الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الكبير طبيح: من سيوقع ظهير تعيين الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض؟

عبد الكبير طبيح: من سيوقع ظهير تعيين الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض؟

بعد أن وضعت حرب الخطابات والمواقف والآراء، حول القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والقانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، أوزارها، وقامت بإحصاء ضحاياها ومنتصريها .

وبعدما أن قال ممثلو الأمة كلمتهم التي لا راد لها، يحق الآن الانتقال من مرحلة التعبير عن الآراء الشخصية حول مفهوم استقلال القضاء، إلى مرحلة دراسة المقتضيات القانونية التي سنها القانونين التنظيمين والانضباط لها باعتبارها تعبر عن ارادة الامة المغربية.

القراءة الأولى تدفع إلى طرح الاسئلة التالية التي تفرض نفسها على المطلع على القواعد القانونية المنظمة في القانون  التنظيمي وهي:

1- من سيوقع ظهير تعيين الوكيل العام لمحكمة النقض ؟

2- لماذا لم يشترط القانون التنظيمي ان يكون تعيين كل من رئيس محكمة النقض والوكيل العام من بين القضاة ؟

سنحاول أن نلامس ما حملته مقتضيات القانون التنظيمي للسلطة القضائية في علاقتها مع ما ينص عليه الدستور لنرى مدى التطابق أو عدم التطابق بين القانون الأسمى، أي الدستور، والقانون التنظيمي. مستحضرين رأي فقهاء القانون الدستوري الذي يقول بأن القانون التنظيمي هو قانون مكمل للدستور، أي أنه يمكن أن ينص على قاعدة قانونية تكمل قاعدة دستورية. لكن لا أحد في هؤلاء الفقهاء يقول بأن القانون التنظيمي يمكن أن يكون متناقضا مع الدستور.

بخصوص من سيوقع على ظهير تعيين الوكيل العام لمحكمة النقض، السؤال يفرضه ما تنص عليه المادة 22 من  القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة التي ورد فيها  ما يلي:

"يعين الملك الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها لمدة (5) خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، غير أنه يمكن وضع حد لهذا التعيين قبل انتهاء المدة المذكورة".

"يرتب كل من الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها خارج الدرجة، ويحتفظ بهذا الترتيب بعد انتهاء مهامها."

أنه إذا كان تعيين رئيس محكمة النقض الذي هو الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمقتضى ظهير قد لا يطرح إشكالا حول من سيوقع ذلك الظهير باعتبار أن الأمر قد يكون محسوما لفائدة الملك بالنظر بالأساس إلى كون الرئيس المنتدب لسلطة القضاء هو من الاعضاء المكونين لمجلس الوصاية الذين يعينهم الملك بظهير يوقعه طبقا للفصل 44 من الدستور، فإن السؤال يفرض نفسه بخصوص ظهير تعيين الوكيل العام لمحكمة النقض لسببين:

1- أن الفصل 42 من الدستور يحدد أنواع الظهائر التي يوقعها الملك من جهة، وأنواع الظهائر التي يصدرها الملك لكن توقع بالعطف من قبل رئيس الحكومة إذ تنص الفقرة الأخيرة من ذلك الفصل على :

"توقع الظهائر بالعطف من قبل رئيس الحكومة، ما عدا تلك المنصوص عليها في الفصول 41 (وهو الظهير الذي يتعلق باختصاصات المجلس العلمي الأعلى وتأليفه وكيفية سيره) و44 (الفقرة الثانية) (وهي المتعلقة بتعيين الملك لأعضاء مجلس الوصايا) و47 الفقرتان الأولى والسادسة (وهما المتعلقتان بتعيين رئيس الحكومة ومواصلة مهام الحكومة المنتهية) و51 (وهو المتعلق بحق حل البرلمان) و57 (وهو المتعلق بالموافقة على تعيين القضاة من المجلس الأعلى للسلطة القضائية) و59 (وهو المتعلق بإعلان حالة للاستثناء) و130 الفقرتان الأولى والرابعة (المتعلقتان بتعيين بعض أعضاء المحكمة الدستورية وتعيين رئيسه) و174 (المتعلق بعرض مرجعة الدستور على الاستفتاء أو على البرلمان).

إنه يتبين من صياغة الفصل 42 أن الأصل هو أن الظهائر التي يصدرها جلالة الملك في ممارسته لاختصاصه توقع كلها بالعطف من قبل رئيس الحكومة ما عدا الظهائر المشار إليها أعلاه.

فالأصل هو أن كل الظهائر التي يصدرها الملك توقع بالعطف رئيس الحكومة، باستثناء الظهائر المشار اليها أعلاه، وهو ما يسميه فقهاء القانون الدستوري بالمجال المشترك بين سلطات الملك واختصاصات رئيس الحكومة.

ويظهر بكل وضوح أنه لا يوجد من بين الظهائر التي يرجع التوقيع فيها لجلالة الملك، ظهير تعيين الوكيل العام للملك لمحكمة النقض المنصوص عليه في الفصل 22 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة.

ومعلوم أن من مستجدات دستور 2011 هو إحداثه لتحول تاريخي في بناء الدولة المغربية عندما فسح المجال لرئيس الحكومة ليشارك الملك في بعض اختصاصاته التي كانت سابقا من المجالات المحفوظة للملك وحده، ولقد ترجمت هذه المشاركة في السماح لرئيس الحكومة بتوقيع بعض الظهائر التي هي من مجال اختصاص الملك عن طريق التوقيع عليها بالعطف .

لكن، ماذا يعني أن يوقع رئيس الحكومة ظهير تعيين الوكيل العام لمحكمة النقض من ناحية هندسة بناء الدولة.

في تقديري إنه إشارة قوية إلى أن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ليس سلطة قضائية خالصة، وإنما يجتمع ما هو قضائي وما هو تنفيذي، أي ما هو من اختصاص السلطة التنفيذية.

قد تظهر هذه الخلاصة غريبة أو غير منطقية.

لكن، القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة سن هو كذلك قاعدة غريبة وغير منطقية وهي القاعدة التي تحدد مصدر التعويضات والمزايا التي يتقاضاها الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض كمقابل عن المهام المكلف بها.

ذلك أن التعويضات والمزايا التي سيتقاضاها رئيس محكمة النقض نجدها منصوص عليها في المادة 13 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والتي ساوى المشرع فيها وضعية رئيس محكمة النقض مع الوضعية المالية التي يوجد عليها رئيس مجلس النواب، إذ تنص المادة 13 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على ما يلي:

"يستفيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى (أي المجلس الأعلى للسلطة القضائية) من التعويض عن التمثيل ومختلف المزايا العينية المستحقة لرئيس مجلس النواب)".

فالقانون التنظيمي وضع رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية في نفس الوضع المالي الذي توجد عليه رئيس السلطة التشريعية. وعي سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية، وهو ما يؤكد استقلال رئيس المجلس الاعلى للسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية.

لكن، عندما نبحث في مصدر التعويضات والمزايا التي يستفيد منها الوكيل العام لدى محكمة النقض سنجدها منصوص عليها، ليس في القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وإنما نجدها في القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة. وهي اشارة واضحة تبين الوضع القانوني الذي رسمه المشرع للوكيل العام لدى محكمة النقض.. فالمشرع أخرج الوكيل العام لمحكمة النقض من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى لسلطة القضائية الذي يوجد فيه رئيس محكمة النقض ووضعه في القانون التنظيمي المتعلق بالنظم الاساسي للقضاة، وهو ما يعني أن المشرع لا يعتبر أن المركز القانوني للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض هم نفس الوضع القانوني لرئيس محكمة النقض.

غير أن الأكثر إثارة للتساؤل بالإضافة لما سبق هو أن المشرع وضع الوكيل العام لدى محكمة النقض في وضعية وزير، أي في وضعية عضو في السلطة التنفيذية، إذ تنص المادة 31 منه على ما يلي:

"يستفيد الوكيل العام للملك، لدى محكمة النقض من الرتب والتعويضات في المزايا العينية المقررة للوزراء".

وإذا كان القوانين التنظيمية متفقة على التفريق بين المركز القانوني لرئيس محكمة النقض وبين المركز القانوني للوكيل العام لدى محكمة النقض بخصوص مصادر تعويضاتهم ومزاياهم، أليس ذلك يعني أن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض هو تابع، كذلك للسلطة التنفيذية؟

كنا ننتظر أن يقول المجلس الدستوري رأيه بخصوص هذه التفرقة وكذا مدى تطابق هذا الوضع القانوني الذي وضع فيه الوكيل العام لدى محكمة النقض مع خطاب استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية الذي شغل الرأي العام، لكن تبين أن هذه النقطة لم تثر من قبل المجلس الدستوري فيس قراره الأخير.

مع أن مقتضيات الدستور تسمح بتعيين الوكيل العام لمحكمة النقض بظهير يوقعه الملك وهو ما لم يتم الاشتغال عليه.

أما بخصوص إمكانية تعيين الرئيس المنتدب والوكيل العام لمحكمة النقض من خارج سلك القضاء، فهو سؤال تطرحه صياغة المادة 22 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة الذي ورد فيها ما يلي:

"يعين الملك للرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها لمدة (5) سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة غير أنه يمكن وضع حد لهذا التعيين قبل انتهاء المدة المذكورة"،

"يرتب كل من الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام لديها خارج الدرجة وتحتفظ بهذا الترتيب بعد انتهاء مهامها".

عندما نقرأ صياغة هذه المادة تطفو على السطح ملاحظة مفادها أن تلك المادة لم تنص على جملة (من بين القضاة) بخلاف صياغة المادة 50 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المتعلق بتعيين الملك لأمين المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي تنص على أن ذلك التعيين يتم من بين القضاة، أو المادة 51 من نفس القانون التي تتكلم على تعيين نائب أمين المجلس والتي تنص على أنه يكون ذلك التعيين بين القضاة أو المادة 53 التي تتكلم على المفتش العام، والتي تنص على ذلك التعيين يكون من بين القضاة.

ومن المعلوم أن المشرع، وبالأحرى مشرع قانون تنظيمي لا يتصور في النسيان ولا الخطأ مما يدفع للتساؤل.. فهل سكوت المادة 22 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة عن الإشارة إلى أن تعيين رئيس محكمة النقض والوكيل العام بها يكون كذلك من بين القضاة، يعني ذلك السكوت، أن الملك يمكنه أن يعين في هذا المنصب كل من يراه مؤهلا حتى ولو لكن قاضيا؟

وهل اختيار المشرع أن يكون ينظم تعيين رئيس محكمة النقض والوكيل العام لدى محكمة النقض في القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة وليس في القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، يعني أنه، أي المشرع، فسح المجال لجلالة الملك أن يختارهم في التعيين لهذه المناصب الحساسة ممن يراه مؤهلا لذلك حتى ولم يكن ينتمي للسلك القضائي بظهير سيوقعه رئيس الحكومة بالعطف .

ثم لماذا تنص الفقرة الأخيرة من المادة 22 المذكورة على أن من عين رئيسا لمحكمة النقض أو وكيلا عاما بها يرتب خارج الدرجة ويحتفظ بهذه الرتبة بعد انتهاء مهامه، إذا كان التعيين سيكون لزوما من السلك القضائي، مادام أن المنتمي للسلك القضائي عندما يصل إلى درجة رئيس محكمة النقض أو وكيل عام بها فإنه يكون بحكم القانون خارج الدرجة بالنظر للمدة التي قضاها في ذلك القضاء إلى أن رقي إلى ذلك المنصب، وهم ما يعطى للتساؤل شرعيته.

إن مشروعية السؤال لا نجد سندها في ما تعودناه في المغرب في الماضي وإنما فيما هو متداول دوليا.. فالرئيس الأمريكي مثلا يعين أعضاء المحكمة الفدرالية من أشخاص ليسوا بالضرورة من بين القضاة، بل من فئات أخرى من رجال القانون كالأساتذة الجامعيين أو القضاء السابقين الذين تقاعدوا .

هذه الأسئلة وأخرى قد تثار، كان الفاعلون الحقوقيون وغيرهم ينتظرون أن يتناولها المجلس الدستوري لكن ......