Monday 21 July 2025
كتاب الرأي

جمال المحافظ: التنظيم الذاتي للصحافة.. أسباب ونتائج

جمال المحافظ: التنظيم الذاتي للصحافة.. أسباب ونتائج جمال المحافظ
في بعض الاحيان يتساءل المرء ما جدوى الكتابة حينما لا تجد صدى وتفاعل خاصة مع اولئك الذين يدخل ذلك ضمن اختصاصاتهم او من أولئك الذين يفترض أنهم يتقاسمون معك نفس الانشغالات المهنية وتجمعك معهم ذات الهموم، ويصبح صاحب الفكرة وكأنه يحرث في البحر خاصة عندما لا يلمس أي تجاوب، بل أحيانا يحصل العكس.
 
فتحت عنوان " مجلس الصحافة بين الهاجس الانتخابي ورهان الديمقراطية والمصداقية"، تفضل عدد الزملاء بمنابر في سادس ماي 2018 بنشر مقال رأي بمناسبة اجراء أول انتخابات للمجلس الوطني للصحافة، ذكرت في مستهله، بأنه بالإعلان عن موعد الانتخابات الخاصة بممثلي الصحفيين المهنيين وناشري الصحف بالمجلس الوطني للصحافة في الثاني والعشرين من يونيو 2018، يكون الجسم الصحفي مطالبا بالإجابة على الأسئلة العميقة المرتبطة بإشكاليات التنظيم والتقنين والتمثيلية والمهنية والأخلاقيات بقطاع لا يمكن أن يتنفس إلا في ظل أجواء الحرية والاستقلالية والمصداقية.
 
كما جاء في المقال الإشارة الى أن المجلس الوطني للصحافة، يعد هيئة الوساطة الوحيدة التي ينص قانونها على انتخاب كافة أعضائه الممثلين للجسم الصحافي، بدل مسطرة التعيين، وذلك بمقارنة مع هيئات أخرى وإن كانت ليس له نفس الوضعية القانونية ولكنها شبيهة له من قبيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على سبيل المثال لا الحصر.
 
غياب نقاش حقيقي
ليس الهدف هنا، الانكباب على مناقشة المقتضيات التي ينص عليها المجلس الوطني للصحافة وتشكيلته ومهامه وأسلوب انتخابه، أو أسباب تنزيله في هذا الظرف، وردود الفعل المختلفة حوله، بقدر ما يتعلق الأمر بإدراج بعض الملاحظات، منها غياب نقاش حقيقي واسع حول هذا المجلس وسط المهنيين والفاعلين في مجال حريات التعبير، يترفع عن المرامي والمصالح الفئوية والذاتية وينفذ بموضوعية إلى الأسئلة العميقة التي تفرضها المرحلة الدقيقة التي تمر منها الصحافة والإعلام.

 
مقال 2018 ( ونحن الآن في سنة 2025  )  شدد على أنه كان من المفروض أيضا، أن يندرج هذا النقاش العمومي حول هذا القطاع الحيوي -وفق مقاربة تشاركية - تراعي بالخصوص انتظارات المهنيين وتعمل على إقرار إعلام الحقيقة، إعلام مستقل ذي مصداقية، يتجاوب مع حاجيات الرأي العام وانشغالاته في ميادين الاخبار والتثقيف والترفيه ، حتي يتحول إلى أداة رقابة مجتمعية، وآلية ووسيلة للتقصي والرقابة على ممارسات كافة السلط بأوجهها المتعددة.
 
تنظيم المهنة
فالمجلس وإن كان يشكل مرجعا أساسيا لتنظيم المهنة، فإن قضية أخلاقيات المهنة الصحافة ، تبقى من الانشغالات التي سيكون على المجلس إيلائها أهمية خاصة، وذلك من منطلق حرية التعبير، وليس من زاوية الحد من هذه الحرية، باعتبار أن أخلاقيات المهنة وحرية التعبير وجهان لعملة واحدة..

 
فقضية أخلاقيات المهنة كانت وعبر تاريخ ومسار الصحافة خاصة منذ تسعينات القرن الماضي كسيف ديمو قليس يسلط على رقاب الصحفيين خلال مراحل التوتر والمواجهة معهم، إذ يلاحظ أنه يتم اللجوء إلى مقتضياتها والدعوة إلى الالتزام بها في الفترات التي تكون فيه الصحافة والصحفيين، في الوقت الذي يعد احترام آداب وأخلاقيات المهنة، تهم الجميع، وليس بمفردها وسائل الاعلام  والصحافيين الذين غالبا ما يكونون في قفص الاتهام. 
 
غير أن حرية الصحافة والإعلام وان كانت تعد في الأنظمة الديمقراطية مبدأ مقدسا، لا يمكن المساس به تحت أي طائلة، وباعتبارها الضمانة الفعلية لممارسة حرية التعبير، فإنها تشكل أحد المكونات الرئيسية لكل بناء ديمقراطي، فإن حرية الصحافة أيضا تكرس المبادئ الفضلى للمراقبة لفائدة المجتمع برمته، وتضمن حق الاختلاف.
 
إن إقرار هذه الحقوق الإعلامية لا يستقيم إلا بتوفر جملة من الشروط من بينها قيم الشفافية والحكامة، في كل ما يهم تدبير الشأن العام من منطلقات حق المواطن في الاطلاع على المعطيات والأخبار المتصلة بحياته ومصيره ومستقبله، والحق في الحصول على المعلومات المنصوص عليه في الدستور.
 
المصداقية والثقة
من هذا المنطلق لا يمكن للصحافة والإعلام، أن يقوما بدورهما، الا إذا عززا مصداقيتهما من جهة، وظلا أوفياء لرسالتهما النبيلة في الكشف عن الحقيقة، ومواجهة كل التجاوزات في مجال حقوق الإنسان ومناهضة كل الأساليب والممارسات التي تسئ إلى نبل رسالة الصحافة وتأثر على ضميرها المهني الملتزم بآداب وأخلاقيات المهنة، إذ أن الحفاظ على مصداقية الصحافة، لا يمكن أن يستقيم إلا في إطار المهنة نفسها، واستنادا الى آليات تساهم فيها فعاليات المجتمع المدني من منظمات المجتمع المدني، كما كان عليه الشأن بالنسبة للهيئة الوطنية لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير. 

 
وفي ظل التحولات التي يشهدها الإعلام على المستوى الوطني والدولي، تطرح على المجلس الوطني للصحافة، جملة من التحديات والتساؤلات منها ما هو الدور الذي يمكن أن يضطلع به هذا المجلس في خضم متغيرات ورهانات مهنة الصحافة والإعلام، وأيضا أسئلة الأجيال الجديدة ؟ وهل بمفردها آلية انتخاب ممثلي الجسم الصحفي، وإن كانت العنصر الرئيسي في الديمقراطية ستمكن من ربح رهان المصداقية لدى الرأي العام؟
 
وهل يمكن اعتبار المجلس بعد "معركة" الانتخابات، بين "الإخوة الأعداء" الوسيلة الفضلى لتكريس مبادئ أخلاقيات المهنة، وفرض احترامها والالتزام بها من لدن كافة الأطراف؟ كيف سيتم فرز تمثيلية حقيقية للصحفيين والإعلامين، وضمان تنافسية حقيقية خارج هيئاتهم المهنية بدون إقصاء، وضمان الشفافية والحياد خاصة من لدن السلطة الإدارية المكلفة بالإعلام؟
 
الاستقلالية والديمقراطية
 وإذا كانت التجارب الدولية في مسألة التنظيم والتقنين والأخلاقيات في الصحافة والإعلام، لا تسمح بتاتا بأي تدخل من طرف أي سلطة من خارج المهنة في هذا المجال ، سواء تعلق الأمر بإحداث هيئات ومجالس أو وضع قوانين لها أو التدخل والتأثير في تشكيلتها من أية جهة من خارجها، حكومية أو غيرها، باعتبار أن الجسم المعني الرئيسي بهذه القضايا.  
وهل اللجوء إلى "توافقات فوقية سرية" كما يرى البعض، حول راهن ومستقبل المجلس الوطني للصحافة، يمكن أن تكون بديلا عن فتح حوار جدي في الموضوع بين أجيال المهنيين المختلفة، ومن لهم علاقة مباشرة بحرية التعبير من منظمات وهيئات مدنية وفعاليات أكاديمية، اعتمادا على مقاربة ومنهجية ديمقراطية، تمكن هذه الآلية التنظيمية الخاصة بالصحافة من معالجة الإشكاليات المطروحة على المهنة ومنها الأخلاقيات التي لا تطرح على الصحافة فقط، ولكنها تساءل أيضا السلط الأخرى ما ظهر منها وما خفي.

 
وهكذا فإن معركة المجلس الذي ليس بديلا عن القضاء، ستكون بعد تشكيله، هي بالأساس معركة من أجل ربح رهانات المهنية والديمقراطية ومصداقية مكوناته واحترام قراراته أيضا.