عند حلول كل رمضان تطرح من جديد أخلاقيات التدين في المجتمع المغربي، وذلك على ضوء المقاصد الكبرى التي أحاطها التشريع الإلهي بفريضة الصيام. وبهذا الخصوص تفيد كل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بأن جوهر المقاصد هو الإمساك عن كل الشهوات، وعن كل الأعمال التي من شأنها أن تلوث لسان المرء وسلوكه اليومي.
من هنا تطرح الأسئلة حول ما إذا كان تدين الأفراد والمجموعات يهتدي بجوهر النصوص الدينية (آيات قرآنية وأحاديث نبوية)، أم أنه يلتف حولها ليجعل التدين مجرد «لباس الراهب»، أي مجرد قناع يخفي الجوهر الخبيث في الإنسان، ومن ثم تتفجر تناقضات الظاهر والباطن في سلوك المغاربة؟
"أنفاس بريس"، وتعميما للفائدة، تعيد نشر سؤال "كيف أصبح رمضان أكثر الأشهر نفاقا بالمغرب؟"، والذي وجههته أسبوعية "الوطن الآن" لفعاليات مدنية وحقوقية وأئمة وباحثين في الحقل الديني. وفي ما يلي وجهة نظر، محمد الهبطي، إمام مسجد المسيرة الخضراء بطنجة:
الصيام مدرسة اجبارية فتحها الإسلام للمسلمين يتدرب فيها المسلم على طاعة الله، كيف ينبغي أن يعبد ربه وأن يطيعه، ورمضان عندنا سلفنا الصالح كان شهر الفتوحات وشهر الانتصارات والغزوات، وشهر العمل والجد والكد، شهر العبادة وتلاوة القرآن الكريم والإقبال على المساجد وأن الجهد من أجل الخير يتضاعف في رمضان. أما أن يتوقف الإنسان عن العمل وأن يضيع الأمانة في مكتب أو إدارة أو دكان فيضيعه بسبب رمضان، بحجة أنه صائم ويطفف في الكيل والميزان ويحتكر طعام المسلمين ويستغل صيامهم وأن يجعل رمضان موسم للدنيا وليس موسم للآخرة ..لأن الناس أصناف فهناك من يعكف على التجارة 24 ساعة على 24 ساعة خلال شهر رمضان باعتباره موسم للتجارة بالنسبة له، ومنهم من جعل شهر رمضان هو شهر الشهوات والبطون واستهلاك مختلف أنواع الحلويات، فهذا ناتج عن سوء الفهم علما أن رمضان هو شهر الروح وليس شهر الجسد، أما عن الناس الذين يقومون بالثورات النفسية في رمضان كالسب والشتم والقتل وممارسة العنف باستعمال الأسلحة البيضاء فهؤلاء في معظمهم لايعرفون المساجد والصيام بالنسبة لهم هو مجرد عادة ، وأشير أن شهر رمضان هو شهر الصبر وحبس النفس عن الشهوات وهذا ما يجعل بعض الناس الذين يمتلكون سوء فهم لرمضان يقدمون على هذه الثورات النفسية التي تحدثت عنها، ولو كانوا يعلمون أن شهر الصوم يفرض الصوم بالجوارح وليس الإفطار على ما حرم الله كالسب والشتم لما قاموا بذلك، علما أن من علامات الصيام أن تصوم بجميع جوارحك، وأن تغض بصرك، وأن تكون سمحا، هينا، لينا، هاشا، باشا وأن تحس بأخيك الفقير، لأن لرمضان فوائد روحية وفوائد صحية وفوائد اجتماعية. فهذه هي الثمرات التي يقطفها المؤمن من رمضان والثمرة الكبرى التي ذكرها الله سبحانه في القرآن «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون». فالثمرة التي يجنيها المؤمن من الصيام هي التقوى، وهل من التقوى الثورات النفسية والتبذير والخصام مع الجيران والخصام مع الزوجة والنبي صلى عليه وسلم يقول «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، ووصيته بحسن المعاملة مع الجيران «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»، والله سبحانه أوصى بالجار «والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب». فهذه الوصايا من الله عز وجل بالجار والزوجة وفقه الصيام وأحكام الصيام لو فهمنا مغزاها ما أسأنا إلى جيراننا وإلى مجتمعاتنا وإلى إخواننا، والذي قد يصل إلى درجة الغش في الميزان في شهر رمضان، علما أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول «من غشنا فليس منا». فهؤلاء الناس حسب اعتقادي يجهلون الغاية ليس من رمضان فحسب بل الغاية من هذا التشريع العظيم. فالصيام هو تربية وتهذيب، ومن الناس مع الأسف من يحتج لسوء خلقه بأنه صائم فيكون عذره هذا أقبح فعله وكأن الصيام هو الذي تسبب له في ذلك، لذلك لابد من تدريب أبنائنا على الصلاة وتدريب الناس على الصيام وفقه الصيام وأحكام الصيام في القنوات والمساجد وفي المراكز تماما. أما أن نختار في رمضان أحسن أغنية وأحسن فنان وأحسن أكلة وأحسن... أحسن... فهذا يؤثر على الناس مما يتسبب في سوء فهمهم لدينهم بصفة عامة. والعلاج يكمن في اضطلاع الجميع بمسؤولياته في خدمة هذا الدين، وخصوصا هذا الشهر العظيم من أسرة ومدرسة وإعلام وعموما. فالأمة قريبة من دين الله تعالى ولا ينقطع فيها خير الى يوم القيامة، فما دام الناس يصومون والناس يأتون الى المساجد فهذه ظاهرة طيبة لدى المغاربة يضرب بها المثل في المشرق، فلا توجد دولة في العالم يقبل فيها الناس على المساجد في شهر رمضان أكثر من المغاربة