الجمعة 10 مايو 2024
مجتمع

عبد العالي المصباحي:التأخر في زجر المعتدي ورد الاعتبار للمعتدى عليه، من بين أسباب القصاص الذاتي

عبد العالي المصباحي:التأخر في زجر المعتدي ورد الاعتبار للمعتدى عليه، من بين أسباب القصاص الذاتي

 انتشرت،مؤخرا، ظاهرة العنف المشروع وغير المشروع بالشارع العام المغربي، وهي ظاهرة مع تكرارها بين الحين والآخر تنتظر حلولا واقتراحات لتخطيها.. في هذا الحوار مع الأستاذ عبد العالي المصباحي، المحامي العام بمحكمة النقض، والممثل القانوني،والقضائي لرابطة قضاة المغرب، يسلط الضوء على حيثيات تناسل أحداث يقتص فيها المواطنون بأنفسهم من الغير، مما يطرح عددا من الأسئلة حول هذه "السيبة" الجديدة:

ما هو المفهوم القانوني للعنف وتأطيره القانوني؟
العنف هو عدم الرفق وهو الشدة والغلظة وسوء انقياد يؤدي إلى ضرر، فهو الاستخدام الفعلي للقوة لإحداث الضرر، وهو فعل أو سلوك يتسم بالعدوانية بهدف استغلال أو إخضاع الآخر في إطار علاقة قوة غير متكافئة. فهو يعكس خللا وظيفيا في توازن العلاقات الاجتماعية بين الأفراد. ويمكن أن نقول أن العنف بركان خامد في الطبيعة البشرية للإنسان. وقد حدد العالم "هوبز" مصادره في ثلاث وهي: التنافس، الحذر، والكبرياء. وصوره إما أن يكون فعلا أو امتناعا سلبيا أو إيجابيا ماديا أو معنويا لفظيا أو حسيا عمديا أو خطأ، حسب الحالات والحوادث التي يتمثل فيها. ويمكن أن نعتبر أن كل جريمة هي عنف في حق شخص أو جهة أو شيء، فمثلا هناك العنف ضد الأشخاص والعنف ضد الأموال والعنف ضد الملكية والحيازة والعنف ضد المنفعة العامة والعنف ضد الموظفين والعنف ضد المؤسسات إلى غير ذلك. وقد اعتبر المشرع المغربي العمل إرهابيا إذا كانت وسيلته العنف ونتيجته المس الخطير بالنظام العام. 


هذا عن العنف بنا هو فعل غير مشروع، فما هو العنف المشروع؟
العنف المشروع هو الأداة الوحيدة والخصوصية التي تمتلكها الدولة لتنزيل مبدأ "مصلحة الدولة " ولضبط الأفراد ومنع حالة الفوضى. وهذا العنف يستمد كلمة المشروعية من عدة مصادر قانونية منها نظرية العقد الاجتماعي – الدستور – القوانين المنزلة لمضامين الدستور..
فإذا كان المشرع قد أعطى لكل فرد الحق في رد الاعتداء الواقع عليه في إطار دفاع شرعي واعتبر هذا الفعل غير مجرم، فإنه أعطى للدولة الحق في استعمال العنف المشروع ردا على كل فوضى وحفاظا على النظام والمؤسسات بل وعلى كيان الدولة نفسها، مثلا: حالة الحرب دفاعا عن الوطن والمواطنين، تفريق المظاهرات غير المرخصة، مكافحة العصابات الإجرامية المنظمة، زجر الجريمة، تطبيق العقوبات والأحكام، نزع الملكية من أجل المصلحة العامة.
وبالمقابل إذا كان هذا العنف المرتكب من طرف ممثلي الدولة غير مشروع، فإن عقوبته حسب الفصل 231 من القانون الجنائي وما بعده تكون هي ضعف العقوبة المقررة في الحالات العادية.

كيف تفسر تنامي ظاهرة الاقتصاص من طرف المجتمع والتمرد على رموز الأمن؟
يجب البحث عن المسببات التي تبقى متعددة في نمو هذه الظاهرة، منها مثلا:
1- انتقال المجتمع المغربي من العيش بضوابط العرف والعادة والتحكيم القبلي أو الأسري، إلى العيش بضوابط القانون واللجوء إلى القضاء لفصل المنازعات.
2- سيكولوجية المواطن المغربي وخصوصا الرجل، التي تتسم بالأنفة والكبرياء والجسور والغيرة والشدة والشجاعة، مما يؤدي لسرعة الانفعال بين الفعل ورد الفعل.
3- عدم استطاعة مؤسسة الأمن العمومي احتواء الدوائر السكنية التابعة لها، وذلك من خلال الحضور الفعلي المجسم في بنايات الأمن ورجال القوة العمومية والمعدات والتجهيزات التابعة لها.
4- التأخر في زجر المعتدي ورد الاعتبار للمعتدى عليه في مدة وجيزة، تخلق حالة ارتياح لدى الضحية وحالة اطمئنان للمتتبع وردعا خاصا للمعتدي وردعا عاما لرجل الشارع.
5- غياب ثقافة قانونية من شأنها نشر المعلومة القانونية وإشاعة الجانب العقابي لكل فعل يعتبر جريمة بالمفهوم القانوني.
6- تخلي بعض الأسر عن دورها في التربية وتوكيل هذا الحق للشارع أو المدرسة.
7- عدم وجود سياسة جنائية ناجعة تنكب بصفة مستمرة ودائمة على مكافحة الانحراف قبل مكافحة الجريمة.

هل للدولة دور في انتشار هذه الظاهرة؟             
نعم يمكن أن نقول أن الدولة من خلال مؤسساتها هي مسؤولة عن استتباب الأمن وهذا بوضع سياسة جنائية استباقية من شأنها القضاء على الجريمة وتقويم الانحراف بالنبش عن مسببات الظاهرة ومحاولة وجود حلول جدرية ودائمة التطور لمواكبة الآفة.
- إشراك شرائح المجتمع في صياغة النص القانوني، من محللين نفسانيين واجتماعيين ومنظرين سوسيولوجيين وغيرهم لكون النص بمثابة حل ناجع للتصدي للفعل المجرم، فمثلا حينما ارتأى المشرع إفراد مواد زجرية لشغب الملاعب لم يتطرق لما يجب اتخاذه في حق القاصرين من إجراءات، مع العلم أن أغلب الجرائم المرتكبة بالملاعب صادرة عن قاصرين أحداث.
- إعطاء تكوين خاص لرجال القوة العمومية لمواجهة بعض الحالات الحرجة والتصرف خلالها بأسلوب يحفظ كرامة وهيبة النظام دون المساس بحريات الأشخاص بشكل مخالف للقانون، فرجل الأمن مثلا ملزم أثناء الاعتداء عليه بالدفاع عن نفسه وعن بذلته التي تمثل النظام وتحقيق الردع العام والخاص وإخماد فتيل الهيجان والانفلات الأمني.

في مثل هذه الحالات، هل يمكن الحديث عن دور النيابة العامة في القضاء على هذه الآفة؟
طبعا للنيابة العامة دور كبير في القيام بدورها للتصدي لكل الأعمال المنافية للقانون، من قبيل:
- الإيمان بمبدأ التخصص ووضع قضاة لهم خبرة في عمل النيابة العامة، مع تكوينهم فيما يخص التحري والبحث بمسرح الجريمة،
خروج النيابة العامة من دورها المحتشم المتمثل في تلقي المحاضر إلى البحث عن أسباب تفاقم الجريمة وانتشارها ثم العمل على القضاء عليها.
- انتقال عمل النيابة العامة من الدور الزجري إلى الدور الوقائي بما فيها رقابة عمل الشرطة الإدارية والمجالس الجماعية والجهات المكلفة بالوقاية وحماية المواطن.
- رفع القيود على النيابة العامة في بعض الجرائم التي لا تحرك الدعوى العمومية بشأنها إلا بشكاية من الجهة صاحبة الحق، وبسط نفوذ النيابة العامة على جميع الميادين لتتمكن من مراقبة مدى احترام القانون.
- تعيين ممثلين عن النيابة العامة بالمقاطعات الأمنية لإعطاء الشكايات الاتجاه القانوني الصحيح وتفادي الطعن في شكلياتها، وتمكينهم من الوسائل اللوجستيكية والمادية لتسهيل التنقل والاتصال والوقوف على حالات التلبس وضبط المشتبه فيهم، مع إحداث دورات تدريبية يقوم بها أعضاء النيابة العامة لفائدة ضباط الشرطة القضائية لاطلاعهم على القوانين وتوحيد طرق العمل بينهم.
- تعيين أحد ممثلي النيابة العامة بمراكز الحماية والتهذيب لاستقبال الأحداث الجانحين، بعيدا عن المحاكم والسهر على تطبيق التدابير الخاصة بهم لتقويم جنوحهم.
- إصدار قوانين تنظيمية تؤسس للعلاقة بين النيابة العامة والشرطة القضائية والعلمية والتقنية وكذا قاضي التحقيق مع تحديد المهام، الإشراف الفعلي للنيابة العامة على مراكز التشخيص القضائي ومصلحة البصمات والبطاقة الوطنية والحمض النووي.
- حماية الطرف الضعيف في الدعوى والذي قد يحجبه خوفه من أن يكون موضوع انتقام بسبب التبليغ عن الجريمة       
من هنا أقترح:
- إعداد ميثاق أخلاقيات المواطنة أو أخلاقيات الشارع العام أو أخلاقيات المدنية والتحضر منبثقة من مرجعيتنا و ثوابتنا.
- نشر ثقافة قانونية مواكبة للمواطن منذ الصغر، وهنا تدخل جل المؤسسات الدستورية على خط التعليم والتوعية.
- تعميم الحضور الأمني بالشارع العام للترغيب والترهيب، الترغيب الناشر للطمأنينة واحترام النظام العام، والترهيب المانع للجريمة والانحراف.
- تجديد الترسانة القانونية بشكل يواكب تطور الجريمة.
- وضع سياسة جنائية استباقية تبحث في أسباب انتشار السلوكيات المنحرفة والجريمة.
- مطالبة الإعلام بإسداء النصيحة قبل نشر الفضيحة, وتتبع الجريمة من الاقتراف إلى العقاب ليكون رادعا في أخباره لكل المنحرفين عن القانون، ولاعبا في ذات الوقت لدور المربي والمدرسة.
- رفع العقوبات بالنسبة لكل  جرائم العنف الماسة بحياة الأشخاص وسلامتهم الجسدية، لأنها أصبحت حقا دستوريا طبقا للفصول 20 21 و22.