الخميس 28 مارس 2024
في الصميم

فضيحة: 20 إطار ديبلوماسي فقط للدفاع عن الصحراء المغربية بالعالم!

فضيحة: 20 إطار ديبلوماسي فقط للدفاع عن الصحراء المغربية بالعالم!

"لبلابلا" ،"الشفوي" ،"الاندفاع "،"العاطفة".

هذه هي أهم خصائص المسؤولين بالمغرب كلما تعلق الأمر بالقضية الأولى للشعب المغربي ألا وهي قضية الصحراء.إذ بدل أن تكون القضية على رأس الأجندة من حيث التخطيط والتمويل والتوظيف وتدقيق الاستراتيجيات، نجد الحكومة والبرلمان يتعاملان معها مثلما يتم التعامل مع ملف مطرح بلدي للأزبال أو مع ملف شراء الأدوات المكتبية للإدارات العمومية.

فالمغرب يواجه الحرب الديبلوماسية بخصوص ملف الصحراء في واجهتين أساسيتين، الواجهة الحقوقية المتمثلة في جنيف، والواجهة السياسية المتمحورة حول نيويورك.

فجنيف هي مقرمجلس حقوق الإنسان والمقر الرسمي لحوالي 30 منظمة أممية، في حين أن نيويورك هي المقر الرسمي للجمعية العامة للأمم المتحدة ولمجلس الأمن. والمثير أن كلا البعثتين الديبلوماسيتين للمغرب (بجنيف ونيويورك) لا تضمان سوى 10 أطر ديبلوماسية  في كل بعثة بما فيها السفيرين المعتمدين (السفيرمحمد أوجار بجنيف والسفيرعمرهلال بنيويورك). وهذا العدد غير كاف بالمطلق لتتبع القضايا واللقاءات والكواليس والاجتماعات المتعددة، فضلا عن كونه عدد قليل جدا ينهك الديبلوماسيين في مهام كثيرة لا تسمح بالتفرغ لنسج وتمتين العلاقات العامة مع مختلف الفاعلين، سواء كانوا ديبلوماسيين أو سياسيين أو فنانين ومفكرين أو جمعويين أو صحفيين ينتمون لهذا البلد أو ذاك ولهذه الوسيلة الإعلامية أو تلك. والحال أن دولا عديدة ليست مطوقة بقضية مصيرية كالصحراء ومع ذلك نجدها تتوفر على فيالق ديبلوماسية بشكل يسمح لكل إطار بتتبع ملف أو بتتبع منظمة واحدة، بل بعض الدول تحرص على تعيين ثلاث سفراء لها بالبعثة الدائمة ( مثلا بجنيف) وكل سفير يتولى مهاما محددة وكل سفير من أولئك له طاقم مهم من الأطر .فحسب ما كشفه لنا مسؤول بالأمم المتحدة بجنيف فهناك حوالي 12 ألف اجتماع يعقد في السنة سواء بمقر مجلس حقوق الإنسان أو في المنظمات الأممية الأخرى. واعتمادا على هذا المعطى لنا أن نتخيل ما يفرضه الحرص على رصد المغرب لكل تحركات الجزائر والبروليزاريوفي هذا الاجتماع أو ذاك خوفا من تمريرقرار أو توصية ضد المغرب، أو ماشاكل ذلك. (للإشارة في غذاء عمل جمع "أنفاس بريس" يوم الخميس 17 مارس 2016 مع عضو بالجمعية الدولية للمترجمين، علمت أن الأمم المتحدة تبحث عن مترجمين ب "الريق الناشف" لكثرة الاجتماعات والورشات).

وحينما تواجه السلطات العمومية المغربية بهذا الأمر تدفع بمبرر: "غياب الإمكانيات المالية"  التي لا تسمح بتحمل كلفة توظيف الأطرالإضافية بالسلك الديبلوماسي. وهذا ، في نظري مبرر تافه وغير مسنود نهائيا، لثلاث اعتبارات:

أولا: في الحروب التي تخوضها الدول لم يحدث أن سمعنا بصانعي القرارفي الدول الأجنبية يحتمون بالبخل والشح في تدبر أمر المعارك العسكرية او الاستخباراتية أو الديبلوماسية، إلا في بلدنا "الحبيب" حيث يشهرون هذه الورقة مخدوعين بالاطمئنان الكاذب من أن المغرب لم يعد يعيش حالة حرب، بينما الواقع يظهر أن الحرب لم تعرف إلا الحدة والشراسة بعد وقف إطلاق النار عام 1991(نقول وقف إطلاق النار وليس طي الملف في الأمم المتحدة).

ثانيا: الحقل الوحيد الذي لم يحظ بسياسة عمومية واضحة في التوظيف والتكوين هو الحقل الديبلوماسي.إذ في كل قانون مالي يكون الحقل الديبلوماسي هو الطفل اليتيم في المناصب المالية. ولم يحدث قط أن أقام البرلمانيون الدنيا وأقعدوها للضغط في اتجاه تعديل المشاريع الحكومية في هذا الاتجاه، بدليل أن عدد المناصب المقترحة لوزارة الخارجية في كل قانون مالي لا تتجاوز أصابع اليد وتكون عادة من سلاليم دنيا لشغل مهام عادية جدا.

ثالثا: المال العام في المغرب لا يصرف حسب الأولويات والحاجيات الملحة بقدر ما يعبث به البرلمان والحكومة على حد سواء. مثلا: نجد أعضاء البرلمان والحكومة يعضون بالنواجد على الاحتفاظ بوجوب مساهمة الدولة في صناديق تقاعد الوزراء والبرلمانيين، أو يخصصون الأغلفة الباهضة لكراء المقرات الباذخة والفارغة أحيانا من الموظفين، أو لشراء السيارات الفارهة في كل سنة. هذا دون الحديث عن مستوى آخر من التبذير الذي يعرفه المال العام على مستوى المكاتب والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية، والذي يقدر بالملاييرمن السنتيمات سنويا. وبالتالي، لو كانت هناك غيرة ووعي جدي بالمخاطر التي تتربص بالمغرب لتم توجيه الأموال المهدورة هباء بما يخدم الأفق الهجومي للمغرب على المستوى الديبلوماسي ورصد المناصب المالية لتوظيف الكفاءات في السلك الديبلوماسي لتعزيز الجبهة الخارجية والحضور المغربي.

وحينما نطرح الخصاص الكبير في الأطر الديبلوماسية ببلادنا، فإننا لا نقتصر على الجانب المتعدد الأطراف (جنيف ونيويورك)، بل الأمر ينسحب حتى على العلاقات الثنائية ، بحيث لما نقوم بتشريح الحضور الديبلوماسي بسفارة مغربية بالخارج نجد (مع بعض الاستثناءات) أن السفارة لا تضم سوى السفير واثنين أو ثلاثة من الأطرفحسب.

فالمغرب بتاريخه وطموحه والأدوار التي يريد أن يلعبها في العالم تتناقض مع المعطيات بالميدان. إذ في مجموع دول العالم لم يستطع المغرب تغطية سوى 80 دولة فقط،  بنفس المبرر: "غياب الإمكانيات". وعلى المستوى البشري لا يتوفر سوى على 1600 ديبلوماسي بالكاد ، علما أن جزءا من هذا العدد يوجد بالإدارة المركزية. وبالتالي، إذا أسقطنا الأطر الموجودة بالرباط، فإن الأطر الديبلوماسية المغربية العاملة بالخارج (بالدول والمنظمات الدولية) لا يتجاوز 1100 شخص.

طبعا لم نتحدث هنا عن التعيينات وإسقاط أسماء من خارج الحقل الديبلوماسي بشكل كبير. نعم، معظم الدول تعتمد تعيين سفراء من خارج السلك الديبلوماسي، لكن هذه الدول تحرص على التعيين الحزبي بنسبة معقولة لا تتعدى 10 أو 12 في المائة حتى لا تخنق أحلام "أولاد الدار" في الترقي وفي تتويج مسارهم برتبة سفير، فضلا عن ذلك فإنها تحرص على أن يكون القادم من خارج السلك الديبلوماسي قامة سياسية وله مكانة محترمة في مجتمعه وبالخارج. في حين أن المغرب ابتدع صيغة جديدة من الريع تتجلى في تحويل سلك السفراء إلى مضخة للمقربين من القادة الحزبيين أو تحويله إلى منصة لطرد المبعدين و"المبرزطين" داخل المكاتب السياسية للأحزاب، اللهم ما يوجد من استثناءات "حمرت" وجه المغرب. وفي كلتا الحالتين يتضرر المغرب وتتضرر القضية الوطنية، لأن الديبلوماسية ليست مجرد أصول وثقافة عامة وتشريف الدولة وتمثيلها فحسب، بل هي أيضا "صنعة" تتطلب مهارات وإلمام بالقواعد وبأن يكون المعني بالأمر يضبط "الكود" جيدا.

إن تاريخ المغرب (أقصد التاريخ المعاصر منذ استرجاع الصحراء) بقدر ما تميز بإشراقات عديدة، تميز أيضا بانكسارات خرج منها سالما وقويا. والأمل أن يكون القانون المالي المقبل محطة لمصالحة المغرب مع الحقل الديبلوماسي لإعطاء الإشارة بأن مغربا مهاجما ديبلوماسيا سيولد.