نحن في السياسة، كما في دعاوى الإلغاء أمام المحاكم الإدارية، نطعن ونصارع التصرفات والقرارات المشوبة بالشطط في استعمال السلطة والقانون والنفوذ، ونتفادى مواجهة الأشخاص لأن المساطر كما النضال يرومان محاسبة المؤسسات وضمنها مسؤولية القائمين والمسؤولين، محاسبة مرفقية، وقد تواجهنا الدولة أصالة أو بوكالة، بالحكومة أو المؤسسات العمومية، وهذا لا يعني أننا سنخوض «رد الفعل» السلمي في مواجهة الوكلاء وكأنهم الفاعلون الأصليون.. فالقنوات ليست هي المنبع، ولكن في الصراع السياسي/ القانوني/ الحقوقي/ الاجتماعي، نواجه بشراسة الفكر المضاد والاستئصالي، ندا للند، وقد نلمس نزوعا لدى جهة من الجهات للتوافق معنا على نفس خيارنا الديمقراطي باسم الحداثة أو الرغبة في التحديث.
غير أن ذلك لن يخفي لدينا انتماء وولاء كل طرف ثقافيا واجتماعيا، بغض النظر عن امتلاك كل جهة لقاعدتها الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي لن نسلم بكون هذا التقرب قد يجعل أيا كان فوق الطبقات، كما الشأن بالنسبة لبعض الأطروحات التي حسمت بصفة يقينية وإطلاقية بأن هناك الصراع الفكري والسياسي يتجاذبه قطبان، واحد برئاسة حزب برلماني معارض يتبنى التوفيق بين الأصالة والمعاصرة، والآخر حزب أغلبي يتوهم الجمع بين الدين والديمقراطية.
والحال أنه موضوعيا لا يمكن الجزم بأن المغاربة استطاعوا استكمال مطلب التحرير، والتدشين للديمقراطية، بعد استنفاذ شروط مرحلة الانتقال الديمقراطي، التي لا يمكن أن تتجاوز جسر الملكية البرلمانية كحل انتقالي للتوفيق بين الملكية الوراثية والحكم الديمقراطي الخالص.. وهما مطلبان أساسيان، قد يؤجلا المطالب الجوهرية والمهيكلة للمستقبل، ولكن لن يتم التخلي عنهما، فهما حقان عامان، لا يرتهنان بالأشخاص.. فهما والوطن متماهيان.. فلنتمسك بالتحرر والديمقراطية كحد أدنى وطني مشترك.
لذلك، فالخلاصة هي أن التشريع الجنائي ليس فقط عملية تقنية، بل هو تعاقد فيما بين المواطنين وممثلي الدولة، يستلهم روحه من الدستور كقانون أسمى للبلاد، في انسجام مع المعايير الدولية للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. فبدون هذا التعاقد الحر إراديا والنزيه، لن نقطع مع العهود البائدة ولن نستطيع بالتبعية هيكلة دولة الحق والقانون.
ولأن المحاسبة الشخصية ضرورية لأشخاص قد يرتدوا عن عيهم، فإن تطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب شر لابد منه، حتى لا تتكرر مآسي ماضي سنوات الرصاص. غير أن هذا ليس من اختصاص سوى القانون نفسه الذي يخول الصلاحية للسلطة القضائية لتولي وظيفة وسلطة النهي والأمر، دون سواهم.
