الحسن زهور: على الحكومة ضبط مكامن الخلل في عمليات التمويل الخارجي للجمعيات

الحسن زهور: على الحكومة ضبط مكامن الخلل في عمليات التمويل الخارجي للجمعيات الحسن زهور

 

فتحت الفاجعة التي وقعت في الصويرة أعين الدولة المغربية على مكامن الخطر لبعض التمويلات الخارجية التي تستفيد منها بعض الجمعيات و الأفراد، و الذين يستغلون هذه الأموال الطائلة التي ترسل لهم في أعمال ظاهرها خيري و إنساني و باطنها سياسي و إيديولوجي.

اتجاه الحكومة المغربية نحو تقنين هذه التمويلات يجب أن يأخذ منحاه القانوني و الوطني لما فيه منفعة و مصلحة للوطن، أي أن يتجه التقنين إلى مكامن الخطر لهذه التمويلات و لهذه الإعانات بدلا من أن توجه الحكومة الحالية سهامها إلى الجمعيات الحقوقية و النسوية و المدنية التقدمية و الديموقراطية للتضييق على أنشطتها بدعوى تمويلها الخارجي.

و الحكومة تعرف بما لديها من وسائل و آليات أن التمويلات الخارجية لبعض أنشطة هذه الجمعيات التي تتلقى بها الدعم معروفة المصدر و معروفة القنوات التي تمر منها، و هي الأبناك. و معروفة هي المبالغ التي تتوصل بها، و معروفة هي الجهات التي تستفيد منها لتمويل بعض هذه الأنشطة المدعومة. فبالنسبة لهذه الجمعيات و المنظمات المدنية يكون المنبع و القناة و المبلغ و المصب معروف و ظاهرة مسالكه.

لكن الخطر كل الخطر هو تلك التمويلات المالية الضخمة التي يتوصل بها بعض الأفراد و بعض الجمعيات تحت غطاء خيري و ديني من بعض الجمعيات الدينية في الخليج و غيره، و هي تمويلات لا تمر عبر القنوات الرسمية كالأبناك بدعوى أن هذه الأبناك محرمة التعامل معها تحت غطاء تعاملها الربوي، هنا يكمن الخطر الذي على الحكومة العمل على ضبط مسالك مروره و ضبط خطر انزلاقات هذه التمويلات الضخمة التي تدخل البلاد تحت غطاء ديني و خيري و توجه إلى أهداف أخرى.

فما وقع في الصويرة يسائل الحكومة كم من أموال تسلمها صاحب العمل الخيري؟ و ممن؟ و كم صرف منها في هذا العمل الخيري؟ و هل لهذا العمل الخيري علاقة بالعمل السياسي فيتدثر بالغطاء الإنساني؟  تساؤلات القصد منها ضبط العمل الخيري و الإنساني لإبعاده عن التوظيف السياسي، سيما و أن العمل الخيري و الإنساني مظهر من مظاهر ثقافتنا المغربية المتجذر في وعينا الجمعي.

هذه التساؤلات تقودنا إلى تساؤل آخر هو: هل العمل الخيري بهذا التمويل الضخم يتم توزيع الظاهر منه بهذه الطريقة البدائية و العشوائية التي أدت إلى الكارثة؟ أم أن ما تم إنفاقه ليس إلا قطعة الجليد التي تخفي جبل الجليد المغمور؟

هذا فقط مثال لشخص واحد فما بالك بالمئات أمثاله و بالجمعيات الدينية التي تتلقى الأموال الطائلة بدون رقيب و غالبا لا تمر عبر الوسائل و القنوات القانونية التي هي الأبناك و غيرها، و هنا مكمن الخطر، فالقوانين التي تستعد الحكومة المغربية عليها أن تتجه صوب سن قوانين تضبط هذه التمويلات التي ترد من دول الخليج و غيرها و التي لا تمر عبر الطرق القانونية كالأبناك التي تصنفها مصادر التمويل الخليجية ابناك، كما يجب ضبط آليات توزيعها و الجهات المتجهة لها لئلا تنحرف عن الأهداف الإنسانية التي وجهت لها. أما أن تتجه الحكومة إلى التضييق على جمعيات المجتمع المدني التي تتلقى دعما من المنظمات الإنسانية و الحقوقية الدولية و غيرها عبر مسالك قانونية معروفة كالأبناك و ما شابهها فهذا يضعف المجتمع المدني و يقوي القوى الاجتماعية المحافظة، خصوصا المتطرفة منها و التي تعتمد على الإيديولوجيا الدينية الوهابية التي تتلقى الأموال الطائلة الآتية من الشرق، و هذا يؤدي إلى إضعاف الفكر المغربي المتنور لصالح شيوع فكر انغلاقي متطرف أبان عن نتائجه الكارثية في البلدان التي ينتشر فيها اليوم.

هذا التمويل الخارجي يقودنا إلى التمويل الداخلي، و نحن نعرف التبرعات السخية لأصحاب رؤوس الأموال خصوصا في الأعمال التي لها طابع ديني، و التي تمنح لبعض الجمعيات الدينية و التي تستغلها لأهداف سياسية إما لكسب الأتباع كجيش احتياطي للانتخابات أو لتمرير إيديولوجيتها السياسية الدينية. و غالبا ما تتم هذه التمويلات و هذه الهبات خارج الطرق القانونية، أي خارج المرور عبر القنوات الرسمية و ما شابهها. و المؤسف و المضحك في نفس الوقت أن بعض أصحاب هذه الهبات و التمويلات يقدمون الهبات و التبرعات و التمويلات بسخاء و في نفس الوقت يتملصون من أداء الضرائب التي هي ملك للدولة و للشعب و هنا مكامن الخلل.

نعم لسن قوانين تنظيمية للأعمال الخيرية و الإنسانية و للأنشطة التي تتلقى دعما خارجيا أيا كان هذا الدعم، لكن شريطة توجيه التقنين نحو مصادر التمويل التي تشكل خطرا حقيقيا على البلد و على تميزه الثقافي و اللغوي و الديني القائم على الاعتدال و الانفتاح على الحضارات الذي ميز المغرب عبر تاريخه.