Wednesday 30 April 2025
سياسة

محمد الحسني الادريسي:أزمة الخطاب الاخلاقي انتقام في زمن الانتقال!!

محمد الحسني الادريسي:أزمة الخطاب الاخلاقي انتقام في زمن الانتقال!!

عند حلول كل رمضان تطرح من جديد أخلاقيات التدين في المجتمع المغربي، وذلك على ضوء المقاصد الكبرى التي أحاطها التشريع الإلهي بفريضة الصيام. وبهذا الخصوص تفيد كل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بأن جوهر المقاصد هو الإمساك عن كل الشهوات، وعن كل الأعمال التي من شأنها أن تلوث لسان المرء وسلوكه اليومي.
من هنا تطرح الأسئلة حول ما إذا كان تدين الأفراد والمجموعات يهتدي بجوهر النصوص الدينية (آيات قرآنية وأحاديث نبوية)، أم أنه يلتف حولها ليجعل التدين مجرد «لباس الراهب»، أي مجرد قناع يخفي الجوهر الخبيث في الإنسان، ومن ثم تتفجر تناقضات الظاهر والباطن في سلوك المغاربة؟
"أنفاس بريس"، وتعميما للفائدة، تعيد نشر سؤال "كيف أصبح رمضان أكثر الأشهر نفاقا بالمغرب؟"، والذي وجههته أسبوعية "الوطن الآن" لفعاليات مدنية وحقوقية وأئمة وباحثين في الحقل الديني. وفي ما يلي وجهة نظر، محمد الحسني الادريسي، محامي بهيأة البيضاء

كثيرة هي الظواهر الشاذة في سلوك الافراد والجماعات داخل المجتمع المغربي، والتي تجافي القيم الدينية والقواعد السلوكية والاخلاقية السوية، من قبيل العنف اللفظي والمادي، وجرائم الاعتداء على الأصول، والاغتصاب الجماعي للقاصرين والمعاقين...
وكثيرة هي الأوراش التشريعية المفتوحة لمراجعة الضوابط القانونية لاستيعاب التحولات المختلفة في مسلكيات الافراد وأنواع الجنوح والانحراف والتطرف، من قبيل التعديلات الجديدة المدخلة على القانون الجنائي المتعلقة بالعنف المصاحب للتظاهرات الرياضية، والعنف ضد النساء والأطفال، والتحرش الجنسي، والغش في الامتحانات ...
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، هل ما يجري داخل المجتمع المغربي من تحولات عنيفة على مستوى السلوك والعلاقات الاجتماعية مرده إلى تراجع تأثير الخطاب الاخلاقي وانكماش التأثير الديني؟ أم هو دليل على التحولات الاجتماعية العميقة التي يشهدها المجتمع نتيجة تفاعل تناقضاته الداخلية مع محيطه العالمي بأزماته الاقتصادية والسياسية والثقافية؟ هل تعود المسؤولية في ذلك للدولة وأجهزتها الادارية والامنية والقانونية والتربوية، أم للواعظ الديني والموجه الفكري والثقافي؟ لماذا كل هذا التناقض الصارخ بين تضخم المظاهر الدينية وتمسك المجتمع بظاهر الشعائر الدينية دون مقاصدها الاصلاحية ودورها في تهديب النفوس وتقويم السلوك؟ لماذا التعارض بين تضخم المظاهر الامنية في الشوارع والازقة ومداخل المدن ومخارجها، وبين الانفلات الامني وتزايد أشكال العنف والنشل والاعتداء المادي والجنسي واللفظي والحدة في السلوك والتشنج في المعاملة؟ لماذا تتصاعد كل مظاهر تجاوز القانون مع تنوع وكثافة المنتوج التشريعي في مجال الزجر والعقاب؟ من المسؤول عن تراجع الدور التربوي والتنويري للاسرة والشارع والمدرسة؟
هذه الاسئلة والاشكالات وغيرها كثير تحتاج للمقاربة السوسيولوجية المستندة للمناهج العلمية في تحليل الظواهر الاجتماعية، تحتاج الى فهم عميق للتحولات الجارية داخل مجتمع انتقالي يصارع لتحيق التوازن الصعب بين واقعه وثقافته التقليدية والمحافظة، وبين اكراهات العولمة وتحدياتها المختلفة، بين تطلعاته لتحقيق التنمية وتجاوز كوابح التخلف والانتماء للعصر، وبين اعاقاته الذاتية الثقافية وثقل ارثه الحضاري. لكن يمكن المجازفة من الان بتقديم بعض المداخل لهذه المقاربة السوسيولوجية في صيغة تساؤلات تحتاج لأجوبة علمية:
l ألا يمكن اعتبار هذه السلوكات العنيفة المتصاعدة نوعا من خلخلة المنطلقات الأخلاقية التقليدية وتمردا على أوضاع اجتماعية غير مريحة، وبحثا غير واع وغير مؤطر فكريا لمخارج ممكنة لأزمات اجتماعية عميقة؟
l ألا تدعو هذه الظواهر العنيفة بالمعنى السوسيولوجي للكلمة إلى تجديد كل المنطلقات الفكرية والاخلاقية والدينية من طرف النخب الحاكمة وغير الحاكمة، لاستيعاب التحولات المجتمعية العميقة؟
l ما حجم تأثير التحولات الجارية على مستوى التركيبة الديمغرافية للمجتمع، من مجتمع يغلب عليه الطابع القروي دو الامتدادات الفلاحية والبدوية والمؤطر بضوابط الاسرة الموسعة والقبيلة والزاوية، إلى مجتمع تحكمه وتوجهه بنفس القدر من العنف اكراهات المدينة وتنظيماتها الجديدة داخل علاقات العمل والتبعية الاقتصادية والاسرة النووية بمختلف اشكالها الجديدة التي تدل احصائيات المحاكم الشرعية والاجتماعية أنها علاقات مضطربة ومتوترة وتنطوي على قدر غير يسير من العنف؟
l هل يستطيع الخطاب الديني والوعظي أن ينهض وحده وفي أشكاله وصيغه الحالية بمهمات الاصلاح والتوعية والتعبئة الخلاقة والايجابية للمواطن في علاقاته بنفسه وأسرته ومحيطه الاجتماعي وعمله وسلوكياته اليومية؟
ان مقولة الانتقال في المجال السياسي والمؤسساتي لا يمكن أن تتحول إلى فعل إيجابي جماعي واع وخلاق، بدون استيعاب وتحليل وتأطير مختلف التحولات الجارية داخل بنيات المجتمع، والاعتراف لكل المقاربات التنويرية والثقافية والدينة والاخلاقية بالتكامل والتلاقح الايجابي من أجل العبور السلس نحو التنمية الشاملة والرقي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والمسؤوليات في ذلك ملقاة على جميع النخب، ومسؤوليتها تجاه كل المظاهرالسلبية داخل المجتمع قائمة وينبغي الاقرار بها والنهوض الجماعي بتحمل أعبائها، بدل الاكتفاء بالوصف والتنديد، من فعل ملموس يراكم النتائج الواقعية على أرض الواقع الذي لا يمكن أن يرتفع..