فتحت الفاجعة التي وقعت في الصويرة أعين الدولة المغربية على مكامن الخطر لبعض التمويلات الخارجية التي تستفيد منها بعض الجمعيات و الأفراد، و الذين يستغلون هذه الأموال الطائلة التي ترسل لهم في أعمال ظاهرها خيري و إنساني و باطنها سياسي و إيديولوجي.
اتجاه الحكومة المغربية نحو تقنين هذه التمويلات يجب أن يأخذ منحاه القانوني و الوطني لما فيه منفعة و مصلحة للوطن، أي أن يتجه التقنين إلى مكامن الخطر لهذه التمويلات و لهذه الإعانات بدلا من أن توجه الحكومة الحالية سهامها إلى الجمعيات الحقوقية و النسوية و المدنية التقدمية و الديموقراطية للتضييق على أنشطتها بدعوى تمويلها الخارجي.
و الحكومة تعرف بما لديها من وسائل و آليات أن التمويلات الخارجية لبعض أنشطة هذه الجمعيات التي تتلقى بها الدعم معروفة المصدر و معروفة القنوات التي تمر منها، و هي الأبناك. و معروفة هي المبالغ التي تتوصل بها، و معروفة هي الجهات التي تستفيد منها لتمويل بعض هذه الأنشطة المدعومة. فبالنسبة لهذه الجمعيات و المنظمات المدنية يكون المنبع و القناة و المبلغ و المصب معروف و ظاهرة مسالكه.
لكن الخطر كل الخطر هو تلك التمويلات المالية الضخمة التي يتوصل بها بعض الأفراد و بعض الجمعيات تحت غطاء خيري و ديني من بعض الجمعيات الدينية في الخليج و غيره، و هي تمويلات لا تمر عبر القنوات الرسمية كالأبناك بدعوى أن هذه الأبناك محرمة التعامل معها تحت غطاء تعاملها الربوي، هنا يكمن الخطر الذي على الحكومة العمل على ضبط مسالك مروره و ضبط خطر انزلاقات هذه التمويلات الضخمة التي تدخل البلاد تحت غطاء ديني و خيري و توجه إلى أهداف أخرى.
فما وقع في الصويرة يسائل الحكومة كم من أموال تسلمها صاحب العمل الخيري؟ و ممن؟ و كم صرف منها في هذا العمل الخيري؟ و هل لهذا العمل الخيري علاقة بالعمل السياسي فيتدثر بالغطاء الإنساني؟ تساؤلات القصد منها ضبط العمل الخيري و الإنساني لإبعاده عن التوظيف السياسي، سيما و أن العمل الخيري و الإنساني مظهر من مظاهر ثقافتنا المغربية المتجذر في وعينا الجمعي.
هذه التساؤلات تقودنا إلى تساؤل آخر هو: هل العمل الخيري بهذا التمويل الضخم يتم توزيع الظاهر منه بهذه الطريقة البدائية و العشوائية التي أدت إلى الكارثة؟ أم أن ما تم إنفاقه ليس إلا قطعة الجليد التي تخفي جبل الجليد المغمور؟
هذا فقط مثال لشخص واحد فما بالك بالمئات أمثاله و بالجمعيات الدينية التي تتلقى الأموال الطائلة بدون رقيب و غالبا لا تمر عبر الوسائل و القنوات القانونية التي هي الأبناك و غيرها، و هنا مكمن الخطر، فالقوانين التي تستعد الحكومة المغربية عليها أن تتجه صوب سن قوانين تضبط هذه التمويلات التي ترد من دول الخليج و غيرها و التي لا تمر عبر الطرق القانونية كالأبناك التي تصنفها مصادر التمويل الخليجية ابناك، كما يجب ضبط آليات توزيعها و الجهات المتجهة لها لئلا تنحرف عن الأهداف الإنسانية التي وجهت لها. أما أن تتجه الحكومة إلى التضييق على جمعيات المجتمع المدني التي تتلقى دعما من المنظمات الإنسانية و الحقوقية الدولية و غيرها عبر مسالك قانونية معروفة كالأبناك و ما شابهها فهذا يضعف المجتمع المدني و يقوي القوى الاجتماعية المحافظة، خصوصا المتطرفة منها و التي تعتمد على الإيديولوجيا الدينية الوهابية التي تتلقى الأموال الطائلة الآتية من الشرق، و هذا يؤدي إلى إضعاف الفكر المغربي المتنور لصالح شيوع فكر انغلاقي متطرف أبان عن نتائجه الكارثية في البلدان التي ينتشر فيها اليوم.
هذا التمويل الخارجي يقودنا إلى التمويل الداخلي، و نحن نعرف التبرعات السخية لأصحاب رؤوس الأموال خصوصا في الأعمال التي لها طابع ديني، و التي تمنح لبعض الجمعيات الدينية و التي تستغلها لأهداف سياسية إما لكسب الأتباع كجيش احتياطي للانتخابات أو لتمرير إيديولوجيتها السياسية الدينية. و غالبا ما تتم هذه التمويلات و هذه الهبات خارج الطرق القانونية، أي خارج المرور عبر القنوات الرسمية و ما شابهها. و المؤسف و المضحك في نفس الوقت أن بعض أصحاب هذه الهبات و التمويلات يقدمون الهبات و التبرعات و التمويلات بسخاء و في نفس الوقت يتملصون من أداء الضرائب التي هي ملك للدولة و للشعب و هنا مكامن الخلل.
نعم لسن قوانين تنظيمية للأعمال الخيرية و الإنسانية و للأنشطة التي تتلقى دعما خارجيا أيا كان هذا الدعم، لكن شريطة توجيه التقنين نحو مصادر التمويل التي تشكل خطرا حقيقيا على البلد و على تميزه الثقافي و اللغوي و الديني القائم على الاعتدال و الانفتاح على الحضارات الذي ميز المغرب عبر تاريخه.