الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى أيت علال: هذه هي الاسباب الحقيقية وراء الهجوم على بسيمة الحقاوي

مصطفى أيت علال: هذه هي الاسباب الحقيقية وراء الهجوم على بسيمة الحقاوي مصطفى أيت علال

اعتمد حزب العدالة والتنمية بشكل كبير على الخطاب الشعبوي في التعبئة الجماهيرية وبناء قواعده، ولذلك كان لا يفوت أي فرصة دون تمرير هذا الخطاب بالمؤسسة البرلمانية عندما كان في موقع المعارضة. حتى وإن تطلب الأمر الطعن في مؤشرات التنمية الصادرة عن المؤسسات الدولية أو الوطنية المختصة. ولذلك فإن فريقه بالبرلمان  تصدى  للتطور الايجابي للمؤشرات المقدمة  من طرف الحكومات السابقة، عبر التحليل  بالمشاعر أو انتقاد المعايير المعتمدة ، وممارسة الاستهزاء والضحك الجماعي.

ولم يتخلص الحزب من هذا الخطاب حتى في فترة تحمله للمسؤولية الحكومية، حيث رفض بنكيران رئيس الحكومة الأسبق بعض المؤشرات التي كانت تقدمها توقعات المندوبية السامية للتخطيط واعتبرها مدبرة، وقدم نفسه للرأي العام كرجل مظلوم ومفترى عليه.  وعند نهاية ولايته الحكومية تجنب استعمال بعض مؤشرات المندوبية في تقييم الحصيلة، ومن ذلك نسبة البطالة فعوضها بعدد مناصب الشغل المستحدثة التي كانت أكبر من باقي الحكومات السابقة. وهو نوع من التضليل الذي يخفي ارتفاع نسبة البطالة في عهده. وفعل نفس الشيء في مؤشرات أخرى لا يتسع المجال لسردها.

وقد شاءت الظروف أن يتحول مؤشر عتبة الفقر (20 درهم) الذي قدمته وزيرة الأسرة والتضامن بسيمة الحقاوي بقبة البرلمان الى عنوان لحملة مضادة لها ولحزبها من طرف الرأي العام، وفرصة لنبش الذاكرة لفضح تناقضات هذا الحزب الذي كان قد طعن في نفس المؤشر بالأمس (2010) في عهد حكومة عباس الفاسي لما كانت نزهة الصقلي وزيرة التنمية الاجتماعية  والأسرة والتضامن. واستعمله اليوم للدفاع عن حصيلته الحكومية.

ومن المثير جدا أن الغضب من بسيمة الحقاوي عم فئات واسعة لا تستثنى منها حتى الفئة العارفة بلغة الأرقام ، رغم أن هذا المؤشر وغيره من المؤشرات هي المعتمدة في السياسات الحكومية وفي البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية ومنها حزب العدالة والتنمية . ويعرفها جيدا من انتقدوها من داخل البرلمان.

فهل يتعلق الأمر بحملة مدبرة من طرف الخصوم السياسيين أم برد فعل عفوي من المواطنين ؟

الحقيقة أن الحملة يتقاسمها الطرفان وأن المسؤولية الكبرى يتحملها حزب العدالة والتنمية. فالخصوم وجدوا الفرصة مواتية لتقليص شعبية الحزب الحاكم، والمواطنون لا يتوفرون إلا على نفس الخطاب الذي عودهم الحزب على استعماله لاستمالتهم إليه. أي أن ردة فعلهم كانت على قدر ما استوعبوه من الخطاب الشعبوي الذي تعودوا على سماعه منذ عقود.

إن الخطاب الشعبوي الذي غالى فيه الحزب كرس الفهم الشعبوي، ولم يستطع لما احتاج إلى الاقناع بالمؤشرات أن يدخل إلى العقول لتمكينها من المعرفة الموضوعية أو العلمية. فالمواطن لا يميز بين مؤشري الفقر وعتبة الفقر والمعايير المعتمدة في احتسابهما . ولكنه يعرف شيئا واحدا اسمه الفقر وهو ما يراه من متسولين وعاطلين ومرضى عاجزين على الولوج إلى مراكز الاستشفاء ومحاصرين بين الثلوج،..... وهو يقدر عددهم وتطورهم بالمجتمع بمشاعره. وليس على المؤشرات التي تقدمها المؤسسات المختصة. وهذا ما يطرح سؤال تأطير المواطن الذي من المفروض أن تضطلع به الأحزاب السياسية وحزب العدالة والتنمية واحد منها.

إن ردة الفعل الهجومية التي تنوعت أشكالها بشكل لافت ومن دون توقف حتى الآن كانت بمثابة اكتشاف متأخر لنوع من الديماغوجية في الخطاب السياسي الذي سلكه حزب العدالة والتنمية . وتزامن هذا الاكتشاف مع حالة الإحباط التي يعيشها المواطن من الطبقة الحاكمة التي ظهرت عاجزة على حلحلة الأوضاع العامة.

إن الحاجة باتت ضرورية للتخلي عن الخطاب الشعبوي لبناء رأي عام وطني قادر على فهم واقعه ومتحرر من كل أشكال التضليل، لكن الحاجة باتت أكثر إلى أقلام جادة تنتقل من الهجوم على المؤشرات إلى تبسيطها والدفاع عن علْميتها والتصدي للعابثين بها، وفضح مغالطاتهم وأضاليلهم. لأن هذه المؤشرات هي التي بواسطتها ينبغي تقييم أداء الحكومات وعلى ضوئها يتخذ الناخب قراره في التصويت. وهذا هو الطموح الذي يتوخاه كل غيور على هذا الوطن لتخليص انتخاباته من استعمال المال والدين والأعيان.