الأربعاء 24 إبريل 2024
في الصميم

الدعامات الخمس المطلوبة لتفعيل خطاب محمد السادس بالرياض

الدعامات الخمس المطلوبة لتفعيل خطاب محمد السادس بالرياض

 شكل خطاب الملك محمد السادس في القمة الخليجية المغربية (المنعقدة بالرياض يوم 20 أبريل 2016) لحظة جديدة في تصورات المغرب لخريطة العالم ما بعد تفاعلات «الربيع العربي»، وللرهانات الجيوستراتيجية التي صارت تتشكل حول بلادنا من حيث تداخل الاعتبارات الوطنية والإقليمية والدولية، لحظة لا يضاهيها في القوة سوى خطاب 9 مارس 2011 الذي أطلق الإصلاحات الدستورية التي جددت نظامنا السياسي.

لذلك يرسم ذلك الخطاب إعادة بناء لتحالفات المغرب الخارجية، خاصة مع ما يتعلق بالعلاقات مع القوى الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية)، والعلاقات مع المحيط العربي ومع مجلس التعاون الخليجي حيث انطلق تاريخ جديد يقيم العلاقات البينية على أساس انتماء الخليج والمغرب إلى كتلة منسجمة المصالح والرهانات، خاصة أن الأطراف المعنية تصوغ قراءة موحدة لعالم اليوم.

لهذه الاعتبارات يكون للخطاب الملكي بالرياض ما بعده، على مستوى تدبير ما شمل من قرارات تقتضي إعادة النظر في بنائنا المؤسساتي (التنفيذي المتعلق بالعمل الحكومي، والمدني المتعلق بدور الدبلوماسية الموازية المفروض تنشيطها من طرف البرلمانيين والهيئات الحزبية والمدنية).

في هذا السياق تتوجه إعادة النظر المطلوبة، في تصورنا، إلى الإجابة عن حاجة المغرب إلى أدوات مؤسساتية جديدة، وإلى أداء دبلوماسي يقطع مع صيغ العمل التقليدي كما مورس من الاستقلال إلى اليوم، وذلك من أجل إرساء خمس بنيات إدارية جديدة في شكل وزارات أو مندوبيات سامية أو كتابات دولة أو خلايا تفكير:

البنية الأولى مهمتها اختراق فضاء الهيئات الأممية، وخاصة مؤسسة الأمين العام في أفق ما بعد بان كيمون الذي يتهيأ لمغادرة مكتبه بنيويورك مع متم عام 2016. هنا سيكون على هذه البنية أن تدقق في لائحة المرشحين، وفي إقامة الجسور مع محيط الأمين العام القادم، طموحا في توجيه الأحداث لا في البقاء مكتوفي الأيدي إلى حين أن تقع الواقعة بعد أن يكون خصومنا قد صنعوا التوجهات الجديدة بهذا الخصوص.

2 ـ على المغرب خلق بنية جديدة متوجهة نحو الفضاء الأمريكي في أفق ما بعد باراك أوباما الذي سيترك مكتبه في البيت الأبيض هو الآخر لفائدة أحد المرشحين المحتملين اليوم: ترامب الجمهوري أو هيلاري كلينتون الديمقراطية. هنا أيضا سيكون من مهام البنية الجديدة أن تشحذ ذكاءها لقراءات كل احتمالات السباق الانتخابي الحالي، وللتهيئ لكل السيناريوهات الممكنة، سواء باتجاه فوز ترامب الذي يعد العالم العربي والإسلامي، على الخصوص، بالكثير من التهديدات، أو باتجاه هيلاري كلينتون المعروفة بانفتاحها النسبي على المغرب. هي إذن مهمة استراتيجية بالغة الحساسية بالنظر إلى الوجهة الجديدة التي اتخذتها ضدنا الإدارة الأمريكية في السنوات الأخيرة.

3 ـ البنية الثالثة، التي على المغرب الاهتمام بها، تهم العلاقات مع الخليج من زاوية تتماشى مع رهانات المرحلة الدولية الجديدة، وفي هذا الإطار لا نتصور مستقبلا فاعلا للعلاقات البينية بالاكتفاء فقط بتبادل مشاعر العطف والتضامن، وبالأشكال التقليدية للتعاون كما مورست من قبل. بل إن الواقع الجديد صار يفرض على البنية المزمع استحداثها أن تصوغ تصورا جديدا للتعاون الخليجي المغربي يقوم على فكرة أن يهتدي المقررون المغاربة إلى كيفية فتح شهية رجال الأعمال الخليجيين نحو استثمار منتج في الفلاحة الكبرى والصناعة واللوجستيك بدل أن يبقى الاستتمار الخليجي بالمغرب مرتبطا بالأساس بالعقار والسكن، وهي المهمة التي بإمكان منعشين مغاربة كبار أن يستثمروا فيها.

4 ـ أما البنية الرابعة فنرى ضرورة توجهها نحو رصد ما يجري في البلد الجار الجزائر حيث تعيش البلاد حالة «جلطة دماغية» منذ عطب الرئيس بوتفليقة سنة 2013. وهنا كذلك لا ينبغي أن يترك مستقبل علاقتنا للمجهول أو صدف، بل الحاجة تقتضي، بالإضافة إلى الترصد والمتابعة، اختراق المنظمات الدولية المعروفة تقليديا بمساندة الأطروحة الانفصالية، واختراق الفضاء الدولي، وخاصة الإفريقي والاسكندنافي الذي تتوغل فيه الجزائر، وذلك بهدف تعديل الكفة لصالح توجهاتنا.

5 - ولأن كل هذه البنيات تندرج ضمن عمل تنفيذي متداخل الاختصاصات والاعتبارات فالمنطق السليم يفرض خلق مؤسسة في شكل جهاز ينسق بين كل البنيات المستحدثة لضمان التماسك وتجديد الأدوار وتفعيلها بما يخدم المصلحة العليا للمغرب. وفي تصورنا فإن من شأن كل هذه البنيات أن تخلق واقعا جديدا، خاصة أن المشترك فيها هو أنها تعمل في أفق انتقالي يتمثل في كون كل المسؤولين في الفضاء الأممي والأمريكي والجزائري مقبلين على المغادرة. البنيات المؤسساتية الجديدة التي نرتئيها تجعلنا فاعلين في هذا الأفق لا منفعلين به فقط، وأصحاب المبادرة الخلاقة لتطويق الخصوم ولكسب مساحات واسعة وإضافية لفائدة الطرح المغربي.