السبت 20 إبريل 2024
في الصميم

المغرب مطالب بالخروج من مقام «المونولوغ» إلى مقام «الديالوغ» للدفاع عن الصحراء

المغرب مطالب بالخروج من مقام «المونولوغ» إلى مقام «الديالوغ» للدفاع عن الصحراء

كانت تصريحات الأمين العام بان كيمون المعادية لقضية وحدتنا الترابية في مارس 2016، بمثابة ما يحدثه أي اختبار جديد لمدى صلابة نسيجنا الوطني.

ولذلك كانت ردود فعل المغاربة ملكا وحكومة وشعبا في مستوى التحدي. ربما كنا في حاجة لهذا الاختبار فقط ليقرأ العالم من جديد كون القضية قضية شعب وليس قضية نظام . أما المغاربة فقد حسموا الأمر منذ أن انتظمت المسيرة الخضراء سنة 1975، وتواصل تعاضد الكيان الوطني منذ ذلك الوقت، رغم ما شاب بناءنا الديمقراطي من توترات وكبوات وتجاذبات حول ممارسة السلطة، وآفاق بناء الحكم الديمقراطي. وتأكد مع الوقت أن الإجماع الوطني ليس حصيلة «بروباغاندا» مخدومة، لكنها قناعة وطنية يخرج عنها فقط مغاربة محدودو العدد والتأثير، وهم عبارة عن مداومين في «مكاتب انتداب» خارجية. بناء عليه، لم تعد واقعة بان كيمون موضوع تشغيل لشحذ قدراتنا الذاتية في إقناع الوطن والمواطنين، ولكن يجب أن تدفعنا إلى أن نتوجه بالأساس نحو الخارج لإقناعه بعدالة قضيتنا الوطنية، وبخطأ أبعاد التمزق الذاتي للأوطان.

جوهر التوجه ينبغي أن ينصب على لا جدوى ولا فعالية أطروحة الانفصال إذ لم يثبت في تاريخ بناء حضارات الدول والشعوب أن تأكد صواب هذه الأطروحة. ولنا في تاريخ الشعوب النماذج الأكيدة. ربما النموذج الأقرب، في هذا السياق، هو بلد بان كيمون نفسه: كوريا التي كانت قارة متماسكة قبل أن تقودها الحرب بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي إلى التقسيم الذي لا يزال الشعبان الكوري الشمالي والجنوبي يعانيان من تبعاته إلى اليوم، حيث تعيش كوريا الجنوبية، رغم رفاهية شعبها، فوبيا الخطر النووي القادم من الشمال، مثلما تعيش كوريا الشمالية فوبيا احتمال حرب العالم عليها.

نموذج ثان يقتضيه سياق العداء لوحدتنا الترابية، ويتعلق بالتهديد الذي لايزال يؤرق نيجيريا، شعبا وحكومة ونخبة، منذ سنة 1967، متمثلا بمخاطر استقلال إقليم البيافرا بتدخلات أطراف إقليمية ودولية. أما النموذج الثالث فتعيشه جزائر اليوم بعد تنامي احتجاج منطقة القبايل المطالبة بالاستقلال الذاتي بعد تشكيل حكومتها في المنفى، وذلك على خلفية تصدع الدولة وعطب الأجهزة السيادية، ناهيك عن الخطر الكامن إزاء احتمال مطالبة طوارق الصحراء بالحق في تقرير المصير.

إذن، فأطروحة الانفصال هي داء العصر الذي يهدد منظومة الدولة الوطنية في كل مناطق التوتر في العالم، في ليبيا حيث ترهل الدولة، وفي مصر المهددة بـ«داعش» في صحراء سيناء، وفي سوريا، وكذلك في إسبانيا حيث يطالب إقليم «الكاتالان» بالانفصال، مثلما يطالب الاسكوتلاند بالشيء نفسه في بريطانيا العظمى.

أطروحة الانفصال بلا موضوع ولا أساس ولا مستقبل. وهذه هي الرسالة التي على المغرب أن يرافع من أجلها في العالم. وليتحقق ذلك يتعين أن يرسم المغرب استراتيجية جديدة لأدائه الدبلوماسي تنطلق أساسا من تجديد دوره التقليدي الكامن في الاقتصار على القنوات الرسمية للسفراء ولوزير الخارجية ولمندوبينا في المحافل الدولية، وتنطلق كذلك من قناعة أن قضية الدفاع عن وحدتنا الترابية هي قضية مجتمع ووطن، وبالتالي فالدولة مطالبة بشق قنوات جديدة للتحرك الشعبي والمدني في المجال الدولي.

لا نتصور نهوضا في هذا الاتجاه دون أن يتجند رجال الأعمال وكل مكونات القطاع الخاص والحقل المدني ضمن تحدي إقناع نظرائهم في العالم، لا فقط بصواب أطروحتنا الوطنية، ولكن أيضا بصواب فكرة أن التكتل والبناء الموحد هما الطريق لمواجهة عالم عاصف لا يعترف بالكيانات الصغرى والممزقة. وفي الاتجاه نفسه لا ينبغي أن نترك قطاع رجال الأعمال والفنانين والكتاب والمهندسين للمبادرات الفردية المحدودة، ولكن أن ندمجهم ضمن شراكة تجعل مبدعينا في مضامير القطاع الخاص وإدارة الأعمال والفن والثقافة والمعمار رسل سلام من أجل نصرة فكرة الوحدة بدل التمزق، دفاعا غن قضية نبيلة هي قضية وحدتنا الترابية.

نحن أصحاب حق في مواجهة خصومنا الذين هم أصحاب باطل كان هم أولى ضحاياه كما في حالة بان كيمون ونيجيريا والجزائر وغيرها.

مجمل القول إن المغرب، الذي اختار استكمال تحرير ترابه بموازاة مع استكمال بنائه الديمقراطي، مطالب بالخروج من مقام «المونولوغ» (الحواري الذاتي) إلى مقام «الديالوغ» مع الآخرين أينما وجدوا، حيث يفترض أن يعدد لغاته وأصواته من اكتساب مساحات جديدة في مناطق العالم، حيث الوحدة قدر هذا العالم لا بنيات الشتات والتمزق.