الأربعاء 25 سبتمبر 2024
مجتمع

عبد الصادق معافة: السلامة الطرقية معضلة مجتمعية ينبغي ربطها بشعار "الحق في الحياة"

عبد الصادق معافة: السلامة الطرقية معضلة مجتمعية ينبغي ربطها بشعار "الحق في الحياة"

وقافلة السلامة الطرقية تشرف على نهايتها، وهي تحل بورزازات، تأتى لنا من خلال مواكبة نشاطها ومختلف التصريحات، أن إشكالية مقاربة معضلة حوادث السير بالمغرب، والتي تخلف ضحايا ومآسي داخل المجتمع وتنهك ميزانية الدولة التي ترهقها بكلفة تتجاوز 16 مليار درهم سنويا، تعاني (الإشكالية) من جهة من تشتت المتدخلين وتداخل الإجراءات، ومن جهة ثانية من نقص في دعم أجهزة المراقبة من حيث الوسائل المادية والبشرية.. وهو ما يطرح سؤالا عريضا حول ما هي جدوى الحملات التحسيسية؟ ولمناقشة هذا الموضوع التقت "أنفاس بريس" بعبد الصادق معافة، رئيس قسم التواصل والتحسيس باللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير وأحد مؤطري القافلة، وأجرت معه الحوار التالي :

+ ما هي نتائج الحملات التحسيسية للسلامة الطرقية أمام نقص في وسائل للمراقبة البشرية والمادية وتعدد المتدخلين وتداخل الإجراءات؟

- تدبير ملف السلامة الطرقية، كما تعلمون، هو ملف شائك ومتشعب، وفيه الكثير من المتدخلين.. وقد بدأت العملية على المستوى الاستراتيجي منذ 2003. وعندما أقول استراتيجية فهنالك رؤية إيلاء أولوية وطنية للسلامة الطرقية، كما أنه ثانيا تم في إطارها تحديد أهداف واقعية وقابلة للإنجاز.. وبعد مرور 10 سنوات على هذه الاستراتيجية ومخططات العمل المندمجة، يمكن القول بأن الأهداف التي كانت مرصودة تم تحقيقها، على اعتبار أنه تم تثبيت المنحنى الذي كان منحنى تصاعديا إلى منحنى تنازلي سواء على مستوى القتلى أو على مستوى المصابين بجروح بليغة. الآن في إطار تقييم هذه الاستراتيجية ووضع أسس جديدة لاسترتيجية وطنية شاملة للسلامة الطرقية، تم تحديد رؤية جديدة مضمونها هو أن السلامة الطرقية لا يمكن الوصول إليها إلا عبر تأمين طريق آمنة وسليمة. ولكن بالمقابل يجب أن يكون هناك سلوك مواطن، ولأول مرة أصبحت هناك أهداف بمؤشرات رقمية، ففي أفق الخمس سنوات المقبلة يجب تقليص عدد القتلى ب 25% وعلى مستوى الـ 10سنوات المقبلة بالنصف أي 50%، وتم تحديد الركائز التي تنطلق أولا من سلوك المواطن ومن طريق آمنة وإعطاء أهمية بالغة لفئات عديمة الحماية كالراجلين ومستعملي الدراجات بالإضافة إلى معطى الإغاثة والإسعاف.

هذه الرؤية وهذه الأهداف والركائز، التي حددت كأولويات ذات  الطابع الاستعجالي على مستوى التدبير، لا يمكن أن تحقق النتائج المتوخاة منها دون استكمالها بالإطار الشمولي الذي تتداخل وتتقاطع فيه كافة المؤسسات المتدخلة في إطار التنسيق، علما أنه حينما نتحدث عن السلامة الطرقية فإننا نتحدث عن التنسيق على أعلى مستوى وعلى عدة محاور.. فهنالك المحور التشريعي ومحور البنيات التحتية ومحور التكوين ومحور الإسعاف، بالإضافة إلى محاور أساسية أخرى هي التواصل والتحسيس والتعبئة على السلامة الطرقية والبحث العلمي واليقظة واستشراف كافة التجارب الرائدة على الصعيد الدولي. هذه  المحاور تساهم، ولاشك بنصيب وافر في تحقيق الأهداف المسطرة في إطار منظومة متكاملة لا أحد من أطرافها يستطيع أن يحقق نتائج دون عمل أو تدخل قطاعات أخرى. لهذا فالتوعية والتحسيس والمراقبة والبنيات التحتية هي روافد من أجل بناء سياسة عمومية تمكن من تحقيق نتائج إيجابية في مجال السلامة الطرقية.

+ لكن أين موقع التحسيس وفعاليته بالضبط في هذه المنظومة العريضة التي قدمت؟

- التحسيس محور مكمل مواكب ومصاحب، يلعب دوره ضمن المحاور الأخرى التي ذكرت.. لذلك فالعمليات التي نقوم بها كمخططات تواصلية شمولية لا يمكن اجتثاثها أو عزلها عن الرؤية الاستراتيجية. لهذا فالتواصل والتحسيس الذي تنجزه اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير هو عمل مواكب. طبعا نحن نسطر أهدافا ذات بعد تواصلي وذلك لتتبع أثر كل عملية تحسيسية على مستوى السلوك ومدى قابلية المتلقي وفهمه لخطاباتنا وإلى أي مدى يمكن استيعاب هذه الخطابات.. هذه المواكبة نقوم بها من خلال دراسات تقييمية لهذه العمليات التحسيسية، مثلا عبر الوصلات التلفزية التحسيسية والوصلات الإذاعية والملصقات كذلك، حتى تبلغ الحملات مستويات جد معقولة ومقبولة بالنسبة للأهداف التواصلية التي نحققها بعملياتنا ذات التواصل المباشر والتواصل الميداني. لهذا أوكد على أن التواصل والتحسيس عمل شمولي ومواكب.

+ كيف يمكن للمراقبة بدورها أن تواكب هذه العمليات التحسيسية وقد أثارها مدير المدرسة الآمنة سجلماسة بميدلت عندما أشار بأن التربية على السلامة الطرقية أمر متواصل، لكن عدم احترام ممرات الراجلين كمثال ما زال يشكل إكراها رئيسيا؟

- حينما نقوم بعملية تحسيسية فيجب أن تصاحبها عملية المراقبة الطرقية وزجر المخالفين.. يعني هناك علاقة جدلية تكاملية بين التحسيس والمراقبة.. وطبعا التأثير في السلوك ليس بالأمر الهين، بل هو عمل مضن متواصل يستوجب النفس الطويل، لأنه عندما نقول التأثير في السلوك فيجب أن نخضعه لمكون آخر يتعلق بتمثلاتنا كمواطنين وكمستعملين للفضاء الطرقي، حيث يجب أن نراجع هذه التمثلات من خلال تصحيح مجموعة من الأفكار المغلوطة لا على مستوى التشوير العمودي أو على المستوى الأفقي.. مثلا ماذا تعني علامة قف أو الأضواء الثلاثية، وبالتالي مدى استيعاب مستعملي الطريق للقانون لأن هذه التمثلات تنتج عنها مواقف وسلوكات خاطئة، لأنه إذا كان المرء في تمثلاته الذهنية يرى بأنه لا جدوى من علامة التشوير هذه أو تلك، فإن ذلك ينتج عنه موقف سلبي ولا يستجيب لمقتضيات السلامة الطرقية.. وهذا التغيير السلوكي تشتغل عليه اللجنة في إطار ما نسميه بالأنشطة الموازية، كالعمل المؤسساتي القائم في إطار مشروع  بين وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك ووزارة التربية الوطنية من أجل إدماج مفاهيم التربية الطرقية في المقررات المدرسية وعبر حلبات التربية الطرقية بالمؤسسات التربوية، وكذلك عن طريق فعاليات المجتمع المدني.. ونسعى بطبيعة الحال من وراء الحملات التحسيسية ترسيخ هذه الثقافة وإعطاء بعض القواعد الأولية للسلامة الطرقية للأطفال. وأكيد أن الحصول على النتائج الملموسة يقتضي تشديد المراقبة والزجر بالرغم أن الهدف أصلا ليس زجريا أو فرض الغرامات، لأنه ليس غاية في حد ذاته.. فهنالك مخطط وطني شامل تدخل فيه المراقبة الآلية والاعتماد على التكنولوجيات المعاصرة في مجال المراقبة يشمل عمليات الرادارات الثابتة وتقويتها من أجل إعطاء مصداقية أكبر للمراقبة وعدم حصرها في تدخل  العنصر البشري. وأعتقد بأن تفعيل المراقبة الآلية من رادارات وغيرها من الآليات الأخرى، بالإضافة إلى تحيين بعض مقتضيات قانون السير، من شأن كل ذلك تحسين مؤشرات السلامة الطرقية.

إن السلامة الطرقية ليست قرارا يتخذ في الإدارة، ونقول إننا به سوف نخفض من حوادث السير، بل تستوجب جهود كافة المتدخلين المعنيين كل حسب تخصصاته في مجال المراقبة ومجال التشريع ومجال التكوين ومجال االتحسيس. هي منظومة شاملة إذن، ويجب اعتماد مقاربة شمولية تشاركية وتراكمية في نفس الوقت على مستوى ما نحققه من مكاسب ومن الخبرات. وأعتقد أنه لو لم تكن استراتيجية وطنية وإرادة سياسية على أعلى مستوى لمعالجة هذا الملف وهذه التدابير المحورية التي ذكرت، والانخراط الإيجابي للمهنيين والمؤسسات البيداغوجية ومكونات المجتمع المدني والمواطن، لكنا لا قدر الله نتكلم عن أرقام تفوق 6 آلاف قتيل في السنة، وأيضا ما كنا نسجل انخفاضا في نسبة السلوك السلبي للمواطن تجاه علامات التشوير، حيث تراجعت نسبة عدم الاحترام من 90% إلى 63% وفق الدراسات التي تقوم بها اللجنة الوطنية للمؤشرات السلوكية كل 6 أشهر على مستوى احترام علامة قف والأضواء الثلاثية، استعمال حزام السلامة، استعمال الخوذة، استعمال الهاتف النقال، إلخ... وهذه المؤشرات هي التي تعطي الفكرة عن مدى استعداد مستعمل الطريق بشكل عام على التعامل مع  الفضاء الطرقي بوعي ودراية، علما بأن السلامة الطرقية مسألة تهم الجميع كمعضلة مجتمعية، وكل فيها يتحمل مسؤوليته.. لأنه إذا كنا نتحدث عن الحق في السكن وفي التعليم وفي الصحة وفي التشغيل، فينبغي أن يكون من أسمى وأولى الحقوق الجديرة بالعناية وللاهتمام هو الحق في الحياة.