لعل مما قوى نفوذ ميليشيات البوليساريو هو استغلالها لآلياتها الدعائية وتسخير كل قنوات الإعلام والتواصل، وتوظيف السينما، لتعطي الانطباع بأنها صاحبة "حق" و"قضية" و"أرض". وفي الوقت الذي يغدق مصطفى الخلفي، وزير الاتصال والوصي على القطاع السينمائي، الأموال الطائلة وملايين الدراهم على أفلام "الخردة"وأفلام "الكيلو"، يتناسى السلاح "القاطع" الذي يوظفه خصوم الصحراء المغربية، وهو "السينما" لنفتح عيون العالم على حقيقة الكيان الوهمي التي تحاول الجزائر زرعه في رمال صحرائنا. ولطالما حظيت أفلام بحصص خيالية من كعكة صندوق الدعم السينمائي، لم يشاهدها المغاربة إلى يومنا هذا ولم تعرض حتى في القاعات السينمائية، لذا كان من الأولى أن تقوم لجنة الدعم بتشجيع بعض الأعمال الفنية التي تحمل بعدا وطنيا وإنسانيا وتخاطب وجدان الأمة.
في هذا السياق حمل فيلم الإعلامي والسينمائي حسن البوهروتي "الصحراء، الموارد والثروات الطبيعية" بذرة من بذور الهوية، وحاول أن يشارك في السجال الذي تعرفه قضية الصحراء بتقديم إضافة نوعية عبر الصورة ليكشف أمام الرأي العام الدولي التطورات الكبيرة التي شهدتها المناطق الجنوبية من المملكة المغربية منذ سنة 1975 حتى اليوم، خصوصاً بعد تولي الملك محمد السادس العرش وتحريكه لملفات حقوق الإنسان. هذا الشريط الوثائقي الذي استغرق إنجازها أكثر من سنة ونصف -تم تصويره في الأقاليم الجنوبية (الداخلة وبوجدور والعيون) وكذلك بباريس وإسبانيا- واجه خلالها مخرجه حسن البوهروتي مجموعة من الإكراهات والصعوبات أكثر من شريطه الأخير "البوليساريو هوية جبهة" الذي يعد بمثابة وثيقة تاريخية تبرز الخبايا التي أفرزت ظهور النواة الأولى للبوليساريو، وتضمن شهادات مهمة ومؤثرة لمجموعة من مؤسسي الكيان الوهمي كالشيخ بيد الله، إبراهيم حكيم، عمر الحضرمي، ولد السويلم... لكن كل هذه التضحيات لم تشفع لحسن البوهروتي أمام لجنة الدعم بقيادة الروائي مبارك ربيع الذي أطلق رصاصة الإعدام على شريطه الوثائقي. لكن الأقدار فتحت أبوابا أوسع وأرحب لشريط حسن البوهروتي الذي سيعرض فيلمه اليوم (الثلاثاء 5 أبريل 2016)، وأين؟ بمقر البرلمان الأوروبي بالعاصمة البلجيكية بروكسيل، حيث تحيك الجزائر والبوليساريو معا المؤامرات والدسائس وتشتري ضمائر بعض البرلمانيين الأوربيين. حسن البوهروتي بعد هذا الإنجاز استطاع أن يضرب عدة عصافير بحجر واحد:
أولا: رد البوهروتي الاعتبار لنفسه من جحود الوزير مصطفى الخلفي وتنصله من تقديم الدعم لفيلم يساند الوحدة الترابية، وها هو الآن (فيلم البوهروتي) يتحول إلى شوكة في حلق الخصوم بعد عرضه أمام أنظار البرلمان الأوروبي.
ثانيا: رد على سوء نوايا وتقدير لجنة دعم الأفلام الوثائقية، ولعل تعليلها لرفض دعمه كان تعليلا سخيفا وتافها لا أثر فيه للعناصر الفنية التي استند عليها "حكماء" الوزير مصطفى الخلفي ليصدروا حكما جائرا على هذا المشروع الفني.
ثالثا: استطاع أن يحارب ميليشيات البوليساريو في "الجبهة" التي تهاجم منها المغرب، أي مقر الاتحاد الأوروبي الذي يندس فيه برلمانيون يتوثبون للانقضاض على أنصاف الفرص لمعاداة المصالح القومية للمغرب.
رابعا: رمزية هذا التوقيت التي تصادفت مع تحرك الاتحاد الأوروبي على أعلى مستوى لتذويب الخلاف مع المغرب على هامش القرار الابتدائي لمحكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الشراكة والصيد البحري، لاسيما وأن الشريط سيتم عرضه بالبرلمان الأوروبي برعاية من النائب البرلماني الأوروبي لويس ميشال (والد الوزير الأول البلجيكي)، الحالي الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية والمفوض الأوروبي المكلف بالمساعدات الإنسانية.
فما رأي الوزير مصطفى الخلفي الذي لا ينفخ ريشه إلا على الضعفاء؟
