Saturday 10 May 2025
كتاب الرأي

موسى مريد: لا أحب أخنوش، ولا يعجبني بنكيران

موسى مريد: لا أحب أخنوش، ولا يعجبني بنكيران موسى مريد
لا أحب أخنوش، ولا أحب بنكيران.. ويبدو أن جهة تريد أن تفرض علينا أن نختار بينهما، وبينهما فقط!  لأن تلك الجهة تعرف جيدا، أنه لو اخترنا أخنوش أو فضلنا عليه بنكيران، فكلاهما سيطبقان نفس البرنامج ونفس التعليمات ونفس التوجيهات! والدليل أننا جربناهما معا، وفي حكومة واحدة! ولم ينسحب منها أحد ولم يختلفا على شيء، بل كانا حليفين وسمنا على عسل! وتلك الجهة هي من جاءت بأخنوش، وأمرته بافتعال بلوكاج من أجل طرد بنكيران في 2016، رغم أن هذا الأخير كان تلميذا نجيبا في تطبيق التعليمات، بل ومجتهدا فيها، وحقق نتائج باهرة في طحن كل من سولت له نفسه معارضة إجراءات المخزن.. والسبب الذي أدى الى الإطاحة به، كما تسرب من أخبار، هو لأنه يثرثر كثيرا نهاية كل أسبوع في لقاءاته الحزبية، وفي وسائل الإعلام، فظهر أنه أصبح نجما، وهو ما لم تصبر عليه الجهة المعلومة، لأن العرف في دار المخزن، أن خدام الأعتاب الشريفة، لا يجب أن يصيروا نجوما، ولاحظوا معي أن الوزراء الأولين السابقين مثل ادريس جطو وعباس الفاسي كانوا قليلي الكلام، وإن تكلموا لا يقولون شيئا!
ولست مع من يرفع شعار تازة قبل غزة، والكل يعرف أن ذلك ليس حبا في تازة، ولكن الهدف الحقيقي من هذا الشعار تسويغ التطبيع مع كيان مجرم وخطير على البلاد ووحدتها وأمنها واستقرارها..
 وبالمقابل لست مع من ينعت أصحاب شعار تازة قبل غزة بالحمير والميكروبات،  فبنكيران لا يهيم حبا في غزة، بل الأمر يتعلق بمناوشات انتخابوية، يريد منها أن يغسل عبثا عار حزبه الملطخ  بتوقيع اتفاقية التطبيع، والتي لم يجرؤ حينها على معارضتها أو الدعوة الى الانسحاب من الحكومة! بل برر ذلك التوقيع ودعا إخوانه الى الإذعان له! والحقيقة أن بنكيران وأخنوش وهما في الحكومة، لم ينفعا لا غزة ولا تازة! لأن الحكومة عندنا لا تهش ولا تبش في السياسة الخارجية، وهو ما يقبل به ودون تردد الأستاذ عبد الإله وسي عزيز! 
ولا بد هنا أن نذكر، لمن نسي، أنه تم سجن الصحفيين  والمناضلين  في عهد اخنوش كما في عهد بنكيران.. وتم التصويت على قوانين مجحفة في عهديهما معا .. وكلاهما  طبقا سياسات متوحشة  ضربت في الصميم حقوق فئات واسعة من المغاربة.. واستشرى الفساد في الإدارة في عهديهما معا، وتبورد علينا الفراقشية، ولم يستطيعا مواجهتهم، بل لقد صرح أخنوش بكل وقاحة بأن شركته فازت بصفقة سمينة في قبة البرلمان ومرت الأمور بسلام، فيما قال بنكيران للمفسدين: عفا الله عما سلف، واستمتعوا بما سرقتم فأنتم الطلقاء!
ولا بد لمن نسي، أن نذكره هنا، أن لا أحد من الرجلين  استطاع اصلاح التعليم، ولا اصلاح القضاء، ولا توفير خدمات صحية مجانية وسكن لائق وشغل كريم للمغاربة... والإحصائيات في هذا الصدد معلومة، وترتيب المغرب في مؤشرات التنمية البشرية في أسفل سافلين! فما الذي يجعلني أحب أخنوش أو أدعو الى التصويت لبنكيران؟! 
وطبعا هناك اختلافات بين الرجلين، اختلافات في الهندام والكلام، في البدايات لا في المآل، في نقط الراء وفي " فهمتنيني ولا لا".. لكنه في النهاية، اختلاف في القشور لا في الجوهر، اختلاف في التفاصيل التي لا تقدم ولا تؤخر في أمر هذا الشعب شيئا!
عدا ذلك، ففي النهاية، يقدم الرجلان نفسيهما دائما، بمناسبة أو بدونها، كسياسيين مؤمنين بأن الأحزاب في هذا الوطن مجرد أدوات في أيدي السلطة لا غير، وأن الفوز بالحكومة لا تعني ممارسة الحكم، وأنهما مستعدين دوما لتنفيذ التوجيهات والتعليمات والسياسات المعدة سلفا! ونتيجة لهذا الانحباس البرنامجي، تطفو الشعبوية المقيتة، ومحاولات خلق بوز سياسي، وتجييش الكتائب الالكترونية، و معها الصراعات الفارغة، و يتضخم معجم التنابز والسب والشتم بينهما.. فالذي لا برنامج له، والذي لا سلطة له، سيجد حتما في الخطابات الشعبوية ضالته الوحيدة لاستدرار عطف الناخبين، وتوجيه النقاش الى قضايا هامشية مدرة للأصوات وغير مكلفة سياسيا!
فلماذا نحشر أنفسنا في الاختيار بين السيء والأكثر سوءا؟!! لماذا يريد البعض أن يفرض علينا تجريب المجرب و انتظار نتائج مغايرة؟! أليس هذا هو الغباء بعينه؟!
 كان للاختيار معنى في زمن مضى، حين كنا نميز بين أحزاب إدارية، وأخرى مستقلة.. وحين كان المغاربة يصوتون على أحزاب حقيقية في مقابل أخرى مصنوعة في الكوكوت المخزني، وحين كانت الانتخابات تجري بين المناضلين وبين أعيان الداخلية، و الأهم كانت الانتخابات تجري بين أحزاب ببرامج و هوية،  وبين أحزاب لا مهمة لها غير التصفيق لكل السياسات والشعارات الصادرة عن الدولة!
لكن المؤلم، أن أحزاب الحركة الوطنية التقليدية ذابت في براد المخزن، وفقدت استقلاليتها، وأصبحت مرتعا للأعيان المفسدين والفراقشية، ونسيت برامجها وحتى شهداءها وتضحياتهم.. ولئن كانت أحزاب أخنوش والتراكتور إدارية النشأة، فأحزاب الميزان والوردة والمصباح أصبحت إدارية المآل!
 إن التحدي المطروح على مغرب اليوم، هو إعادة قضايا إحقاق ديمقراطية حقيقية والتوزيع العادل للثروة والعدالة الاجتماعية وحماية الحقوق و الحريات، الى جدول أعمال النقاش السياسي الوطني. ولا نرى في طرح أخنوش ومعه بنكيران وما جاورهما، أي ذكر لهذه القضايا الكبرى، فالرجلان منغمسان في سباق التقرب من دائرة القرار، ولذلك نرى أن خطابهما موجه الى الأعلى لطمأنة ونيل ثقة الحاكمين وولوبيات الريع المستفيدة، عوض التوجه بخطاب الى المجتمع لنيل ثقته وتحقيق آماله في العيش الكريم..
 سيسألني سائل: ما العمل؟ نعم، هذا هو السؤال!
لست حالما، ولا راديكاليا، ولم يستهويني أبدا خيار المقاطعة، وأعرف جيدا وعن تجربة،  أن التفكير في أمر التغيير الديمقراطي بالمغرب استعصى على الكثير من المثقفين الكبار والفاعلين الجديين، وبعيدا عن أي شعبوية أو عاطفة، فإني أدعو فقط الى  تحكيم العقل والمنطق في هذا الموضوع، فأقول ببساطة، لماذا لا نجرب خيارا ثالثا؟ وإن لم ينجح؟ فلنجرب خيارا رابعا! وإن لم ينجح، فلنؤسس خيارا خامسا!
إني أدعو كل مواطنة ومواطن أن يتساءل:   لماذا لا يجرب هؤلاء الملايين من الغاضبين والمقاطعين والذي لا يعجبهم شيء، اختيار توجه جديد؟! ألم يحدث ذلك في عدة دول وصعدت للسلطة أحزاب صغيرة، وانهارت أحزاب كبيرة؟  لماذا مثلا لا نصوت على فيدرالية  اليسار؟ او على حزب نبيلة منيب؟ أو على الحزب الليبرالي؟ أو أي حزب آخر!  أو على حزب جديد يؤسسه مثقفون وشباب؟!!
في المحصلة، لن أصوت أبدا على أخنوش، ولن أصوت على بنكيران، ولا على أحزاب التحالف الحكومي الأخرى، ولا على أي حزب يعج بالفراقشية.. ستكون استراتيجيتي بسيطة، وهي الخروج من فكي كماشة واختيار مفروض علينا فرضا، وسأهزم تلك الجهة التي تدفع الى تقاطب ثنائي، يخدمها في كلتا الحالتين، وربما ستعمد الى جمع أخنوش وبنكيران معا في حكومة واحدة كما حدث من قبل..  وسنجد أنفسنا أمام إعادة إنتاج نفس الوضع السابق!
لذلك كله، سأصوت على الخيار الثالث!