Tuesday 29 April 2025
سياسة

في ندوة بالرباط: جرائم "شرع اليد" أخطر من الجرائم الماسة بأمن الدولة

في ندوة بالرباط: جرائم "شرع اليد" أخطر من الجرائم الماسة بأمن الدولة

الجامعي والمحامي والقاضي وعالم الاجتماع والقاضي والحقوقي والأمني، كلهم اجتمعوا مساء أمس الأربعاء 25 ماي الجاري، بالمعهد العالي للقضاء بالرباط.. الأمر جلل وخطير، ورغم الحالات المعزولة لتطبيق شرع اليد، أو الاقتصاص أو العدالة الخاصة أو العنف المجتمعي.. فكلها مصطلحات تصب في اتجاه واحد هو السعي بقصد أو بدونه لتقويض أسس الدولة، وضرب دولة الحق والقانون والمؤسسات واستبدالها بنظام للعنف والثأر والانتقام، نظام لا يفرق فيه بين الضحية والفاعل، لا يفرق فيه بين الجاني وأسرته وماله، فكل شيء سيكون مباحا للانتقام منه، ولو باختطاف ابنه أو بتكسير بيته أو سيارته.. وهو نظام كان معمولا به في البلدان غير مؤسسة على قانون ينظمها، لكن الأخطر هو أن تعود هذه الممارسات من جديد في دولة تؤسس للحق والقانون..

على مر ثلاث ساعات، تناول الكلمة خبراء في الميدان، كل تحدث في موضوع "العنف المجتمعي، العدالة الخاصة وضمانات حقوق الإنسان" من زاويته الخاصة، وهي الندوة المنظمة من قبل الودادية الحسنية للقضاة، بتنسيق مع هيئة المحامين بالرباط، ومحكمة الاستئناف بذات المدينة..

لا يمكن بأي مبرر ديني أو واقعي إعطاء شرعية للعدالة الخاصة، فهي عمل منبوذ وإجرام من نوع خاص، يستوجب التنصيص عليه بشكل مستقل، كما هو الحال في الدول الاسكندنافية، التي تحمي المواطن والدولة من أي مساس بحرية الأول وهيبة الثانية، "إن الخطر الذي تمثله ما يسمى بالعدالة الخاصة، يعد أكثر من جرائم الماسة بأمن الدولة وسلامة المواطنين"، يقول الأستاذ محمد الإدريسي العلمي المشيشي، الوزير السابق في قطاع العدل.. مضيفا "على الأقل جرائم أمن الدولة، يعرف فيها الجناة، وتكشف مخططاتهم، أما تطبيق شرع اليد، فأصحابه غير محددين في المكان والزمان والخلفية، والتساهل مع هؤلاء، سيفتح باب جهنم على البلد، كما يستهدف هذا الأمر التشكيك في القضاء ومؤسسات الدولة، وإذا حصل هذا الاقتناع عند المواطنين، فهي الفوضى والسيبة، كما أن هذا التشكيك هو الأساس الذي انتعشت فيه حركة داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية المتطرفة، ولنا أن نستعرض مصائبها في العراق وسوريا وليبيا.."

أما الأستاذ عبد اللطيف اللمتوني، القاضي الملحق بمديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل والحريات، فاستعرض جرائم العنف خلال العشرية الأخيرة، معتبرا أنها كانت على العموم مستقرة، لكن بروز بعض الجرائم من قبيل ما يسمى الانتقام المنظم أو الفردي، ولو بشكل معزول، لا يتعدى 6 حالات سنة 2016، فإنها تظل جديرة بالاهتمام والدراسة والاحتياط، مادام أن جلها لم يكن بخلفية منظمة باستثناء واقعة جامعة مكناس..

أما بالنسبة لرجاء الناجي، الأستاذة بكلية الحقوق بالرباط، فتساءلت هل العدالة الخاصة تمثل انتكاسة للعدالة العامة أم أزمة قيم؟ لتخلص في النهاية إلى أنه من غير المقبول تماما أن ينتزع الأفراد والجماعات سلطة الدولة في حماية الحقوق والحريات، وإلا فهي الفوضى والعدوانية، والعدالة على المقاس.. وتبقى المرأة هي الأكثر عرضة لتزيل العدالة الخاصة، وهو سلوك مقترن بالمجتمع البدائي الذي ينظر للمرأة بدونية.. والإسلام ينبذ الشرائع الخاصة، ويوجب العدالة العامة، وعندما أنزل القصاص فهو على سبيل الحصر بيد ولي الأمر أو السلطة المنظمة المعترف بها..

وبلغة الأمني، باعتباره سلطة ضبط، استعرض هشام باعلي، العميد الإقليمي، رئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، التدابير الاحترازية التي تقوم بها المديرية العامة للأمن الوطني في حماية الحقوق والحريات، وكيف أن خلفية القائمين على الاقتصاص الذاتي، تختلف مرجعياتهم من سلفية جهادية إلى تعصب رياضي إلى حقد اجتماعي إلى انخراط في عملية تهييج وحشد دون وعي..

وبلغة المجرب، كشف الأستاذ رشيد وظيفي رئيس غرفة بمحكمة الاستئناف بالرباط، عن النصوص القانونية التي يفهم منها الآخر، أنها تخول له الحلول محل الدولة في سلطة الضبط، وأعطى مثالا لذلك في حالات الدفاع الشرعي ومراعاة التخفيف في جرائم الخيانة الزوجية.. وهي مذكورة على سبيل الحصر، ليعطي مثالا في الأخير، عن إدانة مجموعة من الأشخاص، بتهمة الضرب المفضي للموت دون نية إحداثه، عندما طاردوا لصا هددهم بحمل السلاح، وفي خضم هذه المطاردة ومحاولة نزع سلاحه، سقط صريعا، ليدانوا بين 6 و8 سنوات..

أما أستاذ الاجتماع، عبد الرحيم العطري، فأرجع هذا العنف المجتمعي لتغير قيم المجتمع، من التفكير والمصلحة الجماعيتين إلى الفردانية المفرطة، ومن الواقعية إلى الافتراضية، ومن التهمم بمشاكل الناس وحلها، إلى الاستقالة التامة من الخوض في المشاكل، فأصبح المجتمع المغربي، يعيش هدرا بشريا وبؤسا مجاليا، وهشاشة اجتماعية وعنفا مضادا، كما لعب طول أمد الحياة من 47 سنة أواخر الخمسينيات إلى 77 سنة حاليا، دورا بارزا في التغير القيمي، كما ترسخت قيم المجتمع في العار والمزاوكة والدية والتعويض، وأصبح المواطن يبحث عن الاعتراف به وبشخصيته ولو من خلال المساس بأمن وسلامة الآخر، بل أصبح التباهي بالجرائم شأنا شبابيا بامتياز..