أثارت قضية رفض الحكومة المغربية للوكالات المفوضة التي تحرر وتوثق من طرف أفراد الجالية المغربية في الخارج لدى قنصليات المملكة، ردود فعل متباينة. "أنفاس بريس" اتصلت في هذا الشأن بالنقيب السابق لهيئة المحامين بالدار البيضاء ذ.عبد اللطيف بوعشرين، وأجرت معه الحوار التالي:
بداية كيف تقرأ الإجراء الجديد القاضي برفض وكالات التفويض المنجزة بالخارج، وخاصة من طرف أفراد الجالية والموثقة بالقنصليات المغربية؟
إننا أصبحنا أمام قوانين موسمية مناسباتية بخصوص الظاهرة التي طفت، مؤخرا، على السطح، والتي فضحت تلاعبات شبكة كبيرة من الأشخاص الذين كانوا ينشطون وعلى غفلة من الجميع في الاستيلاء على عقارات الأجانب، بشكل كبير، وذلك عن طريق تزوير الوثائق، وخاصة الوكالات، إذ ثبت أن جميع البيوعات تمت على هذا المنوال. والكرة الآن في ملعب المشرع المغربي الذي من الواجب عليه بطبيعة الحال التدخل لتأسيس إطار لحماية والاحتراز من الاعتداء على ملك الغير، وذلك بالتحفظ على الوكالات وخاصة تلك تحرر في الخارج.
إلى أي حد يمكن اعتبار هذا الاحتراز مقبولا وسليما، ولا يشكل إكراها بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج؟
كان من اللازم التدخل واتخاذ مثل هذه التدابير، بالنظر إلى الأوضاع الراهنة التي يعيشها العقار وما يعانيه من مشاكل وبعض التجاوزات. لهذا، كي أوضح، فعندما يأتي أجنبي إلى المغرب ليستثمر سواء في العقار أو غيره بيعا أو شراء أو تفويتا، ويغيب سنتين أو ثلاث سنوات، ليكتشف بعد رجوعه بأن عقاره سلب منه بطريقة مجهولة، فهذا له آثار سلبية، حيث يفقد ما يسمى الأمن العقاري في البلاد المصداقية. فما هو ملاحظ اﻵن -وهذا توجه دولي عام يشمل سائر الدول وليس فقط المغرب- أنه عندما يكون أي نوع من الأمن، سواء كان عقاريا أو اقتصاديا أو قانونيا أو غيره، مهددا من قبل المواطنين أو الرعايا الذين يقيمون في البلاد، ومن شأن هذا التهديد أن يشكل ضررا بحقوق الغير الأجنبي، وغير المقيم، فإن هذا التهديد يستدعي تدخل المشرع.
لهذا فأنا أقول لك وأكرر أنها قوانين مناسباتية فعلا. ولكن لا بد منها على سبيل الاحتراز لصون حقوق الغير الأجنبي، وأقصد ليس الغير بمفهومه الضيق، وبالتالي فأنا مع هذا الاحتراز في أقصى حدوده، لأننا عاينا في المحاكم اﻵن المئات من الملفات والاكتشافات التي تعرض يوميا وبصفة مستمرة، وبات من الضروري تدخل المشرع لتدارك الوضع.
ومن جهة أخرى، عندما نرجع إلى القانون الوضعي المغربي نجد أن الوكالة لا تمنح إلا لواحد من أقرباء الموكل من الدرجة الأولى وتمتد إلى الدرجة الرابعة. لكن ما سجل هو أن أعضاء الشبكة يدلون بوكالة في الوقت الذي لا تربطهم مع الموكل أية صلة قرابة ويتصرف في عقار من يدعي منحه الوكالة في البيع والتفويت!
إذن في نظرك التعديل الأخير في الفصل الرابع من قانون الحقوق العينية 39/08 يأتي في سياق التصدي لهذه الظاهرة؟
أكثر من ذلك فهو عين السياق، لماذا؟ لأننا اليوم لدينا توجه سياسي اجتماعي واقتصادي، واخترنا الانفتاح على إفريقيا، وكذلك على أوروبا بسياسة ملكية واضحة. ومن أجل تأسيس حماية وأمن عام في البلاد لمجموع الحقوق العينية وغير العينية، ومن اجل نجاح رهان هذا التوجه الوطني والدولي الجديدين، لا بد من التوفر على حقوق عينية محترزة محمية مصونة عينية أو غير عينية، وذلك لتشجيع وتحفيز المتعامل معك من المستثمرين وغيرهم، حيث تجعله يتعامل معك وهو في طمأنينة وأمان. أما إذا حدث العكس يقوم المستثمر الأجنبي بالشراء وشبكة متربصة به تبيع ما اشتراه وراء ظهره، فهذا مس وتهديد بالأمن العقاري الذي يهدد جلب المستثمرين.
ويمكنني القول إني مع التعديل في المادة الرابعة، والذي قيد شروط تحرير الوكالة، بل وأتبناه، وإلا كيف يفسر، مثلا، أن أخاك يقيم في أمريكا وفي زيارته للمغرب قام بشراء عقار عبارة عن أرض صالحة للبناء وغاب لمدة أربع أو خمس سنوات، ليوفر المؤونة المالية كي يبنيها، فيفاجأ لدى عودته بأن أرضه قد تم بيعها لطرف آخر بواسطة وكالة، وأنت بنفسك توجد في المغرب ولا علم لك بما وقع لأخيك!! فهذا أمر غير مستساغ ولا بد من الحد من مثل هذا الاعتداءات على العقارات.