الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الحميد جماهري: الصغير أولاد أحمد يودّعكم

عبد الحميد جماهري: الصغير أولاد أحمد يودّعكم

كان يعيش موته كمجاز، تتلوه الحياة في هزيعها الأخير، ولهذا لم استكان الشاعر الصغير أولاد احمد إلى فراش المرض الأخير، كان يعتبر بأن الوداع ضرورة بلاغية، في الفصل الأول من أبدية قادمة.

استكان أيضا إلى الإيقاع الخاص بالموتى وهم يدركون أنه ذاهبون إلى معطف الخلود وكتب قصيدة جديدة يودع فيها قراءه، الذين لم ينتبهوا إلى أنه يجرب موهبته مع النفس الأخير.

كتب الشاعر:

"أودّعُ السابقَ واللاحق

أودّع السافل والشاهق

أودّع الأسباب والنتائج

أودّع الطرق والمناهج

أودّع الأيائل واليرقات

أودّع الأجنّة والأفراد والجماعات

أودّع البلدان والأوطان

أودّع الأديان

.....

أودّع أقلامي وساعاتي

أودّع كتبي وكراساتي

أودّع الصغائر والكبائر

أودّع السجائر

أودّع الأغلال والقيود

أودّع الجنود والحدود

....

أودّع المنديل الذي يودّع

المناديل التي تودّع

الدموع التي تودّعني

أودّع.. الوداع.".

لم يمنع تطابق القصيدة مع الموت، في محاولته الأخيرة لكي يستقبل نفسه ويودعها في الوقت ذاته: يستقبلها في القارئ ويودعها في الشاعر.

لم يغير مشروعه بعد أن عرف نهايته، ظل ينتظر ويتسلل إلى الذكريات الشعرية.

لم تكن لي علاقة خاصة به،. التقيت به مرتين، هنا في الدار البيضاء وفي الرباط، ولعل المناسبة كانت المؤتمر العربي، واليوم العالمي للشعر، أيام كانت الرباط عاصمة للبلاغة العربية...

ضحكت عندما علمت من صديق مشترك بأنه رجل في قبيلة: قال أكون وحدي وأضطر إلى.. الصف!، فإنا نحن اولاد أحمد كثر!

أولاد أولاد!

أعرف بأنني كنت أقرأه بشغف، وببساطته التي تجعل القصيدة تتلوى في ذهنك مثل نهر يتعقب مجراه، وتتكرر مثل دوامة من ماء..

ظل أولاد أحمد رفيقي في القراءة، وأتابع مقتطفاته في الجرائد والمجلات، واكتشفت متأخرا بعض الشيء أنه صديقي في عوالم الزرقة الافتراضية..

تلمست رثاءه لنفسه في قصيدة "قد أموت شهيدًا"، والتي تجعل من قصيده أرملة حقيقية في مواكب الحياة.

يقول

قد أموت شهيدًا

وقد لا أموت شهيدَا

هكذا قلت للصحفيِّ،

وعدْتُ إلى البيتِ...

أكتبُ هذا القصيدَ

داخلَ المصعد الكهربائيّ قطٌّ،

يجاورُني منذ عام،

غدا نلتقي: "قالَ،

قلتُ:

ـ غدًا ليسَ يومًا أكيدَا

ها هيَ الكلماتُ،

والوقتُ أبْيضُ قان

تُشيّدُ للموت عُشّيْن:

عشا حديثٌا

وعشّا جديدَا

أيها الطبُّ والربُ:

لا تَتركاني، مع الذئب، وحْدي

وان شئتُما فدَعاني إلى وحْدتي...

واحدًا ووحيدَا"...

في الفاصل بين صمته وصداه، استكان الشاعر.. إلى قراءة رحيله ونحن نصيخ السمع لما تبقى من رؤيته لهذا الكون.

وداعا أيها الشاعر..