هذه العبارة سمعتها من أحد المناضلين الاتحاديين القدامى، منذ أن شرع "بنكيران" في تصفية صندوق المقاصة. لم أعر لها كبير اهتمام، آنذاك. ومع تتوالى الأحداث، بدأت هذه العبارة تطرق مسامعي، من حين لآخر. وقد حاولت، من خلال مقالات الرأي، مقاربة بعضها والكشف عن خطورتها على النسيج الاجتماعي.
لكن، منذ أن أصدر السيد رئيس الحكومة، "عبد الإله بنكيران"، بلاغا، يطلق فيه النار على وزيره في الاقتصاد والمالية - لا لشيء إلا لكونه "تجرأ" ورد، كتابة، على مراسلة فريقين من المعارضة حول قضية الأساتذة المتدربين والحلول الممكنة لهذه القضية التي تسببت في احتقان كبير داخل المجتمع ـ استحوذت مقولة الاتحادي المشار إليه أعلاه على ذهني وأصبحت عبارة "هاذْ بنكيراااان، فْرااااااااااسو شي حاجة !!!"(وقد حاولت أن أعكس، رسما، نبرة صاحبها حين نطقها أول مرة) تشغل بالي وتهيمن على تفكيري.
ويثير تعنت رئيس الحكومة في هذا الملف وإصراره على عدم التراجع عن الخطأ الذي أقر به، خلال لقاء حزبي، الدهشة والاستغراب. ورغم أني أمقت قراءة النوايا أو محاكمتها(وهذا ما يتسبب لي، أحيانا، في تشنج مع بعض الأصدقاء أو بعض أفراد العائلة)، وأني لست من الذين يميلون لنظرية المؤامرة في تفسير كل الوقائع والأحداث، فإنه من الصعب علي أن أحافظ على هذه المسافة في قضية الأساتذة المتدربين. فتعنت رئيس الحكومة لم يعد غير مفهوم فقط، كما عبرت عن ذلك (وعبر عنه غيري، أيضا)، في السابق، في مقال بعنوان "رئيس الحكومة وملف الأساتذة المتدربين: تعنت غير مفهوم!!" (جريدة "الاتحاد الاشتراكي"، 23 فبراير 2016)؛ بل أصبح اليوم، بعد رفضه كل المبادرات (حتى التي أتت من بعض حلفائه)، يطرح السؤال الجوهري: ما ذا يريد "بنكيران"؟.
وباستعراض شريط الأحدث، منذ شروع الحكومة الحالية في تمرير قراراتها المجحفة (التي يسميها أتباع "بنكيران" بالشجاعة) في حق الطبقة المتوسطة والفئات الاجتماعية الهشة، أكاد أجزم أن رئيس الحكومة (المسؤول، دستوريا، عن تدبير الشأن العام) يستغل موقعه لتأزيم الوضع في البلاد. لقد أصبحت أشك في كل أقواله وأفعاله؛ فلا أرى في حديثه عن التماسيح والعفاريت إلا ادعاء المظلومية والتنصل من المسؤولية؛ ولا أرى في حديثه عن الاستقرار الذي تنعم به البلاد (في حين، يجتهد في تقويض أحد أركان هذا الاستقرار؛ ألا وهو السلم الاجتماعي)، وعن كونه مجرد معاون للملك، وحديثه عن الوطنية وبوحه(بمناسبة وبدونها) بحبه للملك ودموعه المنسابة عن المعاقين وحديثه عن الفقراء وحبه لهم ... إلا نوعا من التقية. وأعني بالتقية، هنا، إخفاء الهدف الحقيقي. ولا أجد غرابة في أن يكون هذا هو سلوك من جعل من الكذب منظومة سياسية وأخلاقية (انظر" بنكيران ومحاربة الفساد أو حين يصبح الكذب منظومة سياسية وأخلاقية"، جريدة "الاتحاد الاشتراكي"، 28 يناير 2016).
وحتى نتأكد من أن الأمر يتعلق، فعلا، بمنظومة سياسية وأخلاقية، أحيل فقط على ما قاله وزير الميزانية، السيد "إدريس الأزمي"، في القناة الثانية (يوم الأربعاء 6 أبريل)، من أن ملف الأساتذة المتدربين قد تم حله (الشيء الذي كذبه الواقع وكذبه المعنيون بالأمر)، وعلى ما قالته البرلمانية "ماء العينين" في "ميدي 1 تيفي" (يوم الثلاثاء 5 أبريل) حول نفس الموضوع.
وفي وقاحة غير مسبوقة وعجرفة مُقزِّزة، يتحدث هؤلاء الناس عن الركوب على القضية؛ وكأن الذين يحاولون البحث عن الحلول الممكنة لهذه الأزمة، هم من افتعلوها. وحتى لو افترضا وجود من يحاول الركوب على القضية، فلماذا يعطيهم رئيس الحكومة هذه الفرصة؟ ولماذا يمانع، منذ ما يقارب ستة أشهر، في حل المشكل، وقد اتضح أن في الأمر خطأ وتجاوزا للقانون؟ أليس من يركب على القضية، هم من افتعلوها بإصدار المرسومين المشؤومين في غفلة من المعنيين بالأمر؟ أليس من يركب على القضية، هم من يرفضون حلها، رغم أن الحل موجود؟ أليس من يركب على القضية، هم من يبحثون عن الذرائع لتصفية المدرسة العمومية؟ أليس... وأليس...؟ أما الأطراف التي دخلت على الخط، فهي لا تريد إلا تطويق الأزمة بإيجاد حل منصف وعادل، كفيل بتجنيب البلاد ما لا تحمد عقباه، خصوصا وأن كل عوامل الانفجار متوفرة.
لذلك، فقد أصحبت أشك (وهذا من حقي كمواطن لا يرى فيما تقوم به الحكومة الحالية إلا ما يؤزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والحقوقي...ويفسد الكثير من عوامل الاستقرار بعد إصلاحها من قبل من ضحوا من أجلها: تراجعات على كل المستويات وضرب العديد من المكتسبات الاجتماعية والحقوقية والثقافية والسياسية...)، أشك في النوايا الحقيقية لــ"بنكران" وحزبه؛ خاصة وأننا نعلم الارتباطات الخارجية، وبالأخص مع حركة "الإخوان المسلمين"، للذراع الدعوي للحزب؛ أي حركة التوحيد والإصلاح. ولسنا نجهل أن المتحكم في التوجهات السياسية والتوجيهات التي يعمل بها حزب العدالة والتنمية، هي حركة التوحيد والإصلاح.
أمام كل هذه المعطيات والحقائق، وما خفي كان أعظم، لا يمكن إلا نخاف عل مستقبل وطننا ومستقبل أجياله الصاعدة، خصوصا وأننا نرى معاول الهدم تجتهد في تقويض دعائم هذا المستقبل، وفي مقدمتها التعليم العمومي... وما ملف الأساتذة المتدربين إلا الشجرة التي تخفي الغابة.