الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

الحسن زهور :الإسلاميون في المغرب ..لماذا "العداء" للامازيغية و للفرنسية؟

الحسن زهور :الإسلاميون في المغرب ..لماذا "العداء" للامازيغية و للفرنسية؟ الإسلاميون في المغرب

مشروع تعريب الحياة العامة في المغرب الذي أعيد، مؤخرا ، طرحه، للمرة الثالثة، من طرف بعض نواب العدالة و التنمية على البرلمان يطرح مشكلة "عداء" الإسلاميين في المغرب مع لغتهم الامازيغية من جهة و مع اللغة الفرنسية من جهة ثانية، هذا العداء التاريخي الذي يشهره بعض الاسلاميين في كل مرة يخطو فيها المغرب نحو المصالحة داخليا مع ذاته و خارجيا مع محيطه خصوصا الافريقي منه.

فبالنسبة للامازيغية لا أريد أن أسرد المحطات التاريخية لهذا العداء مع الموقف العدائي للراحل عبد السلام ياسين مرورا بكتابات الغلاة منهم و استهزاء السيد بنكيران من الامازيغية و وصف حروفها بالشينوية، و موقف الحزب في معارضته الشديدة ترسيم الامازيغية أثناء التحضير لدستور 2011 ... و الآن مشروع تعريب المغرب الذي يستهدف اللغة الامازيغية، و ليس الفرنسية كما يدعي اصحابه، لكن السؤال هو لماذا هذا "العداء" من طرف الإسلاميين للغة هي لغة أجدادهم و عمق هويتهم المغربية التي يحاولون التنصل منها؟

يكمن الجواب في البنية الايديولوجية التي تأسس عليها الفكر السياسي للاسلاميين بالمغرب، فهو فكر ايديولوجي تأسس على الأممية الإسلامية التي تتخذ العروبة قاعدة لها، و ليس الاسلام نتيجة تأثرها بالفكر القومي المهيمن على الساحة المغربية و العربية آنذاك.

الأممية الإسلامية التي استقاها الإسلاميون من ايديولوجية الاخوان المسلمين بمصر، لا تؤمن بالأوطان القومية، و لا بلغاتها لأنها في نظرهم تجزئ مشروعهم الأممي، و تعمل هذه الجماعة من خلال فكرها الايديولوجي و السياسي إلى العمل على إقامة الخلافة الإسلامية تكون لغتها الرسمية هي اللغة العربية، و في هذه النقطة يلتقي الإسلاميون و القوميون، و هو ما عبر عنه المفكر الراحل محمد عابد الجابري في احدى محاضراته بالامارات المتحدة في التسعينات عندما قال بان الوحدة الإسلامية لا يمكن أن تتحقق إلا باللغة العربية.

و بما أن الامازيغية تقف أمام هذا المشروع الأممي للاسلاميين؛ كلغة تحمل هوية و ثقافة و حضارة هذا الوطن؛ و تميزه عن غيره من الأوطان، سنعرف لماذا العداء لهذه اللغة.

و إذا عرفنا تميز المجتمع الامازيغي بأعرافه و قوانينه و رؤاه إلى الحياة و الوجود، و تميزه بالاعتدال و قبول الاختلاف و التعايش ،و بتطبيق قوانينه الوضعية التي يحتكم إليها في حياته الاجتماعية سنفهم لماذا هذا العداء من طرف الإسلاميين للغة الامازيغية الحاملة لهذا الفكر " التحرري".

أما بالنسبة لعداء الاسلاميين للفرنسية بالمغرب و مطالباتهم المتكررة باعتماد اللغة الانجليزية كلغة عالمية أجنبية محل الفرنسية، هنا مكامن الخداع لدى الاسلاميين، فليس المهم هو عالمية اللغة الانجليزية بقدر ما كان همهم هو تقويض الأسس العقلانية و التنويرية التي تحملها اللغة الفرنسية باعتبارها لغة الثورة الفرنسية ولفة الفكر التنويري الفرنسي، في حين ان اللغة الانجليزية أصبحت اليوم لغة وعائية بدون أسس فكرية تميزها، عكس اللغة الفرنسية التي تحمل ملامح التنوير، و هذا هو سبب عداء الاسلاميين للغة الفرنسية أي عداؤهم للفكر التنويري الذي تحمله هذه اللغة، فبإضعاف هذه اللغة في البلد يسهل على الاسلاميين أحكام هيمنتهم الفكرية على البلد أي أخونته و أسلمته حسب منظورهم الفكري و هو ما سهل عليه الأمر في مصر و في البلدان الأخرى العربية التي انتشرت فيها الانجليزية.

و من جهة أخرى ، فمعاداة الفرنسية اليوم هو معاداة للتوجه المغربي نحو محيطه و عمقه الإفريقي الذي هو الدول الفرنكفونية الذي بدأ المغرب الآن يسترجع فيها و بها زعامته التاريخية بالاندماج في هذا العمق الذي أخطأ المغرب سابقا بإغفاله نتيجة هيمنة ايديولوجية تتهافت نحو الشرق مما نتج عنه انكسارات في مسيرة المغرب( محاولة ربط المغرب بالشرق بالقوة وصلت أحيانا إلى الإستقواء بالأجنبي للانقضاض عل الحكم)، و أدى المغرب ثمنها في نهضته الفكرية و الحضارية و الاقتصادية، كما ادى الى نشر فكر متطرف يسعى إلى الانتحار و الموت من اجل قضايا الآخرين. فالشرعية السياسية للإسلاميين كما يحلمون هي الأسلمة الشاملة للمجتمع بمفهومهم الفكري و الايديولوجي باكتساب المواقع و لن يتسنى لهم  الا باضعاف الامازيغية و الفرنسية في المغرب بما يحملانه من فكر تنويري.

ما يجب أن يفهمه الاسلاميون المغاربة ( و قد بدؤوا في فهمه الآن رغم أن البعض منهم ما يزال يحلم بالأممية الإسلامية الاخوانية) هو أن المغرب بلد متميز بحضارته و بهويته و jبخصوصيته التي استمدها من هويته الامازيغية، فلن نفرط في لغتينا الامازيغية و العربية، كما لن نفرط في اللغة الفرنسية كلغة عالمية لها نصيب تاريخي في بلدنا رغم ارتباطه بالاحتلال الفرنسي.

- الأستاذ الحسن زهور، باحث ومحلل سياسي ومن كتاب الأمازيغية