الثلاثاء 16 إبريل 2024
فن وثقافة

"صقر" فن العيطة الشيخ عمر الزيدي يحكي سفره الفني في جغرافية عبدة الساحرة (06)

"صقر" فن العيطة الشيخ عمر الزيدي يحكي سفره الفني في جغرافية عبدة الساحرة (06) الشيخ عمر الزيدي (يمينا) رفقة الزميل أحمد فردوس

في ثلاث ليالي متتالية من النبش والنقاش، خرجت "أنفاس بريس" بانطباع يعزز مكانة الشيخ عمر الزيدي التماني، ليتم تصنيفه صقرا من صقور تراث فن العيطة، بكل تفرعاتها، بعدما قلبت صفحات ذاكرته الفنية والطربية والغنائية.. كيف لا يكون "صقرا" وهو الذي ترعرع واشتد عوده في "عش الفن" بحي مولاي الحسن القريب من سيدي عبد الكريم وواد الباشا وجنان الشقوري، تلك الفضاءات التي تعتبر مفاتيح أبواب ومعالم مجال جغرافية عبدة الساحرة لولوج عاصمة السمك والفخار مدينة أسفي. من هذا المغرس والمنبت حلق الصقر بجناحين متوازنين نحو الأفق الرحب مسجلا مساره الفني رفقة العديد من الشيوخ والشيخات، كاتب كلمات وملحن وعازف وضابط إيقاع ومغني وحفاظ للقصائد "الشعبية" بمختلف أصنافها ومواضيعها. ضمن هذه السلسلة من سفرنا الفني مع صقر فن العيطة نقدم للقراء الحلقة السادسة:

قبل أن نصل إلى الحديث عن نبوغ صقر العيطة السي عمر الزيدي على مستوى الإبداع في كتابة الكلمات، وصناعة أجمل النصوص الغنائية الشعبية، التي كانت سببا في تألق العديد من الفنانين الشعبيين، والتي عكست صورة واقعية لعدة ظواهر اجتماعية وسط المجتمع المغربي، وتلحينها وغنائها من طرف عدة شيوخ الفن الشعبي بالمغرب مثل الشيخ الفنان عبد العزيز الستاتي، والشيخ سعيد ولد الحوات وغيرهم، والتي كان فيها الفضل لـ "صقر العيطة". كان لا بد من فتح باب أسئلة اقتحام مجال النجومية، ولماذا تأخر الشيخ عمر في إصدار البومات غنائية مع مجموعة فنية تحت رئاسته، تبرز وتبصم على علو كعبه سواء على مستوى حفظه لنصوص الأغاني العيطية بامتياز، أو على مستوى توظيفه الآلات الطربية والإيقاعية الأصيلة التي يصر على حضورها في المشهد الفني الشعبي، والأصوات المتناغمة والمتجانسة مع النصوص والعزف والإيقاع. ومتى سيخرج من كواليسه الفنية لمعانقة جمهور الطرب الفني الشعبي بصفة عامة والأغاني العيطية بصفة خاصة.

في هذا السياق يقول السي عمر "اعتكف على تسجيل أغاني عيطية بطريقة تحترم ذكاء المتلقي، وتكتمل فيها شروط الأداء فنيا وتاريخيا ومجاليا، وتحترم أيضا مضمون الكلمات في حدها الأدنى على الأقل دون زيادة ولا نقصان، وأتمنى أن أوفق في ما نقبت عنه من قتيبات لمجموعة من الأغاني العيطية....". واعتبر في حديثه عن جديده/ القديم، المتجدد أن "الأساسي في عملي الفني الذي سيرى النور خلال سنة 2018، هو إعادة ربط وتلحيم وصياغة الأغاني العيطية وتقديمها بالشكل الأصلي والأصيل " واستطرد شارحا وموضحا عمله الفني بالقول " مخزوني من كنوز الأغاني العيطية الذي حفظته، سأوظفه وفق ما استلهمته من الرواد، وسأعيد انتساب قتيبات الأغاني العيطية لفروعها الأصلية في النصوص الغنائية، على مستوى الموضوع أو السياق التاريخي وكذا جمالية الصورة الشعرية بالإضافة إلى دلالاتها ورمزيتها". وأعطى مثالا عن عمله الفني قائلا "اشتغلت على الأغنية العيطية "رجانا في العالي".. وأعتقد بكل تواضع أنني جمعت قتيباتها وكلامها الشاعري الذي لا يمكن أن يحذف منها تحت أي مبرر، أو تغيير مفرداتها وإقحام أخرى خارج سياقها الابداعي احتراما للرواد وللموروث الثقافي الشعبي على مستوى تراث فن العيطة، الذي اجتهد مبدعوه الأوائل في إيصاله لنا دون توثيق".

وعن عيطة "سيدي حسن"، التي أضحت أغنية من الأغاني التاريخية التي توثق لمرحلة من حكم السلطان الحسن الأول بعد وقبل مماته، أكد صقر العيطة قائلا "سأقوم بتسجيل هذه لأغنية بطريقة أصيلة وأصلية، من حيث الإيقاع سأعتمد على الآلات الإيقاعية الأصيلة، وعلى مستوى الأصوات كذلك، واعتقد أنني توفقت في جمع أبياتها الشعرية وحافظت على "القتيبة والسوسة"، مرتكزا على ما سمعته وحفظته عن طريق تواصلي مع الرواد". وأضاف، بعد أن قدم نموذج عيطة سيدي حسن التي ستصدر له ضمن مجموعة من الأغاني قريبا "الواد الواد يا اللي ما عندو كواد" هي سوسة حوزية لأغنية عيطة سيدي حسن، ولا يمكن أن نجزئها ونقتطعها من الأصل ونقدمها على أساس أنها أغنية مستقلة عن العيطة المذكورة.. وعلل مرافعته بأن "أغلب أغاني العيطة المرساوية تنتهي بالسوسة الحوزية".

وللاستدلال على عمله الفني والترافع عنه أكد أن "عيطة سيدي حسن كان يحفظها الشيخ المتميز مْعلمْ السي محمد الدعباجي والشيخة عيدة، الفنان القدير أبا لشهب، فقط..."، ورفع من شأن هذا الهرم في ميدان تشياخت مؤكدا أنه "شيخ لا يعوض، وكان مرجعا أساسيا وهرما كبيرا من أعلام فن العيطة بمنطقة عبدة، يحفظ العيوط العبدية والحوزية والمرساوية، ويضبط موازينها وإيقاعاتها وكلماتها دون منازع، وهذا الكلام تؤكده الشيخة عيدة بلسانها كشاهد على العصر الذهبي لفن العيطة".

وفي سياق استشهاده بالشيخة عيدة أضاف بأنها أكدت له مرارا وتكرارا بأن عيطة "سيدي حسن لم تكن مطلوبة للغناء سابقا في الأعراس والحفلات، ولم تكن مجموعتنا الغنائية تجرأ على غنائها إلا تحت الطلب، وكان الوحيد الذي يؤديها كاملة بفرقة الشيخ الدعباجي الفنان الشيخ أبا لشهب". واسترجع ذكرياته الطفولية مستحضرا مشهدا دراميا خلال قصارة/ حفل خاص ضم "رياس البحر" في إحدى جلساتهم وخلوتهم مع رباعة الشيخ السي محمد الدعباجي، وقال "أتذكر أنه خلال إحدى جلسات رياس البحر الطربية، والتي كانت تقدم فقراتها الغنائية مجموعة الشيخ الدعباجي، لم يسمح لنا نحن الاطفال باقتحام فضاء الجلسة الحميمية، وكنا ممنوعين من الولوج للاستمتاع بالغناء والطرب، لأسباب لم نعرفها إلا بعد بلوغنا سن الرشد، لكن بعد منتصف الليل وإصرار البعض منا على اقتحام عالم تلك الجلسة الخاصة، منحت لنا فرصة متابعة السهر بشروط". وأضاف "نعم سمح للبعض منا بالدخول، لكن المفاجأة كانت غير سارة، حيث لاحظنا أن أغلب الحضور قد دخل في نوبة بكاء ويمسحون دموعهم التي انسابت على خدودهم، بالموازاة مع أداء عيطة سيدي حسن، ولم نفهم السبب آنذاك ، إلا بعد أن علمنا أن الأغنية تذكر بمسار وفترة تاريخية مؤلمة من تاريخ المغرب".

وأنت تجالس صقر العيطة تتسابق الأسئلة في ذهنك، وتنتابك فرحة تلقي الحكي والقصص المنسوجة حول عالم تشياخت، لأن الشيخ عمر يروي بلسان تلقائي دون تصنع، ودون أن يزايد على البعض، لأنه عاش في كنف الرواد وعاشرهم أحسن معاشرة فنية "لقد منحني الله موهبة الحفظ، والتلقي الإيجابي للمعلومة في ميدان فن العيطة خاصة، والطرب وتراث الغناء الشعبي عامة، وانخرطت ضمن مجموعات غنائية رائدة، وأديت نصوص غنائية مع فرقة الشيخ الدعباجي، ورافقته في تسجيل عيطة الرادوني كضابط إيقاع عند استوديو "صوت الجمال" بعد أن ألححت عليه بتسجيلها آنذاك، حتى لا تضيع وتتلاشى هياكلها وأساساتها".

وبافتخار أكد عمر الزيدي أنه "لولا الشيخ السي محمد الدعباجي لانقرضت عيطة الرادوني، وماتت نهائيا". واستحضر في سياق حديثه عن مرافقة الرواد أنه "اشتغل مع المرحومين الشيخين الخماري ولبيض، والشيخ الحلاوي، وآخرين".