأهواء والإيديولوجيات.
يُعذر الكاتب اليساري بعدم درايته بموضوع الحركات الإسلامية، وبالتالي فإن كل صيحة في هذا المجال يعتبرها مهمة. إذن هي شهادة من لا يمتلك أدوات تقييم عمل من هذا التخصص، الذي ركبه كثيرون يوم تحول إلى سلعة إعلامية مربحة. ولن أزيد في موضوع الشهادات التي هللت للكتاب لأنها صادرة عمن لا يستطيع وضع مسافة بينه وبين الكتاب والكاتب.
يتحدث الكاتب عن مجهود ممتد في الزمن، كلفه كثيرا من البحث والاستشارات والمناقشات، كما فرض عليه اطلاعا واسعا على المراجع العربية والغربية. يقول الكاتب "إن تأليف هذا الكتاب استغرق سنوات من البحث، وتطلب إجراء مجموعة من اللقاءات والجلسات والاستشارات، مع باحثين وكتاب وإعلاميين داخل المغرب وخارجه، من المشرق والمغرب، وجلهم يتابعون بالدراسة والبحث موضوع الجماعات الإسلامية". مجهود جبار. لكن القاعدة تقول: المجهود لا يبرر المضمون. قد تحفر في أعماق الأرض ولن تعثر إلا على تراب وحجر وقد تنبش الأرض فتستخرج الذهب. فكل هذا المجهود الذي يتحدث عنه صاحبه ينبغي أن يثمر خلاصات كبيرة ومهمة.
تحدثت آلة التسويق عن تخلي إلياس العماري عن "مهنة" السياسي وتقمص "مهنة" الكاتب الباحث. هل المطلوب من إلياس العماري كي يكتب عن الحركات الإسلامية أن يتخلى عن كل صفاته؟ وهل بمستطاعه ذلك؟
هذا فهم تقليدي للموضوعية. بالعكس في إخفاء هوية الكاتب خرم لقواعد الموضوعية، هذه الأخيرة التي تناولتها مدارس كثيرة في الفلسفة والعلوم الإنسانية، لكن لا يوجد إجماع عليها. وبما أن الموضوعية تبدو مستحيلة بالنظر لتداخل الذات والموضوع، فإن الكشف عن هوية الكاتب هي المخرج الحقيقي من هذا المأزق. الموضوعية ليس أن يقول الكاتب إنه ليس هو ذاك السياسي الذي تعرفونه. الموضوعية هو أن يقول الكاتب: أنا إلياس العماري أنا الأمين العام للأصالة والمعاصرة والخصم العنيد للعدالة والتنمية وأنا الذي قلت بأن حزبي جاء لمواجهة الإسلاميين والمشروع الظلامي. سيفيدنا هذا الأمر في فهم الكتاب ومقاصده وأغراضه. بالعكس سيكون الأمر معقولا أن يقول إلياس العماري ها هي الحركة الإسلامية التي أعلنت محاربتها منذ بداية مشواري السياسي وخصوصا بعد تولي الزعامة في حزب الأصالة والمعاصرة.
فالنظر إلى الكتاب من موقع المتابع للحركة الإسلامية منذ سنوات وبشكل دقيق ومعرفة تفاصيلها ومفاصيلها، يبدو لي أن الكاتب الذي هو زعيم سياسي يحارب شيئا لا يعرفه. أي أن الكتاب أظهر أن إلياس العماري لديه قصور كبير في فهم الحركات الإسلامية التي يريد محاربتها أو مواجهتها. للأسف الشديد لم تنفعه الاستشارات والقراءة الكثيرة في هذا الشأن.
من المقدمة تبدو معالم الاضطراب في الكتاب. خلط كبير بين حسن البنا وسيد قطب باعتبارهما أهم من وضع القواعد الفكرية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين. قد يكون معه حق في ذلك وقد نقبل ذلك مسامحة في إطار حديث صحفي. لكن بما أننا أمام باحث كان لابد من البحث والتدقيق وهو ما كان ينبغي أن يقوم به. فقبل أن يكون كتاب معالم في الطريق هو المرجعية المؤسسة التي متحت منها العديد من الجماعات المتطرفة والتكفيرية والجهادية، وقبل أن يكون الكتاب المؤسس لمفاهيم صانعة لجيل من الجهاديين من خلال تأويل خاص لمفهوم الحاكمية والجيل القرآني الفريد والعزلة الشعورية، فقد كان هذا الكتاب هو مانفيستو ثورة الضباط الأحرار وتمت كتابته بطلب من الزعيم جمال عبد الناصر، الذي أراد ميثاقا منبثقا من الخصوصية يواجه به الشيوعيين، الذين كانوا يعتبرون أشرس معارضة في مصر. أين يتجلى الانعكاس القطبي في التجربة الإخوانية داخليا وخارجيا؟ هذا سؤال كان لابد أن يجيب عنه الكاتب. هناك سؤال آخر: أغلب الجماعات القطبية ذات منحى وهابي على المستوى العقدي. بينما من يقرأ سيد قطب سيعثر على ميولات اعتزالية خصوصا في كتابه "في ظلال القرآن". ولا يقبل الإخوان المسلمون والسلفية والوهابية كتابه "العدالة الاجتماعية في الإسلام". ولن يقبل الإسلاميون وقبلهم كثير من العلماء والفقهاء ما ذهب إليه في حق الخليفة الثالث عثمان بن عفان. ليس الغرض تبرئة ولا تجريم سيد قطب ولكن كيف يمكن لكاتب لا يميز بين شخصيتين من الإخوان أن يتحدث عن التحولات؟
وسيرا على نهج التبسيط مرة يعتبر التوحيد والإصلاح الحليف السياسي للعدالة والتنمية ومرة الجناح الدعوي للحزب. هذه تسمية إعلامية وليس توصيفا دقيقا لطبيعة الحركة وعلاقتها بالحزب. كيف يصبح الأصل هو الجناح والفرع هو الجسد؟ التوحيد والإصلاح تمثل ملتقى المجموعات الإسلامية المندمجة، التي كانت تبحث عن الفعل السياسي، بمعنى أن العمل السياسي هو أحد الوظائف والحزب أداة وظيفية مثله مثل الجمعيات والنقابة وغيرها. هذا التوصيف يختلف عن التوصيف الإعلامي الشائع، ومن العيب أن ينساق الكاتب وراء الدارج من الحديث في الصحافة. لما تكن الحركة هي الأصل نكون أمام أمر مختلف عنها لو كانت هي الفرع. في الحالة الثانية نكون أمام حزب يستغل جناحه الدعوي في إطار الصراع السياسي، بينما في الحالة الأولى نحن أمام حركة تجعل من الحزب أداة للتغلغل في الدولة والمجتمع من خلال مفهوم التمكين.
يستمر الكاتب في الاستهانة بالقارئ عندما يقول "...هناك دراسات سبق لها أن تناولت هذا الجانب، الأمر الذي يعفيني من ذلك، دون أن يعني ذلك أنني أتبنى على أي نحو ما قد تكون توصلت إليه من خلاصات ومواقف" في إطار حديثه عن فروع الإخوان المسلمين. موقف يدعو للاستغراب. كيف تتخلى عن دراسة موضوع أنت مختلف مع من سبقك إلى دراسته؟ وعلى هذا المنوال نحا الكاتب على امتداد الصفحات. وإذا كان ما يهمنا هنا هو الحركة الإسلامية المغربية فإن إلياس العماري لم يكشف لنا عن طبيعة فرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ولا تاريخ تأسيسه ومن هم مؤسسوه؟ وتناول هذا الموضوع "على الخفيف" كما يقال، بينما هو موضوع ثقيل لأن المعرفة هنا ليست من نافل القول ولكنها جزء من المعركة التي يخوضها صاحب الكتاب كما يقول، فتبين أن درايته بالحركة الإسلامية المغربية لا تتجاوز ما يعرفه غير المهتمين. غذا نعود لموضوع تأسيس فرع الإخوان بالمغرب وفق رؤية صاحب كتاب التحولات.