الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

حمزة الفضيل: لفت انتباه حتى لا يختلط الأمر بين النص المقدس والتأويل

حمزة الفضيل: لفت انتباه حتى لا يختلط الأمر بين النص المقدس والتأويل حمزة الفضيل

إن أحد الإشكالات المنهجية التي تعوق العقل المسلم اليوم، وتحول دون بنائه علاقة سليمة بالدين في ظل واقع مليء بالمتغيرات والتحديات، هي الخلط بين النص المقدس والتأويل.. بين "الآية" و"الرأي في الآية".. وإلغاء المسافة بينهما.

طالما نسمع تلك الشعارات الرنانة، (كل يؤخذ من قوله ويرد، لا عصمة إلا للأنبياء، هم رجال ونحن رجال...)، وهلم جر من التعابير التي توحي لك للوهلة الأولى بأنك أمام منهجية علمية متينة في التعامل مع النص الديني، و القرآني على الخصوص.. غير أنك سرعان ما تُصدم بواقع يُكَذب هذه النظريات، حين ندخل في معترك التنزيل الإجرائي.. نجد كل هذا يتبخر، مجرد شعارات، تتهاوى وتتفسخ على محك الاختبار والتطبيق.. ويظهر أن تقديس الأقوال واجترارها و الوقوف عندها هو الأصل، أما إعمال العقل والجرأة على تحريك الأذهان وإيقاظ الأفهام فهي حالات نشاز في مقابل الرغبة في الاكتفاء بالركام الموروث الذي يكتسي ثوب القداسة.

وكنتيجة حتمية لذلك، فقد أضحى شبه مستحيل أن يتعامل الفرد المسلم مع النص القرآني بشكل مباشر، دون العودة إلى الخلف بقرون، لاستحضار فهم معين لرجل دين معين، عاش في بيئة بشروط لا تشبه شروط هذا العصر، لإلزام المجتمع الحديث برأيه الذي لا يستجيب إطلاقا لمتغيرات الواقع.

يجب أن نتعاطى مع التراكم الفقهي الغزير، باعتباره إنتاجا بشريا -لا غير-، مثله مثل أي موروث آخر.. يصلح لأن يوضع على رفوف المتاحف، للعرض فقط، لا للاستعمال.. لأنه من العبث أن نطلب من عقول عاشت بالقرن السابع الهجري -أو قبل ذلك- أن تبث في مستجدات واقعنا ..

هذا النكوص إلى الخلف هو بالضبط ما يجعلنا أمام منظومتين ثقافيتين متناقضتين.. نواجه عالما متغيرا بعقلية ماضوية وأفكار قديمة انتهت صلاحيتها بانتهاء عصرها وانقضاء شروط إنتاجها.. وهذا جواب من ضمن جملة أجوبة عن دواعي صعوبة اندماج المسلمين في مسلسل التنمية والتقدم.

إن هذا التيار الذي يقدس آراء الموتى والأقدمين (والذين نعرف جميعا نزوعاتهم وشطحاتهم)، ويجعلها فوق كل محاولة تقييم ونقد، ويسعى للترويج لمنظور ديني واحد يشبع رغباته في التجارة باسم الدين.. هو يعمل في الحقيقة على احتكار الفهم، بل ويعمل على احتكار "الله" نفسه.. والحديث باسمه.. وتنصيب نفسه واسطة بين العبد ومولاه.. هم كما يصفون أنفسهم في "زلة كتاب" (إن جاز التعبير) فضحت سريرتهم: "الموقعون عن رب العالمين" (كتاب لابن قيم الجوزية).

واختصارا للكلام.. إننا أمام خيارين، إما أن نستدرك الأمر، ونقارب النص المقدس مقاربة تجديدية، يحكمها منطق العصر، وتخضع (أقول تخضع) للمشترك الإنساني، وإلا فالدين نفسه لن يكون بخير.. وسيلفظه الجميع.. أعدك عزيزي القارئ.. وسيعزف الناس عنه أفواجا، كما دخلوه أفواجا.. فلنستعد للصدمة.

ومن المهم أن نعلم بأنه ''لا أحد يملك وكالة من الرب ليكون ظِلَّه على الأرض.''