بعد فضيحة الحبيب الشوباني، رئيس جهة درعة تافيلالت، المتمثلة في اقتناء أسطول من السيارات الفاخرة، وتحديه للجميع قائلا بتهكم إنه سيقتني طائرة أيضا، أصبح لزاما إعادة النظر في تدبير الجهات، ليس في سياق التراجع عن المكتسبات، ولكن من خلال تعزيز الرقابة على صرف المال العام حتى لا يبقى نهبا في يد الجهات السياسية تقتسمه مغانم ومكاسب ومناصب للأهل والأقارب والأحباب وأبناء الأحزاب.
لما قرر المغرب دخول الجهوية كان يريد استيعاب جيل جديد من الممارسة الديمقراطية في مجال التسيير والتدبير، والانتقال من المركزية إلى شبه حكم محلي، وإعطاء الفرصة للنخب الحزبية والتقنية لتسيير شؤونها بنفسها، يعني أنه كان يسعى للقطع من رتابة الإدارة المركزية التي تعرقل الكثير من المشاريع نظرا لطبيعة العلاقة بين المركز والهامش ولبعد الهامش عن المركز.
الهدف من إقرار الجهوية هو طريقة للتوزيع العادل للثروات، ليس بمعناها الساذج والبسيط، ولكن بمعنى استفادة كافة الجهات من موارد البلاد المالية بشكل عادل يحقق اكتفاء كل جهة، لكن لا معنى لصرف المال العام في تحقيق رغبات الرئيس ونوابه ومن معه من حزبيين لأن الأولوية للمشاريع قبل الاستفادة الشخصية.
الجهة التي يترأسها الشوباني من أفقر الجهات بالمملكة، وبالتالي كان ينبغي مراعاة هذا المعطى قبل أن يتم صرف الملايين في اقتناء السيارات الفاخرة إرضاء للرئيس والنواب، الذين يريدون ان يتمتعوا على حساب الأموال المستخلصة من جيوب دافعي الضرائب.
لقد حظي الرئيس بصلاحيات واسعة في القانون التنظيمي للجهوية المتقدمة، وتم بالمقابل تقزيم صلاحيات الوالي، والعديد من الصلاحيات تم نقلها من الوالي إلى الرئيس، وعلى رأسها الآمرية بالصرف، وبالتالي أصبح رئيس الجهة ومكتبها يتمتعان بصلاحيات واسعة.
عمل جيد أن يتم التخفيف من الثقل الذي تمثله سلطات الوصاية باعتبار أن افعال العقلاء منزهة عن العبث، ولا يمكن ان تستمر المجالس المنتخبة تحت وصاية وزارة الداخلية، وشيء جيد أن يتم منح هذه المجالس صلاحيات مهمة للقيام بأعمالها والسرعة في تنفيذ المشاريع.
لكن لا ينبغي أيضا أن نترك الحبل على الغارب، وندع السفينة تمشي مع اتجاهات الريح "الريح اللي جات تديها"، بل ينبغي وضع آليات رقابة صارمة لأن الأمر يتعلق بالمال العام. صلاحيات الوالي اليوم في مراقبة الجهة تبقى محدودة. لماذا لا يتم منحه رقابة واسعة تتم عن طريق القضاء؟ بهذه الطريقة نكون ضربنا عصفورين بحجر واحد. التقليل من تبدير المال العام من قبل الرؤساء وعدم عودة هيمنة الوزارة على المجالس.
لا يعقل أن جهة فقيرة وفي حاجة إلى "شربة ماء" يقدم رئيسها على توقيع صفقة لاقتناء سبع سيارات فاخرة دفعة واحدة. هذا الفعل يؤثر سلبا على صورة التدبير الجهوي غير المركزي ويظهر رؤساء الجهات كعناصر متربصة لأكل المال العام، ويعطي صورة سيئة عن التدبير الذاتي للشأن العام.
والأهم أن هذه القضية تفصح عن مكنونات حزب العدالة والتنمية، الصارم في صرف المال الحزبي الخاص والذي يشدد عليه الرقابة حتى نما وأصبح غولا لكن لا يهتم بنهب المال العام من قبل بعض أعضائه.
ملحوظة: العنوان من اختيار هيأة التحرير