الخميس 2 مايو 2024
سياسة

المحجوب الهيبة: هذه هي المراحل التي قطعتها الهندسة المؤسساتية والقانونية للبيئة بالمغرب

المحجوب الهيبة: هذه هي المراحل التي قطعتها الهندسة المؤسساتية والقانونية للبيئة بالمغرب

أكد المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، المحجوب الهيبة، أن النقاش حول القضايا المرتبطة بالبيئة أصبح اليوم أكثر نضجا وتجسيدا لهذه القضايا، مضيفا أنه لا أحد الآن ينازع في واقع التهديدات واستعجالية اتخاذ التدابير اللازمة للحد من آثارها.

وأضاف الهيبة، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، في إطار النقاشات الخاصة بالتغيرات المناخية بمناسبة احتضان المغرب لمؤتمر (كوب 22)، في نونبر المقبل، أن النقاشات النظرية انتقلت من الحقل الأخلاقي (المسؤولية اتجاه الأجيال المقبلة ونقل التراث المشترك) إلى المجال الإبستمولوجي وقضايا الحكامة السياسية.

وبعد أن أشار إلى أن التساؤل الذي يطرح نفسه حاليا يتعلق "بقدرتنا التوقعية واستطاعتنا معالجة المخاطر"، قال إن نظام تفكير جديد تبلور من أجل اعتماد مبدأ الاحتراز في التعاطي مع قضايا البيئة.

ومن جهة أخرى، قال الهيبة إن تطور الإطار القانوني والمؤسساتي المرتبط بالمجال البيئي في المغرب مر بثلاث مراحل أو فترات أساسية، تتمثل الأولى في وجود إطار قانوني قديم ومتجاوز (حقبة الاستعمار إلى بداية الثمانينات). أما المرحلة الثانية فتتمثل في توجه نحو تعزيز الإطار القانوني والمؤسساتي (امتدت إلى نهاية التسعينات)، في حين تتميز المرحلة الثالثة، يضيف الهيبة، باختيار استراتيجي، ووضوح النظرة على مستوى التأطير ومقتضيات الدستور الجديد (بداية الألفية إلى اليوم).

وأوضح المندوب الوزاري أن المرحلة الأولى للإطار التشريعي المغربي القديم المتعلق بالبيئة والموارد الطبيعية اتسمت أساسا بتعدد النصوص وتشتتها، مما يفسر صعوبة تطبيقها، بل كانت أحيانا موضوع تفسيرات متناقضة، وأن أغلب هذه النصوص، التي تعود إلى بداية القرن الماضي، لم تكن متلائمة مع ضرورة حماية البيئة وصيانة الموارد الطبيعية، ولا مع الأضرار البيئية التي أصبحت جلية.

وقال إن بداية الوعي البيئي، انطلق مع مؤتمر الأمم المتحدة الأول حول البيئة البشرية المنعقد باستكهولم سنة 1972، على المستوى الرسمي (دمج البعد البيئي في التشكيلات الحكومية المتعاقبة، وفتح الملف التشريعي، والإرهاصات الأولى للجمعيات)…، والاهتمام على مستوى الجامعة، من خلال تخصصات معينة (العلوم والجغرافيا والقانون)، والمشاركة المغربية المتميزة في مسارات دولية وإقليمية ذات الصلة (مؤتمر الأمم المتحدة الثالث لقانون البحار 1973ـ 1982، ومسار برشلونة المتعلق بحماية البيئة البحرية لحوض البحر الأبيض المتوسط الذي انطلق سنة 1975).

وأشار إلى أن المرحلة الثانية تميزت بالتوجه نحو تعزيز الإطار القانوني والمؤسساتي، من خلال المناظرة الدولية "البيئة، التلوث، التنمية" المنظمة في ماي 1990 من قبل الجمعيات الجهوية والمتخصصة، بمبادرة من جمعية رباط الفتح، ومواصلة المشاركة النشيطة في المحافل والمؤتمرات الدولية والإقليمية، وبصفة خاصة من خلال مشاركة الملك محمد السادس في مؤتمر ريو 1992، وريو+5، وريو+10، وتقديم الملك لآراء وأفكار واقتراحات قوية حظيت باهتمام دولي واسع، وكذا التطور الملحوظ في الممارسة (الاتفاقية الوطنية في مجال البيئة، وظهور جمعيات الدفاع عن البيئة).

وأبرز في هذا السياق أيضا الدور الرائد لمؤسسة محمد السادس لحماية البيئة التي ترأسها الأميرة للا حسناء للنهوض بالوعي البيئي، وكذا تطور الدراسات والأبحاث والانشغالات العلمية والبحثية في مجالات ذات الصلة، ودور بعض المؤسسات الجامعية، وتفعيل جائزة الحسن الثاني للبيئة (ابتداء من سنة 1999).

ولفت المندوب الوزاري إلى أن المرحلة الثالثة بدأت من خلال اختيار استراتيجي، ووضوح النظرة على مستوى التأطير القانوني ومقتضيات الدستور الجديد، موضحا أن التعليمات الملكية أكدت دائما على الحرص على دمج البعد البيئي ضمن السياسات العمومية والقانون ومواصلة مشاركة المملكة في المحافل والمؤتمرات الدولية الإقليمية، واستضافة المملكة لبعضها (مثلا كوب7)، والحوارات الوطنية حول قضايا ذات الصلة المباشرة أو غير المباشرة، مثل الحوار الوطني حول إعداد التراب الوطني والتعمير، والحوار الوطني لإعداد الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، والقوانين الجديدة، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتأكيد الفصل 31 من الدستور الجديد على عمل المؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير الاستفادة على قدم المساواة (… الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة، والتنمية المستدامة)، وتأكيد الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2010 على أهمية الأوراش الاستراتيجية في مجالات بناء اقتصاد أخضر، والنهوض بالتنمية المستدامة وفي صلبها المسألة البيئية، باعتبارها قوام النمو الأخضر والاقتصاد الجديد.

وتابع أنه في هذا السياق، انخرط المغرب في تنفيذ برامج استراتيجية ومهيكلة في مجالات بناء اقتصاد أخضر أطلقها الملك وحرص على تتبع تنفيذها، والمتمثلة أساسا في مجال الطاقة، حيث تؤكد المملكة من خلالها انخراطها الثابت في المجهودات الدولية لمكافحة التغيرات المناخية الناتجة عن غازات الدفيئة .

وأضاف أن الرهان الأساسي لهذه الاختيارات الاستراتيجية الوطنية يتجسد في الحرص على التوفيق بين التنمية الاقتصادية والمحافظة على البيئة، ويعد ذلك تحديا أساسيا تعمل الدولة المغربية على رفعه من أجل تأمين تنمية مستدامة تستجيب لحاجيات الأجيال الحاضرة وتصون حقوق الأجيال المقبلة.

وقال إن المغرب سيعرف في السنوات المقبلة قفزة نوعية إلى الأمام في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بإنجاز المشاريع المبرمجة في الأوراش الكبرى وهي مشاريع مهيكلة منها مخطط المغرب الأخضر، ومشروع النهوض بالصناعة “مخطط إقلاع”، وبناء مدن جديدة، مضيفا أن الحاجة لأشكال متنوعة من الطاقة ستزداد بوتيرة سنوية متواصلة بمعدل خمسة في المائة.

وتابع أن التنمية المستدامة والنمو الأخضر يشكلان محاور ذات أولوية في الاستراتيجية الطاقية الجديدة للمملكة المقدمة في مارس 2009، موضحا أن هذه الأولويات الاستراتيجية تنبني على تلبية الحاجيات الطاقية مع احترام وصيانة البيئة عبر اعتماد معايير لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، واستعمال التكنولوجيات النظيفة، وتطبيق تقنيات النجاعة الطاقية.

وقال الهيبة، إن المغرب انخرط في مشاريع وبرامج واعدة جدا في مجال النهوض بالطاقات المتجددة منها أساسا المشروعان المندمجان للطاقة الشمسية والطاقة الريحية، وهما مشروعان كبيران يهدفان إلى تعزيز العرض بالاعتماد على موارد وطنية، والحد من التبعية الطاقية والمحافظة على البيئة بغية الرفع من مساهمة الطاقات المتجددة في استهلاك الطاقة التقليدية من حوالي 5 في المائة سنة 2009 إلى 8 في المائة سنة 2012 للوصول إلى نسبة 12 في المائة سنة 2020، إضافة إلى المشروع الضخم الذي أطلقه جلالة الملك محطة "نور1" بورزازات للطاقة الشمسية التي تعتبر الأكبر في العالم لإنتاج الطاقة الشمسية.

واعتبر المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، أن كل الاستراتيجيات القطاعية التي أطلقتها المملكة منذ 2007، تسير في اتجاه بناء اقتصاد أخضر وتوفير فرص للشغل، مضيفا أن التوقعات تفيد بأن الطاقات المتجددة ستمكن من خلق 3 ألف و300 منصب شغل، والنجاعة الطاقية حوالي 36 ألف و800 منصب، والغابات قرابة 50 ألف منصب، ومجال النفايات ما يقارب 11 ألف منصب وذلك في أفق 2020، فيما سيوفر التطهير السائل والتخلص من الفضلات السائلة حوالي 10 ألف منصب في أفق 2030.

(ملحوظة: العنوان من اختيار هيأة التحرير)