الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

مصطفى المتوكل الساحلي: تعويم العملة ...تعويم لدراهم معيشة الناس

مصطفى المتوكل الساحلي: تعويم العملة ...تعويم لدراهم معيشة الناس مصطفى المتوكل الساحلي

السباحة هي العوم، وتكون برغبة وإرادة واختيار ومعرفة سواء كانت على الظهر أو البطن أو التأرجح بين الطفو والغوص، والغاية منها الرياضة والترويح عن النفس والتمتع بجمال الماء وروعته الذي جعل منه كل شيء حي، والذي هو عصب الحياة والاستقرار قال تعالى " وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ". سورة الانبياء ..وقد جاء في الأثر عن عمر بن الخطاب " علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل " ...

وفي هذا السياق لسان حال صندوق " النكد الدولي" والمؤسسات المالية الرديفة له، علموا عملتكم واقتصادكم والناس العوم والسباحة حتى إذا جاء زمن التعويم فتدبروا النجاة بأنفسكم، أما أموالكم فللبنك المعلوم أضعاف ما أعطى،وسيأخذ أمثال ذلك بتعميم الأزمة والتبعية والتفقير والتحكم المتعدد الاشكال.

فعندما قال تعالى "..وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ..." -سورة الانفال- فاعتبارا إلى أن من أخطر الحروب تلك التي تأخذ منحى اقتصاديا ونقديا وترهن الحاضر والمستقبل، فالاقتصاد والعملة مكونين أساسيين للقوة الضرورية للتغلب على الجهل والأمية والتبعية والتخلف، ولإضعاف ودحر وإيقاف كل أشكال الهيمنة والاستبداد العالمي وآثاره المزعزعة للتوازن والاستقرار والتماسك الاجتماعي، ومن هنا تحتاج الدول المستهدفة من طرف لوبيات الاحتكار العالمي للاقتصاد والثروات والأموال إلى أن تعيد بناء نفسها وتخلق اتحادات وأقطابا اقتصادية، وتقوي عملتها، وتهتم أساسا بثروتها السكانية. أما عندما يتعلق الأمر بقيام المؤسسات الرسمية للدول بتعويم عملاتها فالأمر فيه خلاف وتباين كبير في الغايات بين الأطراف التي لها علاقة بتلك العملة، فمن جهة هناك طبقة الكادحين والفقراء والبسطاء الذين هم غالبية الشعب ومكون أساسي لبناء وقيام الدولة وازدهارها أو تعطل تنميتها وتخلفها، ومن جهة ثانية هناك طبقة البورجوازية الكبرى بكل أنواعها بما فيهم الوسطاء الذين هم طرف قوي يتحكم في دورة وحركية العمليات الاقتصادية فهم من يستورد و يشتري و يوزع، وهم تبعا لذلك من يحصل على حصة الأسد من العملات والأرباح، كما أن المؤسسات المالية الرسمية وغيرها لها دور سياسي أساسي تنعكس تبعات القرارات الصادرة عنهم أيجابا وسلبا على هؤلاء وأولئك وعليهم ..إلا أن العامة وأصحاب الدخل المحدود من أجراء بالقطاع العام والخاص و صغار التجار والفلاحين والحرفيين والعاطلين والمعطلين الباحثين عن المبالغ المالية اللازمة لضمان لقمة عيش لكل وجبة أو يوم أو أسبوع أو ..هم الذين يطالهم ضرر الأزمة المرهقة في كل أحوالهم، حيث يزدادون تأزما وخصاصا دون تعويم العملة والله أعلم بأحوالهم على المدى القريب والمتوسط بعد أن ألقيت العملة في اليم، مع العلم أنها إن كانت من ورق فستتبلل وتتمزق، وإن كان معدنا فقد تغرق، اللهم إلا إذا وضعت على طوق يصمد في مواجهة الأمواج والعواصف وهي تتأرجح بين مياه الشواطئ و متاهات البحار والمحيطات .

إن المنظرين لتلك الصناديق الدولية يوهمون الناس بأن نصائحهم ومنها التعويم هي رياضة و طقس روحي للنقود والعملات ومن ثم للاقتصاد يشبه في بركته العوم في "حامة" مولاي يعقوب أو نهر " الغانج" في الهند، أو نهر "سالي" في النيبال. فعندما نقول عوَّمتِ حكومة ما عملةَ ما تحضر أمامنا نصائح جراحي المؤسسات المالية العالمية الاحتكاريةوالاستغلالية والتي تكون نتائج من تبناها ونفذ وصفاتها غير محمودة حيث عانت وتعاني من أضرارها وانعكاساتها شعوب و دول عدة في إفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية، فتصبح عرضة لاختلالات مهولة منها التضخم، وإغراق البلدان في الديون وممارسة الوصاية على السياسات الاقتصادية والنقدية ضدا على مصالح الدول المستهدفة، وارتفاع كلفة المعيشة، وضعف القدرة الشرائية، والتفكك الإجتماعي... إن تلك المؤسسات العالمية تتقن فن الإكراه والابتزازوالاستنزاف والتحكم في الموارد والخيرات والثروات .

إن المؤكد لدينا كشعب هو أن إجراءات مثل المقايسة، وتحرير الأسعار، ورفع الدعم ، وتجميد الأجور  والتضييق على الشغيلة، وتقليص مناصب الشغل وكتلة الاجور، تسبب في إغراقنا بدريهماتنا في الديون مع المتاجر والصيدليات وتكلفة التعلم و...فأصبحت 200 درهم من كثرة تلاطم الأمواج عليها غير قادرة على أن تحل محل 20 درهم في مرحلة السبعينات ناهيك أن يوصف من دخله 20 درهما في اليوم بأنه غير فقير.

والآن و العملة بين يدي محترفي الشرح والإيضاح لتعليم العامة أهمية وضرورة التعويم، حيث ضرب بعضهم المثل بإبراز وجه الشبه مع تقاليد ومقدمات الزواج من "الرشيم" إلى "الكلام" إلى "الإعلان" إلى "ضريب الصداق" ، وهنا سكت الشراح عن الباقي، فمن سيزوج من من ..؟ وبيد من ستكون العصمة ..؟ وهل يمكن فسخ الزواج تلقائيا من أي طرف بالخلع أو بدونه؟ أم أنه لاحول ولا قوة لأحد الطرفين والذي سيبقى مرتهنا بإتمام الزواج أو فسخه فيكون في حكم المعلقة.؟ وهذا المثل يصعب تصنيفه لأنه ليس علميا ولا اقتصاديا ولا شعبويا .

إن اعتماد الليبرالية غير الاجتماعية والتي سماها أساتذتنا المتوحشة لايمكن أن تقدم إجابات عن انتظارات الناس ومطالبهم الضرورية، بل ستتسبب في اتساع الفوارق الطبقية وفي توسع مجالات الاحتقان والتذمر.إن تعويم العملة يترتب عليه تعويم الإنسان باعتباره من أهم الثروات التي لايمكن أن تتقدم أية دولة أو أمة إلا بإيلائه الاهتمام والعناية والرعاية اللازمة في كل المستويات ..وفي علاقة بقول لرئيس حكومة سابق عندما وصف الشغيلة " بالقراد " الذي التصق برقبة الكلب القوي فأضعفه ، وأنه لحماية الكلب في سياق شرحه الغريب قال أنه أزاح "القراد" دون أن يشرح للناس ما الذي يقصده بالكلب ودون أن يحدد كل أصناف وأنواع "القراد " والأعناق التي يلتصقون بها ؟ ودون أن يستشير الأطباء البيطريين في موضوع /وإشكالية تعويم الكلب المليء بالقراد هل سيؤدي إلى التخلص من القراد أم من الكلب أم هما معا ..أم سيبقى الأمر على حاله في حالة ما إذا كان "القراد" يحب الماء مثل الكلب ؟

إنه لايرجى خير من كل تعويم غير معقلن يرتبط باحتمالات غير مضمونة العواقب والآثار تعلق الأمر بتعويم الكلام المكتوب أو الشفهي أو ارتبط بالسياسة والاقتصاد أو بالأخلاق والقيم .

ومن الأدعية المأثورة "اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال"

فاللهم احفظنا، وقو عملتنا و اقتصادنا، واكفنا شرور وأضرار الصناديق الدولية، وانصرنا عليهم، واغننا من فضلك، واجعل البركة في دراهمنا وأرزاقنا، آمين والحمد لله رب العالمين.