لا نقرأ حكاية حبٍ عابرٍ في رواية "شذا عشقك جرس نغم في دمي"، ولا سيرة ذاتية مزخرفة بالتخييل، بل نلج عالماً متشظياً من الانفعالات، حيث تتجسد الذات الأنثوية في شخص "هيام الشاكري"، ككائن هشّ ومتمرد في آن، يتأرجح بين حلم الطيران وواقع الهبوط الموجع.
هيام ليست فقط شابة "ممراح طروب"، بل هي كناية عن جيل بأكمله يُرهق بنصيبٍ زائد من الأسئلة والخذلان. تكتمل ملامحها عبر صراعها الوجودي مع العمل، ومع صورة الأنثى في مرآة المجتمع، ومع الحب الذي يُعذب ولا يُشفي، ومع القدر الذي لا يترك بابًا للسكينة دون أن يفتحه على هاوية.
رواية الكاتبة سمية قرفادي تطرح معضلة الإنسان الذي يُحب وهو مغمور بالخوف، ويقاوم وهو مسكون بالهشاشة. فـ"الوسيم" الذي اختطفه سحرها ليس مجرد شخصية عابرة، بل تجسيد لوعود الحياة التي لا تتحقق، وللفارس المكسور تحت ضغط المغادرة، من الصين إلى مسارح الغياب والخذلان. هو سؤالٌ مؤجلٌ في قلبها، أكثر منه جوابًا ماثلاً في واقعها.
هل استطاعت أن تجرّع "سم المعاناة" وتنجو؟
الرواية لا تجيب، بل تفتح لنا بوابات الاحتمال:
ربما انتصرت بالحب الذي يشبه الطهارة، وربما خُدعت باسم الحلم الذي تحوّل إلى وهم. لكن المؤكد أنها –كأنثى وإنسانة– رفضت أن تكون مجرد ضحية، أو صدى لخطى رجلٍ رحل دون أن يترك حتى صوته.
تطرح رواية "شذا عشقك جرس نغم في دمي" تساؤلاً مريراً: هل الحب فضيلة أم لعنة؟ هل الأمل خلاص، أم إرجاء لعذاب آخر؟
في هذا المعمار الروائي، تتحول اللغة إلى مرآة تلتقط توتر النفس، وتنقل رعشة الإحساس، وتتماهى مع الموسيقى الداخلية لشخصيات تهسهس في خفاء النص، كما لو أنها أطياف لقراء فقدوا شيئاً من ذواتهم بين السطور.
"شذا عشقك جرس نغم في دمي" ليست فقط رواية عن الحب، بل عن الوجع المؤنث في مجتمع معتلٍ بالحسابات الذكورية، وعن حلمٍ صغير يُسحق في دواليب العمل، وعن امرأة تبحث عن ذاتها، لا عن رجلٍ يكتمل بها. هي قصة الوردة التي تعي أن الشمس قد تحرقها، لكنها تتفتح رغم كل شيء، لأنها خُلقت للحياة، لا للذبول.