السبت 20 إبريل 2024
مجتمع

الـ"سي دي جي" يسلط مراحيض مرآبه النتنة لتمريغ كرامة المغاربة

الـ"سي دي جي" يسلط مراحيض مرآبه النتنة لتمريغ كرامة المغاربة

قبل أيام فقط أثارت "أنفاس بريس" محنة مستعملي الطريق السيار الرابط بين الدار البيضاء والرباط مع انعدام المراحيض، وقضاء ممتلئي المتانات والأمعاء أوقاتا عصيبة لسبب يخجل مجرد الخوض فيه ونحن في سنة بلغ رقمها 2016.

اليوم، يأبى موضوع ومن نفس الجنس إلا أن يطرح نفسه وبقوة، وإن كان المكان هذه المرة من قلب العاصمة، حيث مرآب السيارات "المامونية" القريب من وزارة العدل والحريات، الذي يفتقر هو الآخر لخدمات "بيوت الراحة" منذ ما يفوق الثلاثة أشهر، بل تحولها لمصدر تعاسة للمقدر عليهم زيارة الموقع، وهم يصدمون بمجرد "كاركاسات طواليط" دون ماء ولا كهرباء، أما الورق الصحي والصابون فليسو أكثر من حلم إنسان العصر الحجري وقد بعث من جديد.

ومع ذلك، ربما قد يكون هذا الإنسان القديم أيام كان يواري عورته بأوراق الشجر، على وعي تام بما لكرامته من قيمة تستوجب الأخذ بعين الاعتبار، ولا مجال لوضعها محل استهتار قد يهين وقد يبخس. لنصحو في عهد يا ما تفنن مسؤوليه في وصفه بـ"عهد الحقوق والحريات والعدل والكرامة" على وقع الحرمان من حق منزه حتى على المطالبة به نتيجة ضرورته البديهية.

وليت الأمر يقف عند هذا الحد، وإنما يزداد غصة لما نعلم الجهة المشرفة على المرآب المذكور، والتي ليست سوى صندوق الإيداع والتدبير، وما أدراك ما صندوق الإيداع والتدبير حين الالتفات إلى مستوى إمكانياته المادية، وحجم عائداته التي تسيل اللعاب بصرف النظر عما يشكله "المامونية" من مورد قائم بذاته. لذلك، ينتفي أي عذر من هذه المؤسسة التي تحقق ناتجا صافيا بقيمة تقارب 700 مليون درهم، قد يتخذ من العجز المادي سببا، مقابل مشروعية التأكيد على خلفية الإصرار لبهدلة المغاربة وتمريغ أنوف عزتهم في وحل التحقير. وإلا ما التفسير الصادق لرجل أو امرأة، وقف عليهم "الواقف" مرغما إياهم على خلوة بيولوجية، دون أن يجدوا المقام المناسب لذلك؟ أيستسلموا لدناءة الموقف ويتحرروا من سراويلهم وكأن باقي الناس حملة الدكتوراه في شعبة "غض البصر"؟، أم يطلقوا من دواخلهم بداية العد العكسي لانفجار وحده الله يعلم خاتمته؟. وحينها يا لصورة هذا الشعب أمام دول خصصت للمراحيض أياما للاحتفال ومعارض ومهرجانات، ليس لأن "ماعندها ما يدار"، ولكن لتوصل دراساتها وأبحاثها الجامعية إلى حقائق مثيرة في ما يخص بواعث الاستقرار والاتزان النفسي الذي تتيحه تلك الفضاءات، إلى درجة اعتبرت من أهم الأماكن التي تفتق فيها أذكى الأفكار وأنسب القرارات.

أما الخلفية أو بعضها على الأقل، فيعود، وفق الأبحاث، إلى درجة الاطمئنان العالية المتوفرة عادة داخل المراحيض. هذا الاطمئنان الذي استكثره صندوق الإيداع والتدبير المستثمر المؤسساتي الأول في المغرب على مواطنين لا يرغبونه للإبداع ولا للاختراع ولا لكسب ود ملكة الإلهام. يتوسلون له فقط للإحساس بأنهم مواطنون محسوبون على وطن له دستور يقر باحترامه لمختلف أجيال مبادئ حقوق الإنسان، لا فقط هيأة شعب يستنزف شرف كينونته من المسلكين اللذين كانا سبب وجوده. خاصة وأن هذه الشركة التي جعلت أيديها مغلولة إلى عنقها لما تعلق الأمر بإصلاح مراحيض لن يكلفها إلا فُتات فُتات أموالها، تعترف بتوقع وصول مبلغ استثماراتها إلى 235 مليار درهم سنة 2030.

إنها فعلا المفارقة التي لا يندى لها الجبين فحسب بحكم انشغال العالم فيما يزيد من رفاهيته وتجاوزه بسنوات البحث عن مكان للتفريغ قبل الشحن، بل تخر أمامها قوى العقل عند الحديث عن مطلب حرية التعبير كحق إنساني، وفي الجانب الآخر قفز ملغوم على تعبير أمعاء ومسالك ذنبها الوحيد أنها في جسم مواطن استبيح طعن أنفته عن ترصد. فصار لا يفكر فقط في كيفية كسب ما يسد به رمقه، ولكن أيضا في طريقة التخلص من معدم نفعيته حالة السقوط بين أيدي من لم يستسغ بعد معنى بشريته، ويرفض إلا أن يرسخ قناعة "مراحيضنا كدقيق فوق شوك نثروه، وقالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه". ليبقى خير الختام  رجاء أمل "لهلا يْطْيّْح كرشك على باركينك السي دي جي".