Wednesday 30 April 2025
سياسة

يوسف احنانة:لا صلاة لمن لم تؤثر صلاته في سلوكه وتعدل منه نحو الأحسن

يوسف احنانة:لا صلاة لمن لم تؤثر صلاته في سلوكه وتعدل منه نحو الأحسن

عند حلول كل رمضان تطرح من جديد أخلاقيات التدين في المجتمع المغربي، وذلك على ضوء المقاصد الكبرى التي أحاطها التشريع الإلهي بفريضة الصيام. وبهذا الخصوص تفيد كل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بأن جوهر المقاصد هو الإمساك عن كل الشهوات، وعن كل الأعمال التي من شأنها أن تلوث لسان المرء وسلوكه اليومي.

من هنا تطرح الأسئلة حول ما إذا كان تدين الأفراد والمجموعات يهتدي بجوهر النصوص الدينية (آيات قرآنية وأحاديث نبوية)، أم أنه يلتف حولها ليجعل التدين مجرد «لباس الراهب»، أي مجرد قناع يخفي الجوهر الخبيث في الإنسان، ومن ثم تتفجر تناقضات الظاهر والباطن في سلوك المغاربة؟

"أنفاس بريس"، وتعميما للفائدة، تعيد نشر سؤال "كيف أصبح رمضان أكثر الأشهر نفاقا بالمغرب؟"، والذي وجههته أسبوعية "الوطن الآن" لفعاليات مدنية وحقوقية وأئمة وباحثين في الحقل الديني. وفي ما يلي وجهة نظر، يوسف احنانة، باحث في الفكر الإسلامي المعاصر، عبر هذا الحوار:

- يحل شهر رمضان، وتحل معه العديد من طقوس النفاق، حيث تكثر العبايات الأفغانية و«الفوقيات» والزربيات الخاصة بالصلاة، حيث يصلي الكل من اجل ان يظهر على صورة الانسان التقي المؤمن امام الاخرين ولكي يشكره الناس على ظاهره ويسر ما في باطنه، شهر التطرف الديني والبشاعة الإنسانية (الغش في الأسواق، التغيب عن الإدارات.. الترمضينة، العنف اللفظي...) فلماذا هذه السكيزوفرينيا عند العديد من  المغاربة؟

الحقيقة أن شهر رمضان في وجدان المسلمين ومعتقدهم هو شهر الحسنات، والمبرات، والتسابق في فعل الخيرات، وقراءة القرآن. إنه شهر التوبة والغفران، والرجوع إلى البارئ الديان، وشهر تدارك البعد عن الله بالقرب منه بجميع أنواع الخير، قولا وفعلا ومعاملة.
ولعل من غايات الصيام الأولى هو تحقيق التقوى في سلوك المسلم وفي يقينه. قال تعالى في هذا السياق «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون»، ومفهوم التقوى في أجلى معانيه هو تحقيق خشية الله. أعني الامتثال لأوامره، واجتناب نواهيه. فإذا كان هذا هو الهدف الأسمى الذي صرح به الشرع الحنيف من صيام شهر رمضان فينبغي أن يكون حسا ومعنى، لا شكلا ورياء، ومظهرا ونفاقا.
وما يُلاحظ حاليا من إقبال مجموعة من الناس في شهر رمضان على المساجد لأداء الصلوات المكتوبة والتراويح هو ظاهرة صحية إن تم استثمارها استثمارا حسنا، والثبات عليها، وضمان استمراريتها إيمانا واحتسابا لله، لا لشيء آخر. فشهر رمضان مناسبة حقيقية للتوبة، والأوبة، والرجوع إلى الله، عبر إحداث قطيعة نهائية مع كل مظاهر السلوك غير المقبول شرعا وعقلا، من قبيل الزنا، والربا، والغش، والتقصير في العمل، وشهادة الزور، والغيبة والنميمة والحسد... بعزيمة وتصميم لا مجمجة فيه ولا تذبذب. لكن أن يتخذ الناس شهر رمضان مطية للتمظهر بمظاهر تتماشى مع روحانية هذا الشهر وإشراقاته ونفحاته الربانية شكلا لامضمونا، مظهرا لا جوهرا، فذاك في رأيي «باب ما جاء في النفاق»، بل هو النفاق حقا وصدقا. فهل ينافق المرء بهذا السلوك المبتسر الناقص المجتمع أم الله أم هما معا؟ وأيا ما كان الأمر فإن النفاق بشتى أشكاله وصوره مذموم مرفوض في الشرع والعقل والعادة. فشهر رمضان عند المسلمين مدرسة ومحطة للتربية بالدرجة الأولى، تربية الأبدان والنفوس والأرواح على الصبر والرحمة والتعاون والتضامن والتآزر... وعلى الاجتهاد في التقرب لله بكل ضروب الخير والمعروف. أما أن يتخذ الناس صيام هذا الشهر ذريعة للتملص من الواجبات والإخلال بالمسؤوليات وبالضوابط العملية والأخلاقية، أو تبريرا لكل مظاهر العنف من سب وشتم ولعن وشجار وعراك، فهذا ما لا يقبله شرع ولا عقل ولا مجتمع. بل إن هذا النوع من الصيام الذي تنعدم فيه مظاهر التقوى نبّه عليه الشرع الحنيف واعتبر أن كل من يخل بالمروءة والأخلاق والواجبات أثناء هذا الشهر لا حاجة لله في أن يدع طعامه وشرابه. بمعنى أن صيامه غير صحيح. فصيام شهر رمضان، وقيام لياليه، وفعل الخير فيه، ليس عادة اجتماعية كسائر العادات بل هو شعيرة دينية تربو على أن تكون مظهرا من مظاهر النفاق الاجتماعي، فإذا استحضرنا أهداف شهر رمضان والضوابط المرافقة له، وركزنا في كل ذلك على الجوهر لا على المظهر حققنا بإذن الله الغاية والهدف وأمكننا أن نتجنب الازدواجية المصطنعة في سلوكنا وعاداتنا ومظاهر شخصيتنا.

- كيف تنظر إلى هذا المنسوب من التدين والإقبال بكثافة على المساجد في رمضان مقارنة مع باقي شهور السنة؟ ثم لماذا لا نجد أي آثار للتعبد في المجتمع لدرجة يحق فيها التساؤل حول ما إذا كان هذا الإقبال له مردود إنتاجي في العمل وله عائد اجتماعي وأخلاقي وقيمي في ممارسات الناس طوال السنة مع جيرانهم ومحيطهم المهني والعائلي ومع عموم المواطنين في الشوارع والأسواق والإدارات كما هي أهدافالدين؟
الواقع أن الدين لم يأت إلا لتربية المجتمع وتمهيد الأجواء للتعايش والتساكن والتراحم وتحقيق التطور في المجتمع والرقي بأفراده. فقد رهن الدين الإسلامي خيرية هذه الأمة بالدرجة الأولى بمعيار الأخلاق حيث قال تعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله»، فقدم الأخلاق والمعاملات على الإيمان لإبراز أهمية الأخلاق في حياة المسلمين. فإذا لم تنه الصلاة صاحبها عن الفحشاء والمنكر ولم يحقق الصيام التقوى وخشية الله، ولم تحقق الزكاة التضامن والتكافل الاجتماعي، ولم يحقق الحج وحدة المسلمين وتوحيدهم، فلا يتحقق مبدأ الاستخلاف الحقيقي للإنسان في الأرض، ولا يحقق الإسلام أهدافه وغاياته في المجتمع وفي تربية الإنسان.
ومن هذا المنطلق نقول إن على المسلمين مسؤولية تاريخية لا تتحقق إلا بتطبيق منظومة القيم الإسلامية على امتداد السنوات والأعوام لا في شهر بعينه أو في وقت محدد دون سواه. فعبادة الله ليست محدودة في الزمن أو مرهونة بأجل محدود. وإذا ما بدا لنا أن منسوب العبادة زاد في شهر دون الأشهر الأخرى كان ذلك عاديا إذا كانت القاعدة هي استمرار العبادة في سائر الأوقات والأيام والشهور والأعوام. علاوة على أنه لا يمكن الفصل بين العبادة والتربية فكل عبادة تربية فلا صلاة لمن لم تؤثر صلاته في سلوكه ولم تعدل منه نحو الأحسن. فالصلاة إذا لم تعلّم الاستقامة والرضا والخضوع لله لم تكن صلاة على الحقيقة، وإنما نقرا للأرض وكذلك الشأن بالنسبة والصيام والزكاة والحج.
إن القاعدة الكونية التي نبّه رب العباد الناس عليها هي أن إحدى غايات الله من خلق العالمين هي عبادته. قال تعالى «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» وأن كل عبادة هي مدرسة للأخلاق والرقي الخلقي، لا مظهر للنفاق ومساوئ الأخلاق. فإذا أدرك الناس هذا وآمنوا به وتمثلوه حقيقة في سلوكهم ويقينهم اعتقدوا صدقا وحقا أنهم لا يصلون ولا يصومون للناس ولا للمجتمع لكن يصلون لرب العالمين. وأن كل تعبد لا بد أن يغير سلوك المسلمين من سيء إلى حسن ومن حسن إلى أحسن لا العكس.

- كان المغاربة يتمثلون الصلاة كمرادف للطهرانية «طهرانية الجسد وطهرانية الروح والسلوك»، فإذا بها تتحول الآن إلى مجرد طقوس أو قناع مجتمعي أم هو في أحسن الحالات أنواع من التقرب إلى الله طمعا في مراكمة الحسنات، تماما كما لو أن الله لا يوجد إلا في شهر رمضان المعظم. مارأيك؟
أولا، إن الصلاة فريضة من فرائض الإسلام وتشريعها جاء لخلق صلة دائمة بين العبد وربه. فالصلوات المكتوبة خمس في كل يوم، بمعنى أن المسلم يتذكر الله على الأقل خمس مرات في اليوم وفي أوقات متقاربة، حيث لا تترك له فرصة الغفلة عنه ونسيانه فقد قال تعالى: «وأقم الصلاة لذكري»، وقال أيضا «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر». فالذين يصلون في شهر رمضان فحسب واعون كل الوعي أنهم مقصرون في حقوق الله، وواجباتهم نحوه. لذا فنحن ندعو الله لهم بالهداية في إتيان الصلوات في أوقاتها على طول العام لا في شهر دون سائر الشهور. أما ان تتحول الصلاة إلى عادة اجتماعية وطقس من طقوس رمضان فهذا ما لا يقبله الشرع ولا تتقبله القريحة الصافية لأن فيه إخلالا بحقيقة الصلاة وفحواها في يقين المسلمين.
لقد كان الزهاد والعبّاد والمتصوفة يعبدون الله في المغارات والكهوف النائية البعيدة مخافة أن تختلط عبادتهم بشيء من الرياء والظهور الاجتماعي. واليوم نجد بعض الناس يتنافسون في المظاهر البراقة التي لا يرجون بها وجه الله بل تلميع صورتهم في المجتمع، أي ضعف الطالب والمطلوب.