الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

ميلود العضراوي: الرقابة الدستورية على مالية الجماعات

ميلود العضراوي: الرقابة الدستورية على مالية الجماعات ميلود العضراوي

قانون الرقابة البرلمانية، قانون دستوري واسع السلطات يتم بواسطته فحص وتدقيق الأوضاع المالية والإدارية للمؤسسات العمومية والشبه عمومية التابعة للدولة، وتفرض شروط الرقابة ضرورة تقييم السياسات العمومية من قبل البرلمان بغرفتيه والقيام به بشكل دوري ضمن برنامج افتحاص شامل للوضعية المالية والإدارية للمؤسسات العمومية والمقاولات التابعة للدولة وبعض مقاولات القطاع الخاص والجماعات. هذا الجانب من الممارسة البرلمانية لم يتم التركيز عليه بدقة وتوسع، من قبل المشرع في دستور 2011، مما حدا بالحكومة باتخاذ جملة من القرارات والمراسيم المتعلقة بالرقابات القبلية والبعدية، خصوصا المرسوم الحكومي الأخير رقم 2.17.451 المتعلق بمنح وزارة الداخلية الحق في الرقابة القبلية على الآمرين بالصرف في القطاع الجماعي .

مبادرة الحكومة جيدة ومنبثقة عن برنامج إصلاحي في قطاع المالية أصبح يفرض نفسه، تمت معالجتها بآليات حكومية خارج سلطة البرلمان التشريعية نظرا لتقاعس هذه الأخيرة عن أداء أدوارها الدستورية كاملة.

عندما أثير سؤال القانون التنظيمي لمؤسسة البرلمان سنة 2013، كان منتظرا أن يعاد النظر في جملة من الوظائف البرلمانية طبقا لمحتويات الدستور الجديد لدعم الجانب المؤسساتي للبرلمان دستوريا وخصوصا دور اللجان التشريعية للدراسة القوانين والمقترحات ذات العلاقة مع مجال الرقابة المالية والإدارية البرلمانية القبلية والبعدية الخاصة بالبرلمان، وقد تم إثارة جدل من هذا النوع في مناقشات آخر السنة التشريعية 2016.مع الأسف اهتم البرلمانيون بمسألة التنظيم الداخلي وعلى رأسها تدبير الوقت البرلماني وتقاعد البرلمانيين وأهملوا مجال الرقابات المالية ووضع مقترحات قوانين تتعلق بإصلاح هذا القطاع.

هذه المهمة مناطة أصلا بالمؤسسة التشريعية؛ تفعيل دور الرقابة العليا على المال العام ودعم الشفافية في وظائف الآمر بالصرف وخصوصا في القطاع الجماعي الذي عرف تسيبا كبيرا خلال السنوات الأخيرة وبروز مظاهر متنوعة للفساد ونهب المال العام. المرسوم المشار إليه الصادر في شهر شتنبر 2017 يكرس مضمون الفقرة الأولى من الفصل الأول من الدستور ويجبر الآمرين بالصرف بالخضوع للرقابة القبلية والبعدية ثم المساءلة والمحاسبة. المسألة تتطلب نجاعة التنفيذ وتطالب بإعادة النظر في موقع ومكانة وأداء الأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة في علاقاتها بمحيطها القريب والبعيد، تنخرط بشكل مضمون ومأمون في ترسيخ الشفافية والمساءلة وهذا هو المقصود.

سؤال المحاسبة، يثار في العديد من القطاعات العمومية والشبه عمومية التي لم يهتم بها التنزيل الدستوري في إطار تشريعي محض. لكن في سياق المتغيرات التي جاء بها الدستور الجديد، يفترض أن يركز المشرع على توسيع وتحسين أداء الرقابة البرلمانية، وتحديدا مهام لجان التقصي البرلمانية التي تتمتع بسلطة الرقابة المباشرة على المؤسسات الحكومية والأجهزة العمومية التابعة لها. هذا الدور الرقابي الذي مارسه برلمان 2002 حين انفجرت قضايا الفساد الكبرى في المؤسسات الشبه عمومية في المغرب[1]بكامل الصلاحيات الرقابية والقضائية وأعطى نتائج مبهرة،كان يدخل في نطاق الرقابة المشروعة للبرلمان على مالية الدولة وينحصر في قانون الحق في الرقابة العمومية على مؤسسات الدولة ماليا وإداريا.لقد جاء دستور 2011 وكان فرصة مواتية للتدقيق أكثر في قانون الرقابة البرلمانية على المؤسسات العمومية والشبه عمومية التابعة للدولة.

يعتبر الإجراء الدستوري الرقابي على المالية العمومية، الإجراء الأكثر نجاعة وفعالية في منظومة الرقابات الإدارية ذات الشرعية الدستورية، ويمكن بواسطته مسايرة نمط الرقابات البرلمانية المفروضة في الدساتير الغربية،وخصوصا الأوروبية منها،باعتبار كونية هذه التشريعات تستمد أصولها من الفعل الديمقراطي،ولكونها أيضا آلية فعالة من آلية تحصين العمل الحكومي وحماية المصالح العليا للأمة من كل الاختلالات المالية والإداريةـ فهي شرط أساسي من شروط الإصلاح العملي الذي يتطلب الالتزام بالمعايير العامة للتدقيق والمراقبة ومحاصرة الأختلالات تتم عن طريق تفعيل الأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة ولو كانت خارج إطار التشريع البرلماني وهو ما سماه المرسوم بالمحاسب العمومي المختص الذي يؤشر بدءا على الموافقة أو عدم الموافقة على المشاريع علاقة بوجود مشاريع وهمية في برامج الجماعات التنموية وبقاؤها في ثلاجة الأرشف عدة سنوات.يبدو أن من بين الشروط السياسية  لتفعيل هذا القرار ما يلي :

- ضرورة التطبيق الفعلي لمضمون المرسوم تطبيقا حرفيا طبقا لمجرياته القانونية والإدارية.
- الدراية بالهيئات والبرامج والنشاطات والمشاريع التنموية في القطاعات الجماعية والعمومية قبل التأشير عليها في إطار الرقابة القبلية.

 - الإلتزام بالمعايير الدولية لممارسة وظيفة الرقيب العام (المحاسب العمومي المختص)، وأولها لاستقلالية والفعالية وضمير المسؤولية والنزاهة، وهي شروط أساسية للمحاسبة.

 - وجود إطار دستوري وقانوني مناسب وفعال واحترام مقتضيات التطبيق الفعلي للقانون.
 - استقلال رئيس الجهاز وأعضائه (المحاسب العمومي المختص) عن تدخل أي جهة إدارية أو منتخبة.
 - منحه سلطات وصلاحيات واسعة بالقدر الكافي وحرية كاملة في القيام بوظيفته الرقابية.
-  حق النفاذ أو الولوج إلى المعلومات.

 - نشر نتائج العمل الرقابي في وسائل الإعلام الرسمية والمستقلة.

 - حرية القرار في تحديد الجدول الزمني والمكاني لبث التقارير الرقابة ونشرها.

 - وجود آليات مناسبة لتتبع التوصيات والتقارير.

 - الاستقلال المالي والإداري وفي مجال التسيير الداخلي،التوفر على الموارد البشرية النوعية والمادية المناسبة .

الرقابة المالية والإدارية القبلية والبعدية،هي مكون أساسي في بنية الدولة المدنية قدمت الدليل على نجاعتها وفاعليتها مرارا،وفرضت سلطتها على دينامية العمل الحكومي والجماعي.

فيما يتعلق بارتباط جهاز الرقابة القبلية والبعدية بالإعلام، يجب التطبيع مع الأجهزة الإعلامية عموما وفي الحالات القصوى الإقدام على تصاريح وبيانات آنية ذات خصوصية إعلامية ملحة تتعلق إما بتوضيحات حول وقائع وأحداث داخلية تتعلق بقضايا الرقابة والمشاريع التنموية ،أو مجريات لها طبيعة خدمة عمومية يسعى الرأي العام للإطلاع عليها لها ارتباط بالرقيب المالي. بالنسبة للحق في المعلومة حول هذا الموضوع ،يجب تطبيق روح الفصل 27 من الدستور الحالي ومناولة وسائل الإعلام كل جديد في الموضوع حول مجريات الرقابة المالية ومسطرة المحاسبة والمتابعة القضائية، فكما تتداول وسائل الإعلام موضوع الحصيلة الحكومة،يجب أن تتحرك السلطة الرقابية في هذا الاتجاه مباشرةـ مستعملة شرعيتها وسلطتها القانونية في مد وسائل الإعلام بآخر المستجدات في الموضوع وعدم إخفاء الحقيقة وذلك طبقا لتكامل الوظائف المؤسساتية. وفي نفس الإطار وحين تتحرك وسائل الإعلام لتناقش ملفات فاسدة أو قضايا مشبوهة ،فإن الرقابة المالية يجب أن تتحرك طبقا للمعطيات المتوفرة وتقرر تدخلها طبقا للفصول المتعلقة بممارسة الرقابة الدستورية.

في مجمل القول إن مرسوم 2.17.451 سيمكن دور الجهاز الأعلى للرقابة والمحاسبة من القيام بدوره في تعزيز الشفافية والمساءلة، سواء في محيطه الإداري أو في القطاع الجماعي وفق المعايير والمبادئ والأهداف التي تجعل منه سدا منيعا أما الفساد والتسيب المالي.

 [1] الاختلاسات المالية التي تم عرضها على القضاء سنة 2000، والتي قامت لجان التقصي البرلمانية بالبحث فيها وتقديم تقارير حول الموضوع للمجلس الأعلى للحسابات. ومن بينها صندوق القرض الفلاحي  CA والبنك التجاري والسياحي CIH وصندوق الضمان الاجتماعيCNSS ومكتب التسويق والتصديرOCE.