الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي: المغرب والقضية الفلسطينية: دعم ومساندة بلا أي مزايدة

عبد القادر زاوي: المغرب والقضية الفلسطينية: دعم ومساندة بلا أي مزايدة عبد القادر زاوي
يشكل قرار الإدارة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل تحديا كبيرا أمام المجتمع الدولي وفي مقدمته الدول العربية والإسلامية ناهيك عن الفصائل الفلسطينية على اختلاف مسمياتها. وقد حصل ما يشبه الإجماع على إدانة هذه الخطوة واعتبارها مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي ولمقتضيات عملية السلام التي تعتبر واشنطن راعيها الرئيسي.
وللأسف، لم تصل المواقف وردود الفعل العربية والإسلامية إلى مستوى مجابهة هذا التحدي، وبدت كالعادة غير منسجمة ولو في الحد الأدنى؛ بل إن البعض وجدها فرصة لكيل الاتهامات المجانية لبعض الأنظمة بالتقاعس أو حتى بالتآمر على الفلسطينية وذلك بأساليب الصوت العالي وتشويه الحقائق التاريخية.
في هذا الصدد سجلت محاولات النيل من الموقف المغربي نظرا لرئاسة عاهل البلاد للجنة القدس منذ تأسيسها والغمز من زاوية عدم الإسراع بانعقادها.
إن تسفيه هذه المحاولات وكشف ما يختبئ من لؤم وراءها أمر يسير بالعودة إلى حقائق التاريخ المعاصر. بعد هزيمة 1967 لم تكن القضية الفلسطينية في عرف المجتمع الدولي قضية شعب محتل، وإنما مسألة لاجئين فقط كما هو معبر عنه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242. ولم تكتسب صفة شعب تحت الاحتلال إلا عندما اعترفت القمة العربية بالرباط سنة 1974، وبمبادرة من الملك الحسن الثاني رحمه الله بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني؛ مما فسح المجال أمام الرئيس ياسر عرفات للدخول لأول مرة إلى الأمم المتحدة ومخاطبة جمعيتها العامة. وكما هو معروف لم يكن ذلك الاعتراف أمرا هينا في ظل تحفظات أردنية ظلت قائمة إلى غاية إعلان فك ارتباط الأردن بالضفة الغربية سنة 1988.
وقبل ذلك كان الملك الحسن الثاني قد بادر عقب إحراق المسجد الأقصى إلى الدعوة للتضامن الإسلامي في مواجهة ذلك الموقف؛ الأمر الذي انتهى بتأسيس (منظمة المؤتمر التعاون الإسلامي) سنة 1969، والتي أحدثت ضمنها لجنة القدس سنة 1979 التي أنيطت رئاستها بالمغرب منذ ذلك الحين دون أن يعترض أو يمتعض أحد من تلك الرئاسة إلى يومنا هذا.
وعندما رأى المغرب أن بيانات التنديد والشجب لن توقف التهويد الممنهج للقدس الشريف بادر إلى تأسيس بيت مال القدس الشريف كآلية لجمع تبرعات مالية كفيلة بدعم جزء من صمود المقدسيين عبر تمويل بعض من برامجهم الإسكانية والعمرانية وترميم مآثرهم الثقافية والدينية لمساعدتهم على تشبتهم بأرضهم والبقاء في أماكنهم وعدم الخضوع للإغراءات الكبيرة لبيع وتفويت ممتلكاتهم.
ويحسب لبيت مال القدس الشريف أنه لم يفرق إطلاقا في المشاريع التي مولها بين ممتلكات المسلمين وممتلكات إخوانهم المسيحيين. إن مواقف المغرب إزاء القضية الفلسطينية كانت دائما مبدئية، لم تسع يوما إلى مصادرة القضية أو مصادرة قرار ممثليها والمتاجرة بهما لمصالح ضيقة، كما لم تزايد أبدا على أصحاب القضية الأصليين وإنما تجاوبت دوما مع كل قرارات الشرعية الفلسطينية.
هكذا دعم المغرب وساهم في عملية السلام المنبثقة عن مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991 وبادر إلى احتضان أول مؤتمر اقتصادي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا MENA سنة 1994، كما قام بطلب من السلطة الفلسطينية بفتح مكاتب اتصال في كل من غزة وتل أبيب. وحين تأكد من استهتار الجانب الإسرائيلي وتسويفه في عملية السلام، ورغبة منه في دعم الانتفاضة الثانية سنة 2000 لم تكترث الرباط لأي مناشدات فبادرت إلى إغلاق مكتب الاتصال بتل أبيب وفرض إقفال المكتب الإسرائيلي بالرباط مع استمرار مكتب الاتصال بالسلطة الفلسطينية ونقله إلى رام الله حيث يعمل لحد الآن رغم كل المضايقات والاستفزازات الإسرائيلية.
ومرد هذه المواقف المبدئية غير العنترية هو هذا التعاطف العفوي الشعبي والرسمي مع القضية الفلسطينية باعتبارها أكثر القضايا العادلة في العالم تعرضا للظلم، وهو تعاطف عام يجسده انضواء كافة القوى الحية في البلاد في الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني.
في ضوء هذه المعطيات التاريخية تنبغي دراسة مواقف المغرب الأخيرة المنددة بالإجراءات الأمريكية والمحذرة من عواقبها الوخيمة. ولا شك أن خطوات عملية ستأتي لاحقا بعد التشاور والتنسيق مع أصحاب الشأن. فالقضية الفلسطينية في المغرب قضية وطنية ترقى إلى مستوى قضية الوحدة الترابية للمملكة.