الخميس 2 مايو 2024
سياسة

بعد زرع الأصوليين لأوتادهم في الحقل الديني: هل سنستورد الخطباء والأئمة لإشاعة التنوير بالمغرب؟

بعد زرع الأصوليين لأوتادهم في الحقل الديني: هل سنستورد الخطباء والأئمة لإشاعة التنوير بالمغرب؟

"استغلال منابر وزارة الأوقاف في الصراع السياسي والإيديولوجي"؛ هذا هو العنوان العريض لما يقوم به بعض الخطباء الذين يعتنقون "أفكار الظلام"، ويريدون إسدال ظلامهم على الجميع، بدعوى الحرص على الإسلام الصحيح ضد الهرطقة أو الزندقة، وهو ما يذكرنابما كان يحدث في العصر العباسي، وخاصة في عهد المهدي الذي سمي بـ"جزار الزنادقة" لإطلاقه حملة تقتيل لا هوادة فيها ضد جميع من يدرجهم فقهاؤه ظلما وعدوانا في قائمة الزنادقة، وحتى وإن كانوا علماء متميزين!

ما يستدعي هذا الكلام هو ما تفوه به المسمى عبد الكريم القلالي، أستاذ مادة التربية الإسلامية بالثانوي التأهيلي وخطيب الجمعة بسبتة، خلال الملتقى الثالث حول سبتة المنظم من قبل المجلس العلمي المحلي لعمالة المضيق الفنيدق تحت شعار (سبتة العالمة تاريخ واعلام)، حيث تدخل بعنف واستهزاء للرد على أستاذ استعرض جهود ابن تومرت في ترسيخ الهوية العقدية للمغرب، متهما ابن تومرت بكونه "لم يكن سلفيا ولا أشعريا وإنما كان مصلحيا".

والمعلوم أنه سبق لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن أبعدت الوهابي فؤاد الدكداكي عن الخطابة والتعليم العتيق لاتهامه المهدي بن تومرت من فوق المنبر بالزندقة. وحسنا فعلت لأن الخوف كل الخوف أن يصل الاضطهاد الوهابي ذروته، إلى درجة يجبن فيها العقل ويتراجع التنوير والتسامح وحق "الاختلاف" و"حرية المعتقد" لصالح الظلام الذي بوسعه أن يقبض على كل ذي فكر حر لأقل تهمة أو شبهة.. والخوف كل الخوف أن يصبح هذاالاضطهاد اضطهادا رسميا لكل من يتخذ من العقل مرجعا ومبدأ للتفسير والقراءة.

غير أن السؤال الذي يطرح مع هذه النازلة هو: لماذا توقيف فؤاد الدكداكي والتغاضيو اسثناء عبد الكريم القلالي، وهما معا يغرفان من معين واحد ويحملان فكرا وهابيا واحدا، ويذودان عن مرجعية مغلقة واحدة، خاصة إذا علمنا أن القلالي، وهو أيضا واعظ ومرشد تربوي بالتعليم العتيق (الذي دعا الملك إلى إعادة تنظيمه وتنقيته من الشوائب)، وظف موقعه هذا الأخير لجمع العرائض ضد دعوة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر، في مسألة مناقشة الميراث، لكن مديرية التعليم العتيق تسترت عن هذا التوظيف لفضاءاتها في الصراع السياسي والإيديولوجي، وتجاوزت عن الأمر كأن للرجل سندا خفيا يهش عليه ويحجب عنه كل ما من شأنه أن يجعله خارج "التعليم العتيق"، وخارج العائلة الإيديلوجية الكبيرة التي تقع في قلب السلطة الآن.

إن المبدأ الأساس في خطباء وموظفي وزارة الأوقاف هو أن يمسكوا ألسنتهم عن الخوض في الصراع السياسي والإيديلوجي، وأن لا ينتصروا لهذا المعسكر ضد ذاك، وأن لا يؤلبوا جهة ضد أخرى، وأن لا يتعاملوا مع "الأفكار" و"الاجتهادات" المختلفة كجماعات محظورة ينبغي استئصالها. غير أن ما نعاينه في أكثر من مناسبة أن هناك من الخطباء من لا يتعفف عن "تلطيخ"منابر المساجد بلغة سياسية تدعو إلى الكراهية، متناسين أن دور الأئمة وخطباء المساجد هو الدعوة إلىالله، وإرشاد الناس في أمور دينهم، وحثهم على المحمود في الأخلاق، حتى إنه لمن المستحيل الآن مع ما نسمعه من دروس وخطب، هنا وهناك، أن نميز بين رجل الدين ورجل السياسة، مادام السياسة قد تعممت وسلت سيفهاعلى الجميع..

إن هذا المنحى الذي ينهجه بعض الأئمة، وبعض "الموظفين" المحسوبين على "التيار الوهابي" داخل وزارة الأوقاف، ليس بريئا ما دام "برنامج تأهيل الأئمة في إطار خطة ميثاق العلماء" ذهب مع الريح، وما دام القاموس الذي يستعملههؤلاء فوق منابر المساجد كله سياسي محض، دون أن تتحرك وزارة الأوقاف التي تملك حق التوقيف والعزل لإعادة الأمر إلى نصابه، حفاظا على الأمن الروحي للمغاربة أجمعين.

وما دام الحديث عن الأمن الروحي أصبح أمرا مركزيا في التعامل مع ظاهرتي التكفير والإرهاب، فمن حق المتتبع أن يتساءل: هل يتحرك هؤلاء الظلاميون من تلقاء أنفسهم، أم أن الأمر يحركه أياد تمسك بخيوط اللعبة، وتريد أن تحول كل المؤسسات العلمية إلى دمى خدمة لاستراتيجيتها في وضع أسس الدولة الدينية؟

إن الطعن الوهابي في المهدي بن تومرت من داخل وظيفة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، يبعث على القلق، ليس لأنه صادر عن اِثنين من صقور الوهابية في المغرب، بل لأنه يظهر أن الظلام يمسك بالمؤسسات، وإلا بماذا نفسرفصل كليات أصول الدين والشريعة عن جامعة القرويين وإلحاقها بوزارة التعليم العالي، علما أن على رأسها وزير ينتمي إلى الحركة الأصولية المعادية للتدين المغربي؟ وبماذا نفسر إغراق التعليم العتيق بفقهاء يستثمرون في السياسة على حساب الدين؟ ألا يفرض المنطق مراجعة القانون لإرجاع كليات أصول الدين والشريعة لجامعة القرويين حماية للمدخل القانوني الذي يمكن ان يتسلل منه الأصوليون لزرع أوتادهم في الادارات ومراكز القرار؟ ألم يحن الوقت لتحدث وزارة الأوقاف ثورة في التعليم العتيق لمنع ملء الخزان الأصولي بالأطر والمناصرين بأموال الشعب

ياحسرتاه؟         

إن هذا الاهتبال الذي يقوم به هؤلاء المتسللون إلى عقر دار وزارة الأوقاف ليعبر عن مأزق رهيب لمسلك الإدماج الأصولي في بنية الحقل الديني. بل الأخطر من ذلك هو التحول الكبير الذي طرأ على المؤدى من مدارس التعليم العتيق، بعد أن صارت تربة خصبة لتفريخ الظلاميين من دعاة العنف والإرهاب، وهو ما يهدد الأمن الروحي للمغاربة أجمعين، ولربما إذا استمر الحال على ما هو عليه ستضطر وزارة الأوقاف مكرهة إلى اقتراض الأئمة والخطباء من بلدان أخرى حتى لا يلطخوا ألسنتهم بالخوض في معمعان السياسة وتأليب المصلين على الأحزاب والجمعيات والأساتذة المتنورين..