قبل أن يمضي بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، إلى حال سبيله متقاعدا في شرق آسيا، ينبغي محاسبته على خرقه لميثاق الأمم المتحدة، التي جاءت بعد استنفاد عصبة الأمم لأغراضها، قصد رعاية السلم والسلام العالميين، ولعب دور الوساطة وحتى الحكامة أحيانا في حل النزاعات المسلحة وغير المسلحة بين الدول.
عندما وصف بان كي مون المغرب بالبلد المحتل فهذا يعني في عرف الأمم المتحدة أن هناك بلدا اسمه المغرب يحتل بلدا آخر. ولم يحدث أن اعتبرت الأمم المتحدة الجمهورية الافتراضية، على حد تسمية الصحفي التونسي الصافي سعيد، دولة، بل أقصى ما هناك الاعتراف بالنزاع ومحاولة إدارته، وبعد فشل مخطط الاستفتاء الذي أداره بيكر لم يعد مجلس الأمن يستعمل مفهوم "الاستفتاء" في وثائقه بشأن الصحراء منذ سنة 2004 كما أن الجمعية العامة لم تعد تستعمله منذ 2007 داعيين أطراف النزاع إلى الحوار السياسي.
في خضم الدعوة إلى الحوار السياسي بين أطراف النزاع دعت الأمم المتحدة إلى طرح مخارج للقضية، وقد استجاب المغرب لهذه الدعوة من خلال مشروع الحكم الذاتي، الذي لم يقل في يوم من الأيام إنه قرآن منزل ولكنه أرضية للنقاش. الحكم الذاتي هو العنوان الكبير لحل ملف الصحراء ولم يعد هناك عنوان بديل، وتفاصيله كلها قابلة للنقاش.
كان على الأمم المتحدة أن تلتقط هذه المبادرة وتحيي المغرب عليها باعتبار أن هذا البلد جاد في الحل السياسي على عكس الطرف الآخر، الذي يناور من أجل تمديد أمد محنة الصحراويين المحتجزين، الذين يتاجر باسمهم مرتزقة البوليساريو وجنيرالات الحرب الجزائريون.
مباشرة بعد زيارة بان كي مون للمنطقة واعتباره المغرب محتلا، وزيارته لمنطقة بير الحلو العازلة، قامت الجزائر وصنيعتها البوليساريو بالدخول للمنطقة وإجراء مناورات وتداريب عسكرية في خرق سافر لاتفاق وقف إطلاق النار ناهيك عن أن المناورات لا تجرى إلا بين جيشين لدولتين وليس بين جيش وعصابة.
إذن بان كي مون هو الذي أطلق يد الجزائر للعبث بالمنطقة، وجعلها تدخل منطقة عازلة يحرم على البشر دخولها ناهيك عن السلاح.
الأمم المتحدة لها دقة في تحديد المفاهيم، وتميز جيدا بين الاحتلال والسيطرة والحرب وغيرها من المفاهيم، ولم تتحدث عن احتلال بتاتا مدة أربعين سنة، وهي تصف ما يجري في الصحراء بالصراع، ودعت الأطراف إلى إيجاد حل سلمي بل إن مجلس الأمن لم يستعمل مفهوم "الاستفتاء" منذ 2004 في حين إن الجمعية العامة لم تستعمله منذ 2007 معتبرة أن مشروع الحكم الذاتي هو القاعدة المتاحة للحل السياسي.
كيف يعقل أن الأمين العام يستعمل "الاحتلال" في وصف استرجاع المغرب لأراضيه مع العلم أن الاحتلال يتعلق بدخول القوات العسكرية لبلد إلى بلد آخر أو إقليم منه، غير أن الصحراء تاريخيا مغربية وعندما خرج منها المحتل لم تكن تابعة لدولة أخرى يعتبر المغرب مهاجما لها.
ما فاه به الأمين العام هو دعوة للحرب وبالتالي ينبغي متابعته دوليا بتهمة إشعال فتيل الحرب.
