الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: استنكار دولي لعودة تجارة النخاسة بليبيا

يوسف لهلالي: استنكار دولي لعودة تجارة النخاسة بليبيا يوسف لهلالي

قضية الاتجار في البشر والعبودية بليبيا شكلت احد القضايا الكبرى التي شغلت الرأي العام العالمي، وكانت احد القضايا التي طرحت على القمة الأوربية والأفريقية الأخيرة بليبيا، حيث دعا الرئيس الفرنسي الى "اتخاذ مبادرات عسكرية وبوليسية لتفكيك شبكات الاتجار في البشر بين الاتحاد الأوربي والاتحاد الافريقي والحكومة الليبية."

هذا الوضع بليبيا اثار ردود فعل دولية قوية بعد التقرير الذي نشرته "السي ان ان" الامريكية والذي كشف انتشار ممارسة إجرامية بليبيا وهي   بيع مهاجرين افارقة في سوق لنخاسة يتم التزايد فيه على الأشخاص مثل ما كان يتم في عهود العبودية او التجارة الثلاثية، التي كانت تتم بين افريقيا اوربا والمستعمرات، وهو ما أثار موجة استنكار في المجتمع الدولي، ودفع العديد من البلدان الافريقية الى استدعاء سفرائها بطرابلس، التي أعلنت حكومة الوفاق الوطني بها عن فتح تحقيق بشأن هذا الموضوع. الجميع يتساءل عما يمكن ان يقوم به هذا المجتمع الدولي بعد الكشف عن هذه الجريمة في بلد مزقته الحرب منذ الإطاحة بالنظام السلطوي للكولونيل معمر القدافي.وهو ما يجعل المسؤولية الدولية للبلدان التي ساهمت في هذا التحول بليبيا قائمة دون القيام بواجبها، وهو المساعدة على إيجاد حل وإعادة بناء دولة بهذا البلد المغاربي الذي مزقته الحرب. الازمة بليبيا وفضيحة بيع المهاجرين تعكس أيضا هذا التذبذب والتمزق الأوربي في معالجة قضية الهجرة واللجوء والتي غلبت المقاربة الأمنية في غياب لمقاربة تنموية تجاه سكان هذه البلدان. اوربا مازالت بعيدة عن القيام بدورها، بين بلد اختار الانفتاح بشكل إيجابي واستقبال اكثر من مليون لاجئ خاصة من سوريا وهو ما قامت به المانيا، التي لم تسايرها اغلب بلدان اوربا التي اقتصرت على استقبال عدد محدود لا يتلاءم مع مسؤولياتها وقدراتها مثل فرنسا في عهدة الرئيس فرنسوا هولند، الخطاب القوي لرئيس الجديد ايمانييل ماكرون واستدعاء لاجتماع طارئ لمجلس الامن  هو مؤشر على تحول في سياسة باريس اتجاه اللجوء واتجاه حل معضلة الاتجار بالبشر التي تقوم بها شبكات إجرامية بليبيا وافريقيا و تستغل غياب دولة بهذا البلد الذي لم يخرج بعد من حالة انهيار لمؤسساته السياسية التي واكبت سقوط النظام

ليبيا أصبحت ممرا رئيسيا للهجرة الغير المنظمة  نحو اوربا تتم فوق اراضيها ممارسات إجرامية أخرى تحدثت عنها مختلف وسائل الإعلام، بالإضافة الى ممارسات العبودية، وظواهر أخرى وهي اختطاف وحجز المهاجرين وطلب فدية مقابل تحريرهم،وتعرفها العديد من الاسر المغربية وهي ممارسة انتشرت وتقوم بها عدة مجموعات مسلحة والتي تنتقم من أبناء العائلات التي تعجز عن الدفع او تقوم ببيعهم لمجموعات أخرى اذا كانت لهم قدرات على العمل او تكوين جيد.هذه الممارسات يروح ضحيتها كل المهاجرين، وتم مؤخرا الحديث بشكل مسهب عن المهاجرين من افريقيا جنوب الصحراء، لكن هذه الممارسات لا تستثني اية جنسية، وهناك تسريبات عن ما يتعرض له مهاجرون مغاربة وتونسيون،جزائريون ومصريون ضحايا لنفس الممارسات، من احتجاز ومطالبة بالتعويض وبيع في سوق النخاسة.لقد اصبح هذا البلد تحث رحمة المجموعات المسلحة الاجرامية التي تنخر هذا البلد والتي وجدت في الاتجار  بالبشر سلعة مربحة في غياب اية مؤسسات قادرة على تطبيق القانون ومحاكمة هذه الجرائم ضد الإنسانية كما وصفها الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون.

الذي قال في نفس التصريح ب "تنديده المطلق لفرنسا "، ومن الضروري أن "نذهب أكثر من ذلك لتفكيك شبكات" المهربين"، وذلك بعد اجتماعه الاسبوع الماضي  بباريس مع رئيس غينيا ألفا كوندي الذي يتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي.

الرئيس الفرنسي تحدث عن  ما كشفته "سي إن إن" "يمثل فعلا تجارة بالبشر. ، معتبرا أن هذه التجارة "تغذي الجرائم الأكثر خطورة" و"الشبكات الإرهابية" فيما "تولد 30 مليار يورو سنويا وتمس مع الأسف 2,5 ملايين شخص،واغلب ضحايا هذه الجرائم  80% منهم من النساء والأطفال".

المغاربة في ليبيا يعيشون وضعية خاصة والتي وصفها المركز المغربي للحقوق حيث يتم  " احتجاز نساء ورجال وأطفال،على خلفية اقدامهم على الهجرة الغير الشرعية،جريمة نكراء تنطوي على انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان"،وطالب المركز "باطلاق صراح هؤلاء المحتجزين المغاربة". وصور هؤلاء المحتجزين وضعه المأساوي اصبح متداولا على تطبيقات الواتساب التي يبعث بها الضحايا بأنفسهم الى عائلاتهم،ويبدو ان عمليات الحجز القصري هذه يساهم فيها سماسرة مغاربة،الذين يقومون ببيع مواطنيهم بليبيا مقابل الف أورو حسب عدة شهادات لضحايا في اتصال مع عائلاتهم. وتتعرض العائلات بعد ذلك للابتزاز من خلال طلبات فدية التي يتكفل سماسرة مغاربة أيضا لإيصالها الى ليبيا.وهي مطالب خضعت لها العديد من الاسر لانقاد فلذات اكبادها. وهناك العديد من الشهادات لناجين من عصابات الهجرة السرية التي تبيح كل الاعمال في غياب دولة ومؤسسات بهذا البلد الذي تمزقه الصراعات.

 التنديد ببيع المهاجرين بليبيا والذي يقوم به المهربون عمل ادانته كل البلدان لاستنكار هذا الوضع الكارثي واللاانساني الذي قامت به شبكات اجرامية تنشط بليبيا وتحصل على موارد ضخمة من خلال الاتجار في البشر، امام عجز المجتمع الدولي، خاصة البلدان التي ساهمت في القضاء على نظام القدافي.وهو ما يجعل المسؤولية قائمة و تتحملها بلدان اكثر من اخرى. لهذا فان موقف الرئيس الجديد لفرنسا، هو يعبر عن رغبة اصلاح وتجاوز لما تركه اسلافه في هذا الموضوع اي نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولند.

فرنسا من خلال رئيسها عبرت عن رغبة قوية في نهج سياسة جديدة في مجال الهجرة واللجوء، بعد ان كانت لها سياسة منغلقة في هذا المجال.وهي نتيجة سنوات من التشدد في القوانين وتفشي افكار اليمين المتطرف وسط المجتمع، حيث بدأت في السنوات الاخيرة تعتبر الهجرة واللجوء كظاهرة جد سلبية، وهي وضعية تعززت بنجاح  رئيس فرنسي من اصول اجنبية سنة 2007 وهو نيكولا ساركوزي ومتزوج من مغنية من اصول اجنبية ايضا، لكن المفارقة وهي ان وجود ابن مهاجر في قمة السلطة بفرنسا نتجت عنه عشرات القوانين المتشددة خاصة في التجمع العائلي والتي كانت تستهدف الهجرة القادمة من المغرب وباقي بلدانى المنطقة.واحداث وزارة للهوية الوطنية والتي اججت وأعطت الشرعية لكل تيارات اليمين المتطرف الهوياتي والتي ترى في الاجنبي خطرا خاصة القادمون من بلدان ذات ثقافة اسلامية.

الرئيس الفرنسي الجديد الذي يحمل خطابا ليبراليا وموقفا ايجابيا حول الهجرة وحول الاسلام من شأنه ان يكون له تأثير على المؤسسات السياسية بفرنسا وعلى الفاعلين في مختلف المستويات خاصة انه تمكن من هزم الفكر "اللوبيني" على المستوى الاعلامي من خلال مواجهة زعيمته مارين لوبين خلال الانتخابات الرئاسية والانتصار عليها عبر خطاب متفتح على الاجانب والهجرة وعلى ضرورة استكمال البناء الاوربي.وهي قيم اقرب الى قيم فرنسا وقيم ثورتها التي تعتبر نموذجا لعدد كبير من بلدان العالم.

المفاجأة الاوربية في التعامل مع الهجرة واللجوء كانت للمستشارة الالمانية انجيلا ماركيل، والتي رغم انتمائها الى عائلية يمينية محافظة نهجت سياسة منفتحة تجاه الهجرة، رغم الظروف الصعبة التي تمت فيها وهي ظروف مواجهة الارهاب باروبا سنة 2015 التي تزامنت مع استفحال الوضع الامني والعسكري بالعراق وسوريا وتمكن تنظيم داعش الارهابي من الاستحواذ على مساحة ترابية كبيرة وعدة مدن مهمة جعلته يتوفر على امكانيات لتهديد البلدان الاوربية.ورغم هذه الظروف الخاصة نهجت المانيا سياسة تجاه المهاجرين خصوصا اللاجئين منهم كانت سياسة تعطى كنموذج  ببلدان الاتحاد الأوربي،باستقبالها لأكثر من مليون وافد خلال سنة واحدة، لكن هذه السياسة ووجهت بالرفض من باقي البلدان الاوربية الأخرى خاصة بلدان اوربا الشرقية التي رأت فيها منافسا ليدها العاملة التي تعتبر سوق الشغل بألمانيا  متنفسا كلاسيكيا لها.

ما يقع بليبيا و تم اعتباره "جرائم ضد الإنسانية " من طرف فرنسا،  هو ناتج عن غياب التعاون الأوربي في هذا المجال ومع باقي البلدان المتوسطية والافريقية، و تسبب في ماسي انسانية تعيشها ليبيا اليوم  .فرنسا طرحت القضية امام مجلس الامن من خلال دعوتها لاجتماع طارئ وأعلنت سياسة جديدة للجوء وهو ما يفتح الباب امام تعاون دولي واوربي افريقي في هذا المجال.وهو تعاون غاب مند انهيار نظام القذافي، وما ساد في التعامل مع الهجرة واللجوء القادمة من ليبيا هو المقاربة الأمنية  الفردية لكل بلد على حدا وتم ترك كل الثقل على إيطاليا لاستقبال هذه الموجات من الهجرة القادمة من افريقيا، في حين ولأسباب داخلية فان كل بلد اختار إيقاف هذه الهجرة بطرقه الخاصة وعلى حدوده. وحتى القوة الاوربية التي تم انشاؤها لهذا الغرض لمراقبة السواحل الليبية هي تسير في اتجاه اعتماد  مقاربة امنية محضة ، دون وضع مقاربة تنموية ولتعاون في المنطقة من اجل إيقاف هذا النزيف البشري القادم من عدد من بلدان افريقيا التي هي في حاجة لهذا الكفاءات لو توفر الوسائل المالية والاستثمار لإطلاق مشاريع بهذه المناطق جنوب الصحراء التي تضررت من الحرب ومن الجفاف الذي يمس عددا من البلدان.وهي مقاربة دعى لها المغرب باستمرار و اصبح هو الأخر بلد لاستقبال الهجرة القادمة من افريقيا، لكن في نفس الوقت اصبح من اكبر المستثمرين في هذه البلدان وذلك بمقاربة "رابح رابح" بين بلدان الجنوب بدل الاعتماد على المقاربة الأمنية لوحدها التي اثبتت محدوديتها وعدم نجاعتها رغم اعتمادها لعقود عديدة.والنموذج المغربي في التعاون جنوب جنوب اصبح ينال الدعم الأوربي خاص الفرنسي والألماني مما يعني ان محور تعاون شمال جنوب نحو افريقيا من شأن إيقاف هذا النزيف البشري الذي تتعرض لها افريقيا.