الجمعة 29 مارس 2024
خارج الحدود

الهجوم التركي على المدينة المنورة بداية القرن الـ20 يفجر ألغام التاريخ بين أنقرة والإمارت

الهجوم التركي على المدينة المنورة بداية القرن الـ20 يفجر ألغام التاريخ بين أنقرة والإمارت فخري باشا يتوسط وزير الخارجية الإماراتي (يسارا)، والرئيس التركي

استيقظ الرأي العام الدولي صبيحة اليوم، الخميس 21 دجنبر 2017، على نبأ استدعاء وزارة الخارجية التركية للقائم بالأعمال الإمارتي. وذلك على خلفية إعادة نشر وزير الخارجية لدولة الإمارت، عبد الله بن زايد آل نهيان، تغريدة تتهم قائدا عثمانيا، وهو فخري باشا، بمهاجمة المدينة المنورة ونهبها سنة 1916. هذا في الوقت الذي عبرت أنقرة، ومنذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقراره بشأن القدس، عن عزمها على التصدي للولايات المتحدة الأمريكية كقوة لا تخشاها، على عكس بعض الدول العربية التي اعتبرت ردها ضعيفا.

وفي الصدد عينه، نشر موقع "24" الإماراتي مقالا للكاتب رواد سليمان، استعرض من خلاله تفاصيل ما عنونه بـ"قصة فخري باشا سارق المدينة المنورة". متدرجا مما وقع إبان بداية الحرب العالمية الأولى من ما كان يسمى وقتها بالدولة العثمانية في حق المدينة المنورة، وبزعامة من يتشدق الرئيس أردوغان اليوم بالإفتخار به، مع أنه المعروف بأكثر الحكام الدمويين على مر التاريخ. ولأهمية مختلف تلك الحيثيات وموضوعية أسباب نزولها بالموازاة مع الإجراء التركي لهذه الصبيحة، ارتأت جريدة "أنفاس بريس" إعادة نشرها:

"لم ينس أهالي المدينة المنورة اسم "فخري باشا" القائد العسكري التركي الذي أذاقهم تحت سطوة السلاح مرّ التشرد بعد طردهم وتهجيرهم من مدينتهم المقدسة وسرقة كنوزها التي لا تقدر بثمن بل ومحاولة سرقة مدينتهم واتباعها لما كان يسمى حينها بالدولة العثمانية.

وأثارت تغريدة أعاد نشرها وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، عاصفة غضب في أوساط السلطة التركية، لتذكيرها بحقائق مثبته تاريخياً عن جريمة "سفر برلك".

وترجع فصول الحكاية إلى عام 1915، إبان الحرب العالمية الأولى، حين سعت تركيا إلى تحويل المدينة المنورة لثكنة عسكرية وتتريكها لاحقاً وفصلها عن الحجاز وإلحاقها بالدولة العثمانية، بسبب مخاوف من قرب انطلاق الثورة العربية الكبرى على الاحتلال التركي من مكة المكرمة.

ففي عام 1915، ترجل في المدينة المنورة عدد كبير من الجنود الأتراك المدججين بالسلاح بقيادة فخر الدين باشا، الذي تفاخر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنسبه إليه، والمعروف بكونه أكثر الحكام الأتراك تسلطاً ودموية.

وأمر فخري باشا بتهجير قسري لكل رجل أو امرأة أو طفل من سكان المدينة، وتجفيف المدينة من سكانها وترحيلهم قسرياً إلى مناطق بعيدة في الشام وتركيا والعراق والأردن وفلسطين، والحفاظ قدر الإمكان على المدينة المنورة مرتبطة بالحكم العثماني، وتسليحها خوفاً من هجمات القبائل البدوية المحيطة بالمدينة والراغبة في تحريرها من الاحتلال العثماني.

وهيمن الاحتلال التركي لقرون على مقدرات الوطن العربي، وبدأت بوادر الثورة بالظهور في مكة والمدينة وبادية الحجاز للتخلص من الهيمنة التركية.

وكان القرار المتخذ من الأستانة في إسطنبول هو محاولة لاستباق الأحداث المتسارعة في إقليم الحجاز، وبقية الأقاليم العربية التي رزحت تحت الاحتلال التركي لقرون.

وخلفت "سفر برلك" كارثة خلال 5 أعوام، مدينة منكوبة يسكنها 2000 من العسكر الأتراك وبضعة عشرات من النساء والأطفال ممن حالفهم الحظ ونجوا من ذلك الترحيل الجماعي.

وأخذ فخري باشا عدة خطوات، كان من أهمها مد خط السكة الحديد الذي كان يتوقف عند باب العنبرية إلى داخل أحشاء المدينة، بل إلى قرب باب السلام تحديداً، هادماً في طريقه شارع العينية والأسواق والأسوار والبيوت على من فيها، وكان الهدف من ذلك تحويل الحرم النبوي إلى قلعة عسكرية ومخزن للسلاح دون مراعاة لحرمة الحرم النبوي الشريف، إضافة إلى ترحيل كل الكنوز النبوية التي لا تقدر بثمن إلى تركيا.

وأدت عملية التهجير الجماعية الواسعة عبر قطار الحجاز إلى ضرب النسيج الاجتماعي المتوارث للمدينة المنورة لعدة عقود لاحقة، كما أدت إلى مجاعة قاسية بين من تبقى من النساء والأطفال، حتى بلغ الأمر بالأسر لأكل حشائش الأرض والبرسيم وبقايا الحيوانات، وكان المحظوظ من بقي لديه مخزون من التمر.

كما وصل الحال بالنساء إلى العمل عند الجيش التركي حاملات للأتربة وبقايا ومخلفات طريق القطار حين هدمت الأسوار باتجاه باب السلام، للحصول على يومية تساعدهن في إعالة المتبقي من الأطفال والعجائز.

وتمثلت شناعة تلك الجريمة النكراء حسب الروايات المتواترة في المدينة المنورة، باقتحام جنود فخري باشا للبيوت الآمنة وكسر أبوابها عنوة وتفريق الأسر وخطف الأطفال والنساء من الطرقات دون رحمة، ومن ثم جرهم معاً أو متفرقين إلى عربات قطار الحجاز ليتم إلقاؤهم عشوائياً بعد رحلة طويلة في تركيا والأردن وسوريا واليمن والعراق ومصر.

ورداً على ذلك، حاصر الأشراف وقبائل عربية المدينة المنورة لشهور فيما صدرت الأوامر إلى فخري باشا بتسليم المدينة، فرفض واستمر في المقاومة لخمسة أشهر قبل أن يضطر للاستسلام تحت وطأة ضغط زملائه وتهديد قياداته.

كارثة إنسانية

ووفقاً للباحث أحمد أمين مرشد، ، فإن نكبة "سفر برلك لم يرحم خلالها جنود فخري أحد، حيث شتت أبناء المدينة وفرقت بين الزوج وزوجته، والأم وأبنائها، والأخ وإخوته، ولم تترك حينها صغيراً ولا كبيراً دون أن تجرع مرارتها".

ومن آثار هذه النكبة أيضاً ضياع تركة ثقافية واقتصادية تمثلت بإهلاك وسرقة ودفن الكثير من المخطوطات والمسكوكات النقدية والصكوك والذهب.

وتشير الوثائق التاريخية إلى أن فخري طلب بعد استسلامه وخروجه من المدينة أن يلقي خطبة من منبر المسجد النبوي الشريف، حيث صعد المنبر والورقة تهتز بين يديه وخطب في مساعديه ومعاونيه للاعتذار لمن بقي من أهل المدينة.

الآثار المسروقة

توجد الآثار المقدسة التي سرقها فخري باشا من المدينة المنورة إلى إسطنبول، في متحف قصر توب كابي وهذه بعضها:

القرآن الكريم الذي كُتب على جلد الغزال في عهد عثمان رضي الله عنه.

5 مخطوطات قديمة للقرآن الكريم إضافة إلى 4 أجزاء منه.

5 أغلفة للقرآن مطلية بالذهب ومزيَّنة بالأحجار الكريمة.

لوحة عليها اسم النبي مزينة بإطار فضي ومخمل أخضر وعليه أحجار من الألماس واللؤلؤ.

لوحة من الذهب الخالص عليها ألماس كتبت فيها الشهادتان.

7 مسابح من المرجان والأحجار

2 من الكراسي التي يوضع عليها المصحف في أثناء القراءة مزينان بالفضة.

شعار السلطان عبد العزيز المطرز والمزين بالذهب والألماس.

3 سيوف ثمينة.

أعمال قيمة من مكتبة سلطان محمود وغيرها من المدينة المنورة.

وكان الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، أعاد نشر تغريدة كتبها مغرد عرّف نفسه بـ"علي العراقي" تتعلق بفخري باشا، وذلك يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) الجاري.

وجاء في تغريدة العراقي، الذي يعرف نفسه بطبيب أسنان عراقي يعيش في ألمانيا: "هل تعلمون أنه في عام 1916 قام التركي فخري باشا بجريمة بحق أهل المدينة النبوية فسرق أموالهم وقام بخطفهم وإركابهم في قطارات إلى الشام وإسطنبول برحلة سُميت (سفر برلك)، كما سرق الأتراك أغلب مخطوطات المكتبة المحمودية بالمدينة وأرسلوها إلى تركيا، هؤلاء أجداد أردوغان وتاريخهم مع المسلمين العرب".

وأثارت هذه التغريدة استنفار السلطة في تركيا، التي اعتادت على التنصل من جرائهما كمجازر الأرمن وقتل الأكراد، حيث تدرج الرد عليها من الناطق باسم الرئاسة تلاه نائب رئيس الوزراء وانتهاء بأردوغان، الذي تطاول على الشيخ عبد الله بن زايد، مستغلاً كما عادة الإخوان أي فرصة للهجوم على الإمارات. 

وأثارت تلمیحات أردوغان بشأن وزير الخارجية الإماراتي عاصفة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دشن ناشطون هاشتاق كلنا عبد الله بن زايد على موقع، تعبيراً عن تأييدهم لموقف الشيخ عبد الله بن زايد ورفضهم للتطاول التركي والتنصل من الحقائق.".
نقلا عن موقع "24" الإماراتي