الجمعة 19 إبريل 2024
منبر أنفاس

محمد منير: مجتمع بدون نساء.. مجتمع ناقص وضعيف

محمد منير: مجتمع بدون نساء.. مجتمع ناقص وضعيف

 عندما نذكر المرأة تحضر في البال معاني كثيرة لا تخلو أيا منها من إجلال وإكبار، ولعل السر الإلهي العظيم الذي وهبه الله تعالى للمرأة في عملية الحمل والإنجاب وأن تهب الحياة للمولود، أمر لا يضاهيه في الكون شيء مع ما لهذه المنحة من محن وإحن وأوهاق لا يقدر رجال الدنيا عليها ولو بزفرة، يحدث هذا أمام أعين الناس كل يوم بل كل لحظة ولا أحد يتذكر أو تنفعه الذكرى، وخصوصا النساء أنفسهن بما يعلمنه حق العلم، وبما لهن من مسؤوليات الزوجية وصحبة الأبناء إضافة إلى طلب الرزق، فإذا كان هذا هو حال المرأة فهل من المنطقي أن نصفها بالضعف أو النقص؟ ولماذا أولاها النبي صلى الله عليه وسلم بولاية الصحبة ثلاث مرات والرجل مرة واحدة فقط؟ ولماذا سميت سور من القرآن الكريم بالتأنيث (النساء، مريم)؟ ولماذا كرم الله السيدة مريم بنت عمران عليها السلام في سياق الآية الكريمة من سورة آل عمران : (وليس الذكر كالأنثى)36، إشارة واضحة وجلية على تزكية الله لها والسبق، في حين أن أمها لم تكن تعلم أن الأنثى التي وضعتها خير وأكرم من أمة من الرجال؟

المرأة قيمة حتمية لا تستقيم الدنيا بدونها فكما للرجل اعتباره الخاص فهو ناقص لا يكتمل إلا بفهمه الصحيح لخصوصيات المرأة ، وتصحيح الصورة النمطية السيئة لها في الأذهان كفيل بأن يخلق نوعا من الإحترام والرضا عن الآخر، فحينما طلب شاب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيز له الزنا أدرك البعد النفسي لهذا الشاب للمرأة الغريبة عنه وهو في حالة ضعف ونقصان، فأحال نظره إلى البعد المجتمعي للمرأة القريبة منه وهي في قوة وكمال، أمه وأخته وابنته وعدل له ميزان الإرتباط الإنساني، ذلك لأن قيمة الإنسان المثلى في تحديه للضعف والنقص بمساعدة الآخر لا بنفسه فقط، ولا علاقة أرقى من الإرتباط الزوجي (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)21 الروم، إن الرجل في حالات كثيرة يستقيل من رجولته وأبوته إلا من شهوته الجنسية لتعب أو مرض أو تذمر فتقوم هي بتغطية هذا الفراغ بقدرة عالية تجاه الأبناء والزوج، تقدم الطعام لأسرتها وتسهر على ذلك وتبقى دائما الأخيرة وقد لا يفضل لها شئ وتفعله بطيب خاطر دون أن تشتكي، فكما أن الله نفخ في رحمها روح الجنين فهي بعد الولاة تجدد النفخة الربانية بالصبر على راحة الأسرة كاملة.

خلطة سحرية هي المرأة حين تُبنى باسمها الدور وتُهْدم تحت أقدامها القصور وتسمو بها الأجيال وتنهد بتنهّدها الجبال، فالمرأة وبكل بساطة هي كل الحب، هذا هو عنوانها لمن رام الطب البديل وهذا هو عملها لمن اختار المتاجرة والربح الأصيل، هي الأم والزوجة والابنة والجدة، وحقيق بهذه الإنسانة الكاملة أن تقدر مكنونات نفسها وعجائب أسرارها وتخرج كنوزها المدفونة، فقط عليها الثقة في قدراتها بكل ما أوتيت في شخصيتها القوية، وأن تتولى زمام الأمور بيدها لا تستجدي أحدا كائنا من كان، وألا تنساق وراء صواحبات يوسف ممن يفتقدن صفات الجمال الحسي والنفسي، ولا وراء شعارات كاذبة يراد منها الإرتزاق من قضاياها ، فإذا أردنا أن ننعت أحدا بالضعف أو النقص فالأولى أن نتهم الدولة والحكومة حين اغتصبتا حقها، وأن نتهم من يمد يده لضربها (لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم).

  إن القوة والكمال اللذان متع الله بهما المرأة معنيان صارخان في كتاب الله تعالى على لسان بلقيس ملكة سبأ حين قادت قومها للإيمان: (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)44 النمل، والقوة والثبات اللذان اتصفت بهما خديجة بنت خويلد رضي الله عنها لتقف موقفا عظيما ما كان لأعتى الرجال أن يتصف به تثبيتا لزوجها ونبي الله الذي عاد إليها يرتجف (سورة المزمل)، هذا غيض من فيض القوة والكمال والثبات والصبر والجمال والسكن، لم يكن الله ليستشهد بهذه الأوصاف الجليلة لإنسانة تتهم بالضعف والنقصان إلا ليبين للمرأة أولا ثم للناس أنها فوق ما يصفون وأحسن مما يعتقدون.

فهل تدرك المرأة حقيقة نفسها وعظمة قدرها؟ هل فهمت دورها المنوط بها داخل الأسرة والمجتمع؟ وهل ستعمل على استغلال قوتها وكمالها بالشكل الصحيح في الوقت والمكان المناسبين؟ أم ستنتظر في الطابور الطويل أمام مقرات الدولة والجمعيات النسائية لينصفوها حقها؟

  سيدتي ،إن فاقد الشئ لا يعطيه وكل إناء ينضح بما فيه.