الاثنين 6 مايو 2024
سياسة

عبد اللطيف الحموشي.. العقل الأمني لمكافحة الإرهاب

عبد اللطيف الحموشي.. العقل الأمني لمكافحة الإرهاب

لا نحتاج إلى الكثير لنفهم أن المغرب تحول إلى مفتاح حاسم لاقتحام السبل المتشعبة للإرهاب على المستوى الدولي، ولن نحتاج إلى الكثير لنرى أن المفتاح المنعكس على المرآة يرتدي وجه رجل مثير للجدل، اسمه عبد اللطيف الحموشي؛ فبينما كانت تحاك المؤامرات ضد هذا الرجل، كان يستغرق في إرساء طوق قوي للدفاع عن سلامة التراب، وكان يدرك أن تاريخا صعبا يتربص فقهاء الظلام لكتابته برصاص بنادق أمراء الدم وسيوفهم ومتفجراتهم. فمن هو هذا الرجل الذي عرف، حتى الآن، كيف يبطل الاختراق الخارجي لصفوفه، وكيف يفصل صمام الأمان بهدوء دون أن تتصدع أرجاء الوطن؟

إنه عبد اللطيف حموشي خريج كلية الحقوق بفاس، التحق كعميد شرطة في الديستي وتخصص في الحركات الإسلامية، مشهود له بالقدرة على التحليل والتركيب. ولهذا أسندت إليه مهمة التركيز على ملف الإسلاميين في المغرب، خاصة مراقبة جماعة العدل والإحسان بعد «رؤيتها لسنة 2006» قبل أن يستفحل العقل السلفي وتتضخم عضلته وتستفيق وحوشه التي كانت تتظاهر بالنوم. ويبدو من خلال تمرسه في «التجسس» و«التجسس المضاد» ومعرفته الكبيرة بخبايا الحركات الإسلامية، أن عبد اللطيف حموشي قطع مع «عنف» العمل المخابراتي كما كان يمارسه سابقوه، بعدما أوكلت إليه مهام السهر على سلامة التراب وتنقيته من الحشرات السامة والأعشاب القاتلة. ولهذا، ورغم ارتفاع عقيرة جمعيات مأجورة (داخليا وخارجيا) للنيل من الرجل، ورغم أن الاتهامات قد انطلت على أكثر من عاصمة غربية، وعلى رأسها باريس التي كانت تطالب برأسه، إلى درجة أن المغرب دخل في أزمة ديبلوماسية خطيرة مع فرنسا بعد أن تحرك سبعة من رجال الشرطة الفرنسية بأمر قضائي، وزاروا في فبراير 2014 مقر إقامة السفير المغربي «لإبلاغه باستدعاء من قاضي التحقيق للمدير العام لجهاز مكافحة التجسس»، وذلك بناء على شكاية تقدم بها بطل الملاكمة السابق زكريا مومني، متهما الحموشي بالإشراف على جلسات التعذيب في مركز الاعتقال بمدينة تمارة التابع لجهاز «مراقبة التراب الوطني».. رغم كل ذلك، ظل الرجل حريصا على اليقظة، وعلى السير في الاتجاه العميق لقطع الطريق على المتربصين بأمن البلاد، واستطاع بحنكة عالية، وصبر كبير أن يتجاوز المحنة، وأن يحولها إلى فوز ساحق، حيث وزير الداخلية الفرنسي عن عزم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند توشيحه، وقبل ذلك سارعت إسبانيا إلى توشيحه بقلادة الشرف في أكتوبر2014.

وهكذا بفضل هذا الرجل، الذي أبان عن مراس عال ورباطة جأش في إدارة الملفات، أصبح التعاون في المجال الأمني ميزة أساسية تجسد الشراكة المكثفة والمتميزة التي تربط بين الرباط وعدد من العواصم الغربية وعبر العالم، انطلاقا من باريس ومدريد وبروكسيل وموسكو، وصولا إلى أبيدجان وليبرفيل.

وتشهد الإنجازات التي حققتها الاستخبارات المغربية على كافة مستويات التعاون الأمني بين العاصمة وعواصم أوربية وعربية وإفريقية على قدرة وحرفية المصالح الأمنية في مواجهتها للتحديات الأمنية التي تزداد صعوبة وتعقيدا، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، والجريمة العابرة للحدود، ومختلف أشكال التهريب.

فقد أصبحت الاستخبارات المغربية، في عهد الحموشي، مشهودا لها بالكفاءة العالية في التعاون الأمني، وبفعاليتها في التعاون الثنائي مما يؤكد أهمية التعاون الأمني في تجنب تفجيرات دامية جديدة أو اعتقال مرشحين للتجنيد في مواقع التوتر العالمية سواء في بلدان عربية أو إفريقية.

وبالفعل، فقد أدرك صناع القرار والمسؤولون المعنيون في المغرب وعدد من العواصم الغربية منذ سنوات، أهمية بل وضرورة تعزيز هذا التعاون، وتكييفه مع إكراهات الوضع الأمني، الوطني والإقليمي، الذي ما فتئ يزداد تعقيدا وهذا ما شهده المغرب مؤخرا، على الساحة الإفريقية فبعد متابعة ما يجري في بلد مثل مالي من تحرك لحركات متطرفة لا تتردد في تنفيذ عمليات إرهابية زعزعت أمن واستقرار مالي، بل امتدت لتهديد منطقة الساحل والصحراء، تصاحبها حركات مافيوزية تتعاون بشكل وثيق مع حركات انفصالية تغذي العنف والإرهاب في المنطقة.

وقد شكل التعاون الأمني المغربي الايفواري نقلة نوعية تجسدت في مواكبة الخبرة الأمنية المغربية للسلطات الإيفوارية ودعمها في التحقيقات التي تقوم بها حول الأعمال الإرهابية التي ضربت منتجع غران بسام بكوت ديفوار، والتي انتهت بالتعرف على منفذي الاعتداء وتتبعهم في شمال مالي. وسارت الغابون في الاتجاه نفسه بعدما وجدت نفسها على مرمى حجر من التهديدات الإرهابية والأكيد أن تزايد الطلب على الخبرات الأمنية المغربية، الذي يعود إلى القدرة التحليلية والتوقعية لمعلومات تم تجميعها منذ التسعينيات عندما كن المقاتلون المغاربة يحاربون إلى جانب تنظيم القاعدة، جعل اسبانيا أيضا تطلب تعاونها معها، معتبرة إياه تعاونا نموذجيا يحتذى به وواقعا يوميا ملموسا، كما تشهد على ذلك النتائج الإيجابية والفعالة المسجلة على المستوى العملي بين مصالح البلدين، لاسيما في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. كما أصبح الانتربول أيضا يعتمد على المغرب في الحصول على معلومات حول تنقلات الإرهابيين، فالمخابرات المغربية باتت تدرك خطر التسرب عبر الممرات الأوروبية ولديها معلومات عن انتقال الإرهابيين عبر تركيا نحو أوروبا وشمال إفريقيا.

لقد حقق عبد اللطيف الحموشي، الذي استحق أكثر من وسام في الداخل والخارج، نجاحات كبيرة، حيث تمكن من إحكام خطة استباقية فعالة، لمحاربة الإرهاب والجريمة العابرة للقارات، الأمر الذي مكن من تفكيك العشرات من الخلايا الإرهابية التي كانت تهيئ لاعتداءات وأعمال تخريبية وكذا تفكيك عدد من العصابات ذات الامتداد العالمي. وهذا هو الذي دفع بأعلى سلطة في البلاد إلى تعيينه مديرا عاما للأمن الوطني، حتى يحمل لهذا الجسم الأمني المتهالك دماء جديدة تجعله في مستوى الرهان، وذلك بتحديثه وتأهيله وتنقيته من الشوائب العالقة به.