Tuesday 29 April 2025
سياسة

هل يشهر المغرب ورقة «المصالحة» لكسب قلوب الصحراويين؟

هل يشهر المغرب ورقة «المصالحة» لكسب قلوب الصحراويين؟

في خضم التداعيات السياسية لوفاة محمد عبد العزيز المراكشي (زعيم جبهة البوليساريو لمدة أربعين سنة)، تطفو على السطح بعض الوقائع ذات البعد الإنساني، وفي مقدمتها أن يختار الرجل الرحيل مفصولا عن وطنه وأهله وأصوله الاجتماعية والثقافية، ثم يُختار له أن يدفن ضمن المنطقة المغربية العازلة على الحدود المغربية الجزائرية حيث لا مجتمع ولا حياة، ولا أهل ولا أحد.

مثل هذه الوقائع المأساوية لا نعتقد أنها يمكن أن تمر بلا جراح مضاعفة داخل الجسد الصحراوي المحتجز في العراء، داخل مخيمات تندوف لمدة تفوق الأربعة عقود، وذلك في إطار لعبة إقليمية قذرة، قائمة على نزاع افتعلته الجزائر منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، وهيأت له الأرض و«اللوجستيك» الدعائي والدبلوماسي عبر حلفائها في إفريقيا وأوربا، ومن خلال أذرعها السياسية في المحافل الدولية. ولأن لا أوهام لدينا بخصوص مآل هذا النزاع، وهوية من سيخلف محمد عبد العزيز المراكشي مادام صناع البوليساريو هم من يوجه السياسات ويرسم المستقبل، نتصور أن سيناريو المرحلة القادمة سيظل هو هو حيث لا حرب ولا سلم، ولا يمكن أن يكون للقيادة القادمة في جبهة البوليساريو أي هامش حقيقي لإبداع مسالك مغايرة لما ستقرره العلبة السوداء داخل قصر المرادية بالجزائر العاصمة.

من ثمة يبدو لنا أن بإمكان المغرب أن يلعب ورقة جديدة تراكم مسلسل مكتسباته الإيجابية بعد أن استعاد صحراءه وامتلك أرضها وسماءها وبحرها، وأقام فيها جهدا تنمويا واضحا لم يتحقق حتى في صحراء الجزائر، حيث النفط والغاز يضخ الثروات اللامتناهية. لكن الورقة الجديدة للمغرب ينبغي أن تنحو تجاه اختراقات أخرى بهدف امتلاك الأبعاد الرمزية الأخرى: الصحراويون وقلوبهم بعد أن امتلكنا الأرض والحجارة والعمارة. هنا يمكن أن نشير، مع وجود المسافة، إلى أن بلادنا كانت دائما صاحبة المبادرات في تحريك الملف، وفي التجاوب مع نداءات الأصدقاء الأفارقة والأوروبيين، إحراجا للجزائر ولتابعتها جبهة البوليساريو.

لقد قبلنا مسطرة الاستفتاء سنة 1981، وبعدها قبلنا بعثة «المينورسو»، ووقف إطلاق النار سنة 1991. وفي سنة 2007، قدمنا للمنتظم الدولي مشروع الحكم الذاتي الموسع الذي حظى برضى مجلس الأمن، والقوى النافذة داخله. وفي هذا الإطار يبدو أن من المفيد أن يعلن المغرب ورقة مصالحة جديدة مع المجتمع الصحراوي ومع دعاة الانفصال أيضا، تقوم -في رأينا- على أربع دعائم أساسية:

أولا: إطلاق حوار حقيقي مع المجتمع الصحراوي لنزع التشنج القائم مع السلطة المركزية وإشراك النخب الصحراوية الفاعلة والجادة في كل ما يهم البرنامج التنموي الجديد المسطر خلال الزيارة الملكية الأخيرة. تعلق الأمر بحق الصحراويين في المعلومة ومعرفة المراحل التي قطعها كل مشروع وحقهم في المعلومة حول المونطاج المالي والمؤسساتي، أو تعلق الأمر بأخذ ملاحظاتهم بعين الاعتبار لملائمة التصور مع الواقع لتعم الفائدة ويستفيد منها المواطن مباشرة وتنعكس على مستوى معيشته.

ثانيا: الدعامة الثانية تكمن في إطلاق حوار حقيقي مع دعاة الانفصال في الداخل والخارج، بمساهمة قادة البوليساريو العائدين منذ مدة إلى وطنهم الأصلي، وبإشراك المجتمع المدني ومختلف العائلات السياسية والفكرية بالمغرب. وفي تقديرنا أن الوقت موات لتدشين مثل هذا الحوار، بالنظر إلى عجز القادة الجزائريين اليوم عن اتخاذ المبادرة في هذا الاتجاه أو ذاك، بالنظر إلى وضع البلاد هناك، المنهك على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والمهدد بالتفتيت على ضوء تنامي الاحتجاجات داخل منطقة القبايل المنادية بالانفصال، وبالنظر إلى حالة غياب الرئيس- الجثة، المقعد منذ ثلاث سنوات من جهة، وبالنظر كذلك إلى تفاقم أوضاع المخيمات التي تواصل القيادة الجزائرية عزلها عن العالم من جهة ثانية.

ثالثا: الدعامة الثالثة تقوم على اعتماد المغرب استراتيجية جديدة يجدد من خلالها أدائه الدبلوماسي من أجل اقتحام مساحات جديدة في الفضاءات الدولية، الحزبية والبرلمانية والجمعيات غير الحكومية، وذلك ما لا يمكن تحقيقه بدون التعاون مع النخب السياسية الوطنية في الهيئة التشريعية، ومع النخب داخل الأحزاب والجامعات والمجتمع المدني لاختراق مجالات عمل الخصوم في البرلمان الأوربي، وفي المنظمات الدولية غير الحكومية وفي هيئات الأمم المتحدة.

رابعا: بموازاة ذلك، تقوم الدعامة الرابعة على ضرورة مراجعة المغرب لسياساته الاجتماعية والاقتصادية التي اتبعها باتجاه النهوض بأقاليمنا الجنوبية، وذلك على ضوء النموذج التنموي الجديد الذي نادى به، سنة 2013، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والذي أكد فيه ضرورة تغيير السياسات من أجل حكامة مجددة، تشاركية ومتوازنة تنهي مع تعاملات الريع، ومع هيمنة المنطق الأمني على السياسات التنموية، ومع عشوائية التوسع العمراني، من أجل توسيع الديموقراطية وبناء التعاقد وشفافية المقاربات، وتعزيز الثقة بين المجتمع والدولة.

إنها دعامات حرب السلم الجديدة التي يمكن أن يشهرها المغرب، والتي بإمكانها أن تعمل على خلق معادلات جديدة في بنيات الصراع القائم مع الخصوم، وفي واقع المحيط الإقليمي بهدف تحقيق غايات سياسية وإنسانية بليغة.

لا يتعلق الأمر بـ«يوتوبيا» معلقة في الهواء، ولكنها سلم الشجعان الذين يملكون الأرض والقضية، ويسعون إلى امتلاك الأبعاد الإنسانية-الرمزية في النزاع المفروض عليها. وسواء تجاوب الخصوم والمنتظم الدولي مع هذه المبادرة أم لا، فالمغرب سيظل، بكل تأكيد، هو الرابح دائما مادامت لا اختيارات أخرى أمام الخصوم سوى مزيد من هدر الوقت وتعريض أبنائنا في مخيمات تندوف ومستقبلهم إلى مزيد من الإذلال واللاكرامة والقهر والضياع.

تفاصيل أوفى تطلعون عليها ضمن عدد أسبوعية "الوطن الآن" المتواجد حاليا في الأكشاك